جميع مواضيع قسم المدونات تعبر عن رأي كتّابها فقط
ينحدر أبناء مخيم النيرب من مناطق الجليل الأعلى الفلسطيني؛ من مدن: صفد، وعكا، وحيفا، وطبريا، ومن قرى: الطيرة، ولوبية، وترشيحا، وحطين، والكويكات، والصفصاف، والشجرة، وعين غزال.
أبوعمار في سوق الورد
مذ نعومة أظافري كانت والدتي تصطحبني معها في زيارتها السّنوية لمنزل جدي في مخيم النّيرب، كانت المسافة طويلة، حقيقةً، بين المخيمين، فمخيم العائدين في درعا حيث كنت أقطن يقع في جنوب سوريا ويقع الأخير في شمالها، لكن رغم من وعثاء السفر ومشقته، كنت أعود بذاكرة مزدحمة وذكريات لاتنسى تخضب الأيام.
أكثر ما كان يدهشني في مخيم النيرب هو موالاة أغلبية سكانه للرئيس أبوعمار وانتشار الملصقات التي تحمل صوره في كل الأزقة والشوارع الضيقة التي هي بمثابة زقاق واسع.
وكان مايدهشني أكثر هو عندما اصطحبتني والدتي ذات صباح للسوق، فبعد أن تخطيت آخر زقاق يوصلني إليه، هبت نسائم من عبق الورد الجوري الذي يزرع في الحقول المجاورة للمخيم وملأت أنفي وذاكرتي وتلك الرائحة لاتزال عالقة في ذهني لليوم، حيث كان هناك عربة يجرها جحش عامرة بورد الجوري الدمشقي الذي تبتاعه النسوة لصنع مربى الورد الذي هو من ألذ أنواع المربيات على الإطلاق. وكغيره من المخيمات الفلسطينية كان النيرب يصدّر الكثير من الأطباء والمهندسين والمعلمين لباقي المناطق، ففي ساعات الصباح الباكر يمكن أن ترى انطلاق عشرات الحافلات الصغيرة التي تقل المعلمين لمدارسهم في القرى والمناطق القريبة.
الشهداء لايشربون العرقسوس
وكأن التاريخ والحاضر يجمعان على وحدة المصير ويعرّفان القتلة مهما تعددت مشاربهم وأهدافهم المعلنة والغير ذلك.
وعليهِ أجبرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) على تعليق دوام المدارس الست التي تقوم بإدارتها في المخيم — الأمر الذي يؤثر على أكثر من 3000 طفل. وقد تم دفن الضحايا نفس الليلة فيما أغلقت المحال وتوقفت الخدمات يوم الأربعاء حدادا على القتلى. وفي الوقت الذي قامت فيه الأونروا بفتح مدارسها في اليوم التالي الخميس في مخيم النيرب، إلا أنها قامت بذلك مع معرفتها الأليمة بأن ثلاثة من طلبتها لن ينضموا إلى التحضيرات النهائية لامتحانات نهاية العام. فقد بلغت حصيلة الشهداء عشرة شهداء مع عدد لايستهان به من الجرحى.
مخيم النيرب تم حصاره لشهور عديدة، لموقعه الاستراتيجي حيث يقع جنوب مطار النيرب العسكري، وتم قصفه مرات عديدة مع محاولات متكررة على احتلاله، لكنه ظلّ عصيا صلبا غير قابل للكسر.
في ذكرى النكبة مازال الدّم الفلسطيني نازفا عابقا يحث الخطى نحو فلسطين المحتلة مهما طال الطريق واستطال الزمن وتكاثر الأعداء.