ولفت النشواتي إلى أن هذا ما دفع تركيا إلى تلمس موقعها الجديد في السلسة الغذائية بعد أن وصل الحال برئيس البلاد رجب طيب أردوغان إلى الهجوم على مجلس الأمن من خلال تصريحاته المتكررة بأن "العالم أكبر من خمسة" في إشارة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية، وذلك فقط لأن تركيا ليست بينهم، حيث أن القوة — على اختلاف أشكالها وأنواعها — التي اكتسبتها أنقرة حديثا لا تكفيها بكل تأكيد لتكون في رأس الهرم الغذائي، ولا حتى لتصل إلى مرحلة التصنيف بين الدول الكبرى في النسق الثاني للنظام الدولي، رغم كل المشاريع التي تبنتها الحكومة التركية من "العثمانية الجديدة"، وصولا إلى دعم القوميات الأخرى بمبررات القضايا الإسلامية المشتركة، كأداة وصاية وتعديل في البنى الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بما يخدم مساعيها وتمددها، والتي لم تقف عند حدود المتوسط بل امتدت للبحر الأحمر من خلال جزيرة سواكن السودانية ضمن الاتفاقية الأخيرة مع الخرطوم، وللخليج العربي من خلال توسيع القاعدة العسكرية التركية في قطر بعد التضامن معها في أزمة المقاطعة الخليجية". على حد تعبير النشواتي.
وأضاف: "على رأس هذه الملفات والقضايا يتربع الملف السوري بمسار أستانا للتهدئة، لتلعب من خلاله أنقرة دور أحد الضامنين لإنجاح هذا المسار، والذي يتضح أن الضامن الوحيد الذي سعت له أنقرة هو خدمة أولويات الأمن القومي التركي دونا عن التزاماتها الأخرى، وتجلى ذلك بدخول قوات الجيش التركي بدلا من الشرطة العسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار في إدلب، وتطويق عفرين بدلا من محاربة "النصرة" الإرهابية، والذي يعد من الالتزامات التركية كدولة ضامنة، بل وذهبت أنقرة لأبعد من ذلك بمحاولة دمج "هيئة تحرير الشام" مع باقي الفصائل بتشكيل "الجيش الموحد"، كمبادرة لخلط التصنيفات والتي ينتج عنها خلط جغرافية هذه الفصائل ومناطق انتشارها"
وأردف الكاتب أنه "وفي انتظار استخدام كل هذا الكيان الجديد والمنظم جنبا إلى جنب مع الجيش التركي للاتجاه نحو حلب فور شروع واشنطن بفتح جولة ثانية من الحرب ضد دمشق، من خلال تشكيلاتها الجديدة في الجنوب كـ"جيش سوريا الجديد"، و"جيش الشمال" مع "قوات سوريا الديمقراطية"، حيث أصبحت قوات الجيش التركي تتواجد في أقرب نقطة في تاريخ الحرب السورية من مدينة حلب في دارة عزة، والتي لا تفصلها إلا بضعة كيلومترات عن حلب، في محاولة تركية لاستغلال أي فرصة ممكن أن تسنح في المستقبل لتكرار سيناريو السقوط الثاني لتدمر في حلب ولكن بشكل نهائي، وهو ما استشعرت روسيا بخطره مسبقا لتباشر مع الجيش السوري بعملية خلع الناب التركي في إدلب وبطريقة بالغة الألم، لدرجة أن صوت أنقرة وتصريحاتها صدح في معظم عواصم المنطقة والعالم، على شكل دعوات للالتزام بتفاهمات أستانا. على حد قول النشواتي.
وأضاف: أنقرة اليوم مجبرة على منع وصول الأسلحة من أوكرانيا إلى سوريا حتى لا ينال الأكراد في الشمال نصيبهم منها ما سيرفع من منسوب التوتر مع واشنطن، ومجبرة أيضا على إحضار فصائلها لمؤتمر سوتشي للتسوية السياسية في سوريا، كحل وحيد لوقف العمليات العسكرية في إدلب، تحت طائل تحول كامل الحدود التركية الجنوبية الشرقية لجبهات مفتوحة، وأعداء وخصوم يجمعهم عامل مشترك أساسي وهو الانتقام من أنقرة، إضافة إلى خسارة مقعدها المتخلخل في "الحلف الأوراسي"، الذي لا يوجد بديل حالي لأنقره عنه، بحسب النشواتي.
وخلص الكاتب السوري إلى أن دمشق وموسكو قررتا إنهاء أهم منطقتين لخفض التصعيد (إدلب- الغوطة الشرقية لدمشق)، طالما أن وقف إطلاق النار لا ينتج أي تفاهمات سياسية، ليلي هذه المنطقتين منطقة خفض التصعيد في حمص والتقدم باتجاه شرق الفرات، في حال لم تكن النتائج كافية لإطلاق عجلة الحل السياسي، وهو ما لا يمكن للأطراف الضليعة في الأزمة السورية تحمل تبعاته بعد إفشال مشروع قلب الطاولة على كل سوريا وروسيا.