وما زاد الطين بلة اليوم هو تعنت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي عاد وقال أن الهجوم المحتمل للجيش السوري في محافظة إدلب، سيكون "خطأ إنسانيا جسيما" ودعا إلى عدم السماح بذلك موجهاً أيضاً التحذير لكل من روسيا وإيران بأنهم سيرتكبون خطأ إنسانياً خطيراً بالمشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة على حد قوله. ما يعني أنه مازالت هناك نية أمريكية للاعتداء على سوريا، ويبحث ترامب عن أسباب أخرى لتنفيذ عدوانه تحت ستار الإنسانية والدفاع عن المدنيين في إدلب.
ما الذي تخفيه تحذيرات ترامب لسوريا وحلفائها؟
ماهي الأوضاع الحقيقية التي تعيشها إدلب في هذه الأيام؟
هل يمكن فعلياً أن يتخلى التركي عن استثماره لمن دعمهم من المجموعات الإرهابية ولقاء ماذا؟
كيف ستتعامل الدولة السورية مع هذا التعنت الأمريكي لمنعها من التعامل مع الإرهابيين وتحرير المدينة؟
ماهي الآمال المعًلقة فعلياً على قمة الرؤساء الثلاثة المرتقبة في طهران، وأين تكمن مواضع الخلاف بين هذه الدول الضامنة لمناطق التصعيد التي خرجت أصلاً عن السيطرة العامة؟
يقول الخبير في قضايا التوازن الاستراتيجي والاقتصاد العسكري، اللواء الدكتور سهيل يونس:
"الحقيقة موضوع إدلب مهمة جداً، وخاصة أننا نقترب من مرحلة حساسة، ولا أقول هنا أننا نقترب من نهاية الحرب وإنما نقطة مفصلية في إدارة الحرب. إدلب تحتل موقعاً جغرافياً مهماً جداً، وتحتل موقعاً عسكرياً استراتيجيا أيضا مهماً جداً. محافظة إدلب تتجاور مع لواء اسكندرون مع حلب ومع اللاذقية، يعني مجموعة قوى مؤثرة عليها ، وبالإضافة إلى ذلك تم تحشيد كافة القوى الموجودة هناك، ومن يدير الصراع في إدلب استطاع بحنكة كبيرة أن يشكل مجموعة الصراع الدولي في إدلب بتناقضاته المتعددة، والقوى الرئيسية التي تدير العملية في إدلب، ولو افترضنا على المستوى الدولي يعني روسيا والولايات المتحدة هما مختلفان من حيث المعايير الأساسية، وأنا ألتقي مع مفكرين وضباط روس يعملون في المنطقة هم يؤكدون أن معيارهم هو تجنيب إدلب أي خسارة بشرية على الرغم من الأخطار التي تشكلها المجموعات الإرهابية على القيادة الروسية وعلى التجمع الروسي الموجود في اللاذقية، وحتى المقترحات في إطار التفاوض السلمي سواء من القيادة السورية والروسية والقوى الحليفة معنا، هم يتفاوضون بمعايير جداً إنسانية ومن موقف القوة ، ما يشكل لنا مدخلاً من حيث تحليل باقي الأمور ما جهة الواقع الدولي والقوى التي تعمل في هذه المنطقة".
وأردف اللواء يونس:
"تحليل الموقف في إدلب هو تحليل دولي بالدرجة الأولى، ولو أخذنا الدولة التركية فهي رأس حربة لحلف الأطلسي، يعني استخدمت تركيا استخداما مجحفاً من قبل الغرب في إدارة معركة خاسرة بهدف إعادة ترتيب المصالح الغربية بقوى ووسائل رخيصة ومرفوضة دولياً. تركيا بالتحديد تشكل جزءاً من الحلف الأطلسي ولا يمكن إنكار هذا الموضوع أما التوازن الدولي القائم لن يقبل ببقاء تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي لأن التوازن أصبح مختلاً وحديثنا عن موضوع انتهاء عالم القطب الواحد هو خسارة الولايات المتحدة على المستوى العالمي، وما يجري حالياً هو إعادة ترتيب هذا الموضوع، فتركيا جزء من حلف الأطلسي كما أسلفنا وواقعة تحت ضغوط هائلة وهي مستهدفة بشكل لايقل عن سورية ، وأمام تركيا خيارين لا ثالث لهما أبداُ، إما الانسحاب من الحلف الأطلسي، أو أن تقع بأزمة تشبه الأزمة وقعت فيها سورية وأكثر من ذلك، والحقيقة روسيا في بعدها السياسي فهمت أهمية تركيا ، وتركيا تربطها مع روسيا مصالح عميقة جداً، والأكثر من ذلك هو أنه في تركيا ظهرت حركة سياسية وشعبية كبيرة جداً تطرح شعارات الانسحاب من الحلف الأطلسي وبشكل واضح، لأن السياسة التركية لا تعبر إطلاقاً عن مصالح شعبها وباتت دولة وحكومة مأزومة".
"في التوازن الاستراتيجي نحن نخشى الحرب، ولكن الحرب ليست ضربة، و التوازن الاستراتيجي محسوم منذ زمن بعيد، والولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على حسم الحرب في النزاع الدولي، وليست قادرة على حسم الحرب في نزاع إقليمي كالنزاع في إدلب، والولايات المتحدة تدرك هذا جيداً، لأنه لديها مفكرين وعقول يفهمون تماماً أنها خسرت المعركة، وبسبب تنامي القوى الإقليمية وعدم قدرة الولايات المتحدة كقطب دولي من السيطرة على حلفائها في المنطقة هي مضطرة حالياً للتهديد والوعيد، واستثمار الأوضاع المأزومة للحفاظ على مصالحها مع حلفائها في المنطقة. المعركة في إدلب محسومة بالمعايير الموضوعة من قبل الحكومة السورية وحلفائها، معايير تجنب الخسائر البشرية، على عكس الأمريكي وحلفائه لأن همهم الرئيس إنهاء معركة إدلب بأكبر كمية من الخسائر والدمار".
وختم اللواء يونس:
"تركيا دولة مهمة جداً بالنسبة لسورية وللحلفاء، ونحن نحرص على حسن العلاقة مع الجار التركي كدولة وكشعب، ونلاحظ أن إغلاق الطريق الدولية عبر إدلب سبب خسائر كبيرة وجسيمة لتركيا وسوريا، وبالتالي قضية فتح الطرق الدولية طريق حلب اللاذقية ودمشق حلب من المسائل المهمة جداً لإحياء المنطقة ولخدمة مصالح الشعب التركي، ونحن حريصون أيضاً على كسب تركيا كحليف وإخراجها من دائرة العدو. يعني حالياً تركيا حليفة لروسيا وروسيا تتعرض يومياً لهجمات بالطائرات المسيرة واعتداءات المباشرة، وتركيا دولة ضامنة، وجزء من اتفاقات خفض التصعيد، ولكنها غير قادرة على لجم الوضع والمجموعات الإرهابية في إدلب حالياً، والأمر يكمن الآن في أن المجموعات الإرهابية المسلحة ستنفك عن تركيا وستلتحق بقيادات أمريكية قريباً، لأن الولايات المتحدة غير قادرة على السيطرة على تركيا كدولة وستلجأ بهذه الطريقة إلى إنقاذ ما تبقى من القوى الإرهابية وإعادة استخدامها مرة أخرى في الحرب ضد سوريا وفي المنطقة أيضاً".
إعداد وتقديم نواف إبراهيم