أكثر من 20 ألف مهاجر تونسي عبروا البحر المتوسط في اتجاه إيطاليا، مما خلق أزمة دبلوماسية كبيرة، وخلق جدلا واسعا داخل الاتحاد الأوروبي، حيث كانت وتيرة الهجرة قبل ذلك الوقت منخفضة بسبب المراقبة المتواصلة.
ارتفاع وتيرة الهجرة خلف أيضا مآسي كبيرة جدا حتى أضحى يطلق على البحر الأبيض المتوسط مقبرة المهاجرين ولا تزال قوارب الموت إلى الآن تنقل المهاجرين على إختلاف مصائرهم، منهم من يصل إلى الضفة الأخرى ليبدأ رحلة معاناة الوضعية غير القانونية، ومنهم من يلاقي حتفه ومنهم من يبقى مصيره مجهولا.
اتهام السلطات التونسية بالتقصير
لا تزال أكثر من 500 عائلة تونسية منذ 8 سنوات، تنتظر الكشف عن مصير أبنائها المفقودين في موجة الهجرة غير النظامية سنة 2011، وتقدر السلطات الإيطالية وصول أكثر من 30 ألف مهاجر غير نظامي لأراضيها في عملية هجرة جماعية غير مسبوقة، ما خلق حالة من التخبط بين دول الاتحاد الأوروبي، التي لم تستقر على حل، ما دفع بالسلطات الإيطالية إلى منح بعض المهاجرين إقامة بستة أشهر، وذلك في إطار اتفاقية موقعة مع الحكومة التونسية، فيما تمكنت من ترحيل جزء منهم وإعادته إلى تونس لكن جزء من هؤلاء المهاجرين ظل مفقودا إلى اليوم .
حوالي 504 تونسي مفقود منذ سنة 2011 لم تشملهم اتفاقية الحكومة التونسية، ولم تشملهم أيضا حتى عمليات البحث. وأهالي المفقودين يتهمون السلطات التونسية بالتقصير، بعد ثبوت وجود بعض المفقودين في السجون الإيطالية فيما لم تحرك تونس ساكنا للبحث عنهم أو المطالبة بهم.
عائلات ملتاعة
عثمان العسيلي، كهل تجاوز العقد الخامس من العمر، تكسو التجاعيد وجهه وتطفو عليه علامات اللوعة والحسرة. ويقول عثمان في حديثه لـ"سبوتنيك":
منذ فقدان ابني وليد، سنة 2011، انقلبت حياتي رأسا على عقب، شاركت في عشرات الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بالكشف عن مصير ابني، ولكن لا حياة لمن تنادي.
يضيف عثمان بأن ابنه غادر البيت في 12 من يونيو/حزيران 2011، متوجها إلى محافظة صفاقس الساحلية للعمل، قبل أن يتصل ذات مساء ليعلمه بنيته العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط بصفة سرية، كان يوم 12 أغسطس/آب 2011 آخر مرة يرى فيها ابنه.
يحمّل عثمان السلطات التونسية كامل المسؤولية عن مصير ابنه، قائلا: "إنهم لا يقومون بأي مجهود للعثور على أبنائنا، حتى اللجنة التي تم تشكيلها من أجل القيام بمهمة البحث والتقصي عن المفقودين لم تأت بأي نتيجة، وتم إجهاضها وحلها، ليس لدي أي حل غير الوقفات الاحتجاجية، غياب إبني ينهك جسدي كثيرا".
استغاثة الأم لا تلقى تجاوبا
كان عام 2011 عاما حزينا، وربما من أكثر الأيام حزنا في حياة الأم، سيدة الوردي. وتعتبر الوردي أن يوم 2 مارس/آذار 2011، هو من أسوأ الأيام في حياتها، لأنه تاريخ فقدانها ابنيها.
تحكي سيدة بحرقة وألم عن تفاصيل عملية هجرة ابنيها وأصابعها لا تكاد تكف عن التسبيح، تسبيح يخفي في خباياه تضرعا إلى الله، في أن ترى ابنيها المفقودين منذ 8 سنوات مرة ثانية.
وتقول سيدة:
لم أكن أعلم بالموضوع بتاتا، كان ابني في بيت أخيه المتزوج، خططا سويا للهجرة خفية عني، حيث أتت جارتي لتعلمني أن أبنائي قد وصلوا إلى إيطاليا ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتظر إتصالهم.
منذ 2011، سيدة تحاول العثور على ابنيها عبر وسائل كثيرة، اتجهت إلى وزارة الخارجية، ولم تتلق أي رد، حاولت الاتصال بجميع منسقي هذا النوع من الهجرة وأصحاب المراكب ولكنها لم تتلق ردا، حتى أنها توجهت في كثير من الأحيان إلى سفارة إيطاليا بتونس، ولكن دون جدوى.
هجرة لا تتوقف وأعداد المفقودين في تزايد
إن عدد المفقودين ارتفع بالمئات خلال السنوات الأخيرة، وأن المطلوب اليوم هو إيجاد آلية دائمة في علاقة بالمفقودين في البحر، فرحلات الهجرة غير النظامية مستمرة وعدد المفقودين في زيادة، والمطلوب أيضا هو فتح مسارات لعائلات المفقودين، فبعض هؤلاء يعاني من الكثير من التعطيلات، بخصوص استخراج شهادة وفاة لإبنه، إلى جانب تفاصيل أخرى خلقت مشاكل كثيرة لعائلات المفقودين.
كما أكد بن عمر "وجب على السلطات التونسية تقديم إجابات واضحة لمطالب العائلات، والرد على تساؤلاتهم، فهناك إشاعات كبرى تؤرق هذه العائلات وبعضهم دخل في متاهات، وحين تغيب الدولة تحضر الإشاعات، وما يزيد من حرقتهم عدم تعامل الدولة بجدية مع ما يقدمونه من وثائق ودلائل قاموا بمجهود كبير للعثور عليها".
يرى أهالي المفقودين في إيطاليا أن السلطات التونسية لا تتعامل بالجدية المطلوبة مع ملف المفقودين، وأن هناك محاولة لطمس هذا الملف، لكن إلى حين تجاوب السلطات التونسية مع هذا الملف وبذل مجهود أكبر في البحث عن مصير هؤلاء المفقودين، يبقى عثمان يعاني تعب الوقفات الاحتجاجية، ويسكن الألم قلب سيدة الوردي، ومئات العائلات الأخرى على أمل لقاء أبنائهم من جديد.