اعتبر الباحث السوري صلاح النشواتي في مقال نشره مركز "كاتيخون" للدراسات أن الولايات المتحدة لا تزال تسعى بكل إمكانياتها نحو استغلال كامل نفوذها على المستوى الدولي لتحافظ على وجودها كقوة عظمى، وتنهي مساعي أي دولة أخرى نحو بلوغ القطبية، وتعتمد في ذلك على عاملين رئيسيين وهما:
وشبه الكاتب تأثير السياسة الأمريكية على هذين العاملين كعلاقة "زوايا المثلث متساوي الساقين"، إلا أن هذا "المثلث اختل بشكل كبير في السنوات الأخيرة لغير صالح واشنطن".
وأكد الكاتب أن الإدارة الأمريكية تلقت الصفعة الأولى من روسيا التي أنهت فعلياً عصر التفوق العسكري وأصبح يهدد حتى تعميم الأنماط العسكرية الأمريكية، والتي حاولت واشنطن التصدي لهذا الخلل الجديد لصالح روسيا بمحاولة استهداف مبيعات السلاح الروسية بعقوبات اقتصادية وترهيب دولي ضد الدول التي تحاول شراء الأسلحة الروسية المتفوقة، ولكن دون أن تحدث هذه الحروب المالية والدبلوماسية التي شنتها على روسيا، التغيير المطلوب.
وأضاف الكاتب أن الصفعة الثانية كانت اقتصادية من الصين، والتي فشلت واشنطن بكل الوسائل التي اتبعتها باحتوائها، الاقتصادية منها والجيوبولتيكية، كتوتير المحيط الإقليمي من قضية تايوان، إلى الحقوق الملكية الفكرية وصولاً إلى ملف كوريا الشمالية وجزر سبراتلي والشروع باستراتيجية تسليح الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي لخلق صدام بشأن قضية الجزر المتنازع عليها.
وأردف الكاتب "ولكن النتائج لم تكن حاسمة ولا ترقى إلى مستوى إنهاء تهديد الصين الاقتصادي، ما دفع بواشنطن إلى أبعد من ذلك، حيث ذهب البيت الأبيض نحو استغلال وجود العملة الأمريكية كعملة دولية وعولمية الاقتصاد الأمريكي الذي يتشابك مع أغلب الاقتصاديات المتقدمة في دول العالم، ليفرض العقوبات الجائرة وغير المبررة على كل من يراه منافساً له في تزعم الاقتصاد المعولم أو على من يراه تهديداً له في نفوذه الجيوبولتيكي في مناطق العالم البرية والبحرية".
ورأى الكاتب أن الأنانية الأمريكية باسنحابها من الاتفاق النووي الإيراني وفرضها الرسوم على دول الاتحاد الأوروبي وتعريضه لهزة وصدمة شديدتين من هذه القرارات، خلقت صدعا عميقا في النظام الدولي، وأصبح الدور الأمريكي دورا غير موثوق ومثير للقلق، وهو ما أتاح الفرصة الحذرة لروسيا بملء هذا الصدع ومحاولة الشروع باستبدال الدور، حيث بدأت موسكو تتحول رؤيتها لذاتها من اقتصاد قوي في نظام اقتصادي معولم، إلى اقتصاد إمبراطوري في شبكة جيواقتصادية تخرج الولايات المتحدة الأمريكية منها شيئا فشيئا، لتصبح خارج هذه الدائرة والتي تعمل موسكو على دمجها مع الصين.
واعتبر الكاتب أن هذه المؤتمرات الثلاث تأتي كبدائل عن ثلاث:
مؤتمر بطرسبورغ بديلا عادلا عن اتفاقية التجارة عبر الأطلسي، ومؤتمر يكاترينبورغ بديلا عن مجموعة الثماني التي أخرجت منها روسيا، ومؤتمر الشرق الأقصى الاقتصادي الدولي في فلاديفوستوك بديلاً عن اتفاقية الشراكة عبر الهادي التي انسحبت واشنطن منها مؤخرا.
واستنتج الكاتب أن صدعين دوليين سيواجهان التغير الجديد في النظام الدولي،وهما صدع مع الصين التي تسعى لتزعم البنية الاقتصادية الدولية، ما يعوق الجهود الروسية الصينية التكاملية، ومن جهة أخرى الحاجة الملحة لخلق بديل عن معادلة البترودولار، والتي ستخلق صدعا كبيرا مع الخليج العربي.
وختم الكاتب: "صدعين بحاجة إلى استراتيجية روسية واضحة ومعدة بالإضافة للاستراتيجيات التي تفرضها تغير الظروف الدولية والسياسة الأمريكية الرعناء، والتي من الممكن في حال وضع حلول استراتيجية استباقية، أن يدخل النظام الدولي مرحلة التعددية القطبية المستقرة والآمنة".