لم تمض ساعات حتى انهالت حملات التبرعات السخية لترميم الكاتدرائية.. وتسابقت وسائل الإعلام في إبراز حجم الكارثة.. وخلال الساعات الأولى من الكارثة تم الإعلان تبرعات بأكثر من 300 مليون دولار فيما خرج الرئيس الفرنسي لطمأنه شعبه.. لتحل نبرة الأمل سريعا محل اليأس.
ومع فداحة الكارثة تميز رد الفعل العالمي على الحريق بالسرعة والقوة والفعالية خلافا لما حدث من دمار متعمد لمواقع عربية من قبل التنظيمات الإرهابية.. فمدينة تدمر درة التراث الإنساني مازالت تحت الانقاض حتى الآن ومدينة النمرود العراقية لم تجد من يعيد بناؤها بالحماسة التي أعلن عنها اثرياء العالم اليوم.
وقال الدكتور رفيق جريش المتحدث الرسمي السابق للكنيسة الكاثوليكية بمصر لراديو "سبوتنيك" إن حريق كاتدرائية نوتردام ليس الأول من نوعه مشيرا إلا أن عمر الكاتدرائية يتجاوز ثمانية قرون، وهي رمز لكاثوليكية فرنسا، وقد شهدت أحداثا كبرى في التاريخ الفرنسي.
وأكد جريش أنه تم إنقاذ الجزء الأهم في الكنيسة وكنوزها الدينية، وأهمها أكليل الشوك، معربا عن أمله في تزويد الموقع بأنظمة حديثة تمنع تكرار الحادث مستقبلا، وتوقع أن يتم ترميم الكنيسة بشكل يمكن أن يعيدها إلى سابق عهدها.
وقال رئيس تحرير صحيفة كل العرب علي المرعبي، إن التعاطف الكبير مع حادث الكاتدرائية يرجع إلى الثقل الحضاري القوي لباريس ورمزيتها نظرا لوجود منظمة اليونسكو بها ولحضورها الكبير خاصة أنها تتعاطي مع مثل هذه المسائل بشكل إيجابي.
وأكد المرعبي ان اختلاف رد الفعل ناتج عن اختلاف تعاطي المواطنين أنفسهم مع الحدث، ففي الوقت الذي تبرع فيه أثرياء فرنسا بملايين الدولارات لم نسمع عن أمر مماثل في العالم العربي بل يلجأ أثرياء العرب أيضا للتبرع لفرنسا لإظهار اهتمامهم.
وتوقع المرعبي ألا يؤثر الحادث سلبا على اقتصاد السياحة في فرنسا، وقال إنه ربما يؤدي إلى زيادة أعداد السائحين الراغبين بمشاهدة آثار الحريق.
وقال الخبير الأثري السوري علاء السيد إن مدينة تدمر أقدم بكثير من الكاتدرائية، وهو أثر لا يعوض في تاريخ الإنسانية نظر لبناء مدينة بهذا الحجم له عمق حضاري أكبر ولكن للأسف التراث الإنساني تعرض لضربات متتالية وما حدث في تدمر والنمرود كان متعمدا وممنهجا ووحشيا وتسبب في حزن كبير للإنسانية جميعا.
وأعرب عن اعتقاده أن الأحداث التي تقع في أوروبا وباريس تحصل على ضوء إعلامي أكبر فيما لم يتم تقديم اي معونات إنسانية أو دولية لتدمر باستثناء المحاولات الروسية للترميم.
وأشار الخبير الأثري إلى أن حجم الحريق في الكاتدرائية كان مفاجئا وربما يعود إلى المخاوف من ادخال التقنيات الحديثة للإطفاء إلى المواقع الأثرية خشية الإضرار بها لكنه أكد أنه يتعين إعادة النظر في أنظمة الحماية للتراث الإنساني.
وقال الباحث الأثري عامر عبد الرازق إن هناك تقصيرا في الحفاظ على مواقع التراث الإنساني، داعيا إلى تأمين هذه الأماكن باعتبارها أماكن استراتيجية ومعاملتها معاملة المنشآت السيادية على أن تلتزم السلطة التنفيذية بحمايتها قدر حمايتها لوزارات الدفاع والمنشآت الحيوية.
وأكد أن تدمير الماضي رسالة موجعة ويتعين إعادة النظر في سبل الحماية مشيرا الى أن اليونسكو توجه وتضع التزامات على الدول لكن الأمر يتعلق بمدى رغبة السلطات وتعاطي المواطنين مع أثارهم مؤكدا أنها ملك للإنسانية برمتها ويتعين التعامل معها على هذا المستوى.
إعداد وتقديم جيهان لطفي