من هنا يتبين أن الانتقال إلى خطوة جديدة للمواجهة من خلال تشكيل ما يسمى بـ"تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، أي "الناتو العربي"، ينذر بمرحلة جديدة من الصعب معرفة كنهها وتقدير ما يترتب عليها في المستقبل بالنظر إلى الأهداف المراد تحقيقها من قبل القوى القائمة على هذه الخطوة في مثل هذا التوقيت وهذه الظروف.
ما هي الخطة الحقيقية لتنفيذ هذه الخطوة، ضد من بالأساس، ما هي أهدافها الحقيقية، ولصالح من؟
ماهي المرتكزات التي سيتم الاعتماد عليها في تأطير أو تشكيل الحلف القادم؟
الخطورة التي يشكلها هذا الحلف على أمن واستقرار المنطقة كونه يخدم بالأساس مصالح دول خارج نطاق الوطن العربي والإقليم بشكل عام وتبحث عن تحقيق مصالحها بأية طريقة؟
هل ستسكت روسيا وإيران وحتى تركيا المتحالفة معهما على هذه الخطوة التي تهدد مصالح الجميع على المديين المتوسط والبعيد؟
كيف يمكن للقوى الممانعة للهيمنة الأمريكية التعامل مع هذه المتغيرات وما هي أساليب الردع والمواجهة الممكنة أو المتاحة؟
حول هذا الموضوع نتحدث مع رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية الأستاذ عبد الباري عطوان الذي قدم مؤخراً تقريراً شاملاً مدعوماً برؤية دقيقة لما يحدث حالياً وما قد يترتب عليه في الأيام القادمة، من خلال رؤية واسعة الحدود تعتمد على تقاطعات الأحداث وتنبىء بالأسوأ مستقبلاً وفق ماجاء على لسان الأستاذ عطوان.
رئيس تحرير جريدة "رأي اليوم" الإلكترونية عبد الباري عطوان يقول:
بداية، هذه الخطوة هي مشروع أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى لمواجهة التحالف الروسي الإيراني التركي، هذه منظومة إقليمية جديدة ستكون بديلة عن مجلس التعاون الخليجي وعن جامعة الدول العربية، إسرائيل ستكون اللاعب الرئيس في هذه المنظومة الجديدة، وأنا في تقديري أنها منظمومة حرب بالدرجة الأولى، الهدف منها إيران، وتهيئة المنطقة لصراع طائفي من ناحية، من ناحية أخرى في الحقيقة نحن أمام تطور خطير جدا سيزعزع المنطقة وسيقودها إلى مرحلة خطيرة تزعزع أمنها واستقرارها وربما تتطور إلى حرب عالمية ثالثة.
واستطرد عطوان في حديثه قائلاً:
لا أعتقد أن التحالف الثلاثي التركي الإيراني الروسي سيقف مكتوف الإيدي، لأن هذه المنظومة الجديدة تريد السيطرة على أغنى منطقة في العالم، عندما أقول أغنى منطقة في العالم فأنا أعني ما أقول، ففي هذه المنطقة تتواجد فيها الاحتياطات النفطية الهائلة وأيضا هي مستودع نفط ضخم غني ومليء بالعوائد النفطية بالعملات الأجنبية، لا أظن أن روسيا ستقف مكتوفة الأيدي، ولا أعتقد أن إيران وتركيا ستقفان مكتوفتي الأيدي أيضاً.
نحن الآن على حافة حرب سياسية واقتصادية وربما عسكرية في المستقبل المنظور وهنا تكمن الخطورة، هذه المنظومة الجديدة التي تسعى أمريكا وإسرائيل إلى إقامتها ستدشن في شهر يناير/كانون الثاني المقبل يعني مطلع العام الجديد، وستسهدف بالدرجة الأولى المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط ، فهل ستسكت روسيا؟ أنا لا أعتقد أن روسيا ستسكت، والرئيس بوتين رئيس في قمة الدهاء ويدرك ما يجري طبخه حالياً في المنطقة بشكل عام، إبعاد الروسي وإبعاد الحلف الإيراني الروسي التركي عن المنطقة أو إضعافه بطريقة أو بأخرى.
نحن نعلم أن الحصار النفطي على إيران سيبدأ في السادس من شهر نوفمبر/كانون الأول المقبل وأعتقد أن توقيت حوار المنامة الذي يؤطر لهذه المنظومة الجديدة وتوقيته قبل أيام من الحصار ملفت جداً ومشاركة جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي في هذا الحوار إلى جانب وزراء خارجية دول عديدة يؤشر إلى أننا مقدمون على تطورات خطيرة في المنطقة في الأيام المقبلة".
وأردف عطوان:
التحالف الثلاثي الروسي التركي الإيراني استطاع أن يهزم المشروع الأمريكي في سورية وفي العراق، وهذا المحور قوي جداً، في تصوري يملك أدواته السياسية والاقتصادية والعسكرية وعندما يجد أن مصالحه في خطر سيتصدى لهذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي العربي بشكل أو بآخر، وهناك دولة عظمى اسمها روسيا، هذه القوة العظمى استطاعت أن تطور منظومة عسكرية حديثة جداً وقادرة على مواجهة أي تغلغل أمريكي في المنطقة، أيضا روسيا أكبر مصدر للنفط في العالم وللغاز أيضاً، تملك ثروات جيدة.
أعتقد أن الإختبار الحقيقي سيكون عندما يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتطبيق الحصار على النفط الإيراني في السادس الشهر القادم، وأنا بتقديري هذه الخطوة ستظهر معدن التحالف الثلاثي الروسي التركي الإيراني من حيث إفشال فرض حصار نفطي على إيران، لأن هذا الحصار سيؤدي إلى تجويع الشعب الإيراني، ولا أعتقد أن إيران ستقبل بأن يجوع شعبها وأن تمر بظروف حصار وصعبة كما مر بها العراق في عام 1990".
وأضاف عطوان:
من المؤسف ومن المؤلم أن هذه المنظومة السياسية والعسكرية الجديدة "الناتو العربي " الطائفي، تأتي على حساب القضية العربية، شاهدنا مسيرة التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل تتصاعد بشكل ملفت للنظر، كما شاهدنا رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يمين نتنياهو يزور سلطنة عمان علناً ومعه رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، وشاهدنا وزراء إسرائيلويون يزورون أبو ظبي، والآن هناك وزيرة الثقافة الإسرائيلية ووزير الإتصال الإسرائيلي أيوب قرة، وشهدنا أبو ظبي والدوحة تستقبلان وفود رياضية إسرائيلية.
كل مايجري حالياً هو محاولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وجعل إسرائيل دولة عادية، ونسيان القضية الفلسطينية وعملية السلام كلياً، ولأجل تجاوز هذه القضية المصيرية، وفي النتيجة هذا يشكل عنصر عدم استقرار في المنطقة، لا أعتقد أن هذا التطبيع سيمّر بسلام، وأنا بتقديري سيعطي نتائج عكسية وسيعيد عدم الاستقرار وزعزعة الأوضاع إلى المنطقة، الشعب الفلسطيني لن يستسلم أبداً والشعوب العربية لن تستسلم أبداً.
في تقديري هذه المنظومة استعمارية تحمل مخططات لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي وفرض وجهة النظر الإسرائيلية على العرب وعلى المنطقة برمتها، هذا تطور خطير جداً ولن يمر في تقديري وسيعيد عدم الاستقرار إلى المنطقة وربما يعيد المقاومة بكافة أشكالها إلى مواجهة هذا المخطط خاصة أن هذه المقاومة ستجد دعماً من روسيا وستجد دعماً من إيران ومن تركيا في المرحلة المقبلة".
إعداد وتقديم نواف إبراهيم