تتفوق الليرة السورية من حيث سعر الصرف مقابل الدولار على كل من التومان الإيراني والدينار العراقي والليرة اللبنانية، حيث يبلغ سعر صرف الدولار الواحد حوالي 620 ليرة سورية، فيما يبلغ أكثر من 1500 ليرة لبنانية، وحوالي 10000 تومان إيراني، وحوالي 1196 دينار عراقي.
طبعا سعر الصرف لا يعكس صورة حقيقية القوة الشرائية للمواطن في كل بلد، لأن القوة الشرائية تتعلق بعوامل أخرى أهمها حجم الدخل مقارنة بحجم الأسعار، ونتيجة الحرب في سوريا، يبقى الدخل في العراق ولبنان وإيران أفضل بشكل نسبي من الدخل بسوريا، وهنا نبحث نح فقط في سعر الصرف السوقي لكل عملة.
وبهذا، أجاب الأستاذ الدكتور باسم غدير على سؤال وكالة "سبوتنيك"، حول هذا الموضوع قائلا:
"يعود ذلك إلى أسباب عدّة منها: تنوّع الاقتصاد السوري من حيث مقدّرات الإنتاج، ووجود ثروات متنوعة كالنفط والغاز وغيرهما، كما يعود ذلك إلى امتلاك الاقتصاد السوري سلّة غذائية متكاملة تغطّي نسبة عالية جداً من الحاجة الغذائية اليومية للشعب السوري، الأمر الذي يجعل الدورة التدفقية لليرة السورية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلع الغذائية الأساسية وبالتالي طالما أنّ السلع الغذائية الأساسية تُنتج داخلياً وتسوّق داخلياً ولاترتبط ارتباطا مباشرا بالدولار فإنّ هذا الأمر يعزّز قيمتها مهما انخفضت قيمتها مقابل الدولار ...إذ أنّ الاستمرار في تداول العملة الوطنية يعزّز من قيمتها مهما انخفضت قيمتها مقابل العملات الأخرى.".
وأضاف غدير : "إضافة إلى أنّ سلعاً أساسية أخرى تتعلق بحياة المواطن السوري مباشرة كانت تُصنّع بوفرة قبل الحرب وماتزال مثل الأدوية .... من هنا نعرف أنّ مثلث الحاجات الأساسية في زمن الحرب يتوفرمحلياً في سورية الغذاء والدواء والوقود ...علماً أنّ الأخير فيما لو استطاعت الدولة استعادة منابعها الأخرى من الطاقة كما حصل مع بعض حقول الغاز ... لأدّى هذا إلى ثبات أكبر لقيمة الليرة السورية."
وأردف الدكتور غدير: "أما فيما يخص القوة الشرائية للمستهلك السوري فهي باتت منخفضة نسبياً عن مثيلاتها لذوي الدخل المحدود لعدم قدرة الحكومة رفع سقف الرواتب والأجور ... لكنّ تنوّع السلّة الغذائية وتوفر الملبوسات بجودات مختلفة مكّن المواطن السوري الأقل دخلاً من الحفاظ على الحدّ الأدنى اللازم للاستمرار.... فالمبلوسات السورية المنتجة محليا مثلاً تتدرج من أسعار منخفضة جداً (على البسطات وبجودة منخفضة) إلى أسعار عالية تتناسب وأصحاب الدخول المرتفعة .... وكذلك مايخص السلع الغذائية المنتجة محليا .... هذا ما يعطي القدرة الشرائية السورية مساحة تتحرك فيها خلافاً لما يحدث للقدرات الشرائية للمستهلكين في الدول المجاورة".
وكان مجموعة من الخبراء الاقتصاديين السوريين كشفوا الأسباب والمحددات الأساسية التي تؤثر على سعر صرف الدولار في سوريا، والتي أهمها المضاربات، والطلب على القطع الأجنبي وعوامل مختلفة سنعددها في هذا التقرير.
وكان الدكتور غدير أشار في حوار سابق مع سبوتنيك إلى محددات سعر الصرف في سويا: "كانت تتلخص هذه المحددات كما يراها العديد من الباحثين قبل الحرب بثمانية محددات هي (الاستثمار الأجنبي المباشر، معدل النمو الاقتصادي، العرض النقدي، الإنفاق الحكومي، الانفتاح التجاري، سعر الفائدة الحقيقي، شروط التبادل التجاري، و الاستقرار السياسي) وفي ظل الحرب فإنّ معظم هذه المحددات قد أصابها الخلل، وبالتالي انعكس ذلك بشكل كبير على ارتفاع سعر الصرف، وفي فترة الحرب على سورية تأرجح هذا السعر، لنجده قد وصل إلى أعلى نقاط له في الأيام الماضية وأجد أنّ هناك محددات كانت وراء تفاقم سعره في مراحل عدة في الحرب ومنها في الأيام الفائتة مثل الفساد النقدي كما أسميه والمضاربات النقدية ذات الطابع السياسي المحض التي تحاول تقويض أية نتائج إيجابية لحسم المعارك في الشمال السوري وفي إدلب على وجه الخصوص لما له من ثقل سياسي تتجاذبه أطراف عدة في المنطقة".
وأضاف الدكتور غدير، "طبعاً من المفترض أن يكون هناك انخفاض في سعر الصرف كما تقتضيها المحددات الطبيعية لسعر الصرف مثل إعادة دورة الإنتاج للعديد من مفاصل الدولة التي كانت خارج السيطرة تماما ... لكن المفاجئ بالأمر حدوث العكس، ولا يمككننا تجاهل ارتفاع حدّة الحصار والضغط الأمريكي التجاري والمالي على أي نشاط اقتصادي يخص سورية بالتوازي مع أذرع الفساد النقدي الذي أشرت إليه والذي تعمل القوى المناوئة سياسيا وعسكريا لسورية على تقويته ودعمه للحدود القصوى".
وختم الدكتور غدير "أخيراً إنّ الاستقرار السياسي في هذه المرحلة هو أهم المحددات على الإطلاق لأنه الوحيد القادر على لجم أذرع الفساد النقدي الداخلية منها والخارجية، الداخلية التي تعطي فسحة أكبر للهدوء لرأس المال الجبان كما نسميه وتفتح له ثغرات استثمارية أخرى غير المقامرة بسعر الصرف ! مع كل انحسار للحصار الاقتصادي الخانق، وكذلك لجم الأذرع الخارجية التي تلقائيا سينكمش دورها مع كل تسوية سياسية جديدة".