كشفت وزارة الصحة الفلسطينية، أن عدد حالات الانتحار في الضفة الغربية ارتفع خلال العام الماضي، بنسبة 14%، مقارنة بالعام الذي سبقه بسبب الأمراض النفسية التي تصيب الأشخاص خاصة الاكتئاب.
الانتحار في فلسطين
وقالت اختصاصية الطب النفسي، رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية سماح جبر، إن دراسات عديدة خلصت إلى القول بأن الخطاب الديني المعتمد على الطمأنينة والثقة يخفف من الاكتئاب والقلق، ويسهل الشفاء ويعزز الوقاية من الانتحار عن طريق إحياء الروح المعنوية وبث البشرى في النفوس.
ودعت إلى إدخال مساقات الصحة النفسية والإرشاد في كليات الشريعة، لتكوين علماء دين مدربين على تقديم الإرشاد النفسي والتعامل مع أحداث الحياة وتقلُّبات النفس البشرية تعاملا إيمانيّا وعلميَا في آن معا، بحسب وكالة وفا.
وأضافت:
نواجه في فلسطين ارتفاعا بوتيرة الإقدام على الانتحار، وأظهرت الاحصائيات الصادرة عن إدارة البحوث والتخطيط في الشرطة ارتفاع عدد حالات الانتحار في الضفة العام الماضي 2018 بنسبة 14%، مقارنة بالعام الذي سبقه.
دوافع الانتحار
الباحث الحقوقي الفلسطيني، حسين حماد، قال إن "هناك أسباب عدة لانتشار حالات الانتحار في فلسطين، تختلف من منطقة لأخرى بحسب القيود المفروضة هناك".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "عوامل انتشار الانتحار في الضفة، تختلف عن قطاع غزة، والذي يكون الانتحار فيه دائمًا لأسباب اجتماعية مرتبطة بشكل رئيسي بالأوضاع المالية والاقتصادية".
وتابع:
رغم عدم وجود دراسة تفصيلية عن حالات الانتحار في غزة، إلا أن الأسباب تأتي دائمًا بسبب البطالة، والتي وصلت في صفوف الشباب إلى 53% وفقًا لمركز الإحصاء الفلسطيني، بجانب نسب الفقر المدقع المرتفعة.
وعن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، قال: "بالطبع أثر الحصار بشكل سلبي على الحياة في غزة، وفرض ضغوطًا نفسية كبيرة، وبات الأفق مسدودًا في التنقل الحركي، بجانب فرض مزيد من القيود، وانتشار الابتزاز بشكل يومي، والاعتقالات".
وأنهى حديثه قائلًا:
في الضفة الأمر مختلف، والأسباب كذلك مختلفة، فقد تكون لأسباب نفسية، أو اجتماعية، لكن الأوضاع هناك أكثر تحسنًا من غزة.
فقدان الأمل
أما من الجانب السياسي، فيقول الدكتور أسامة شعث، المستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية، إن "تكرار حالات الانتحار بين صفوف الشباب بقطاع غزة والضفة الغربية مؤخرًا، يدلل على فقدان الأمل بأي مستقبل لديهم".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "السبب الأساسي في انتشار ظاهرة الانتحار هو انعدام فرص العمل وازدياد حالات الفقر والظلم والقهر الاجتماعي الذي يعيشه هؤلاء الشباب واقعا، والذي تعود أسبابه بالدرجة الأولى إلى استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي".
وأشار الخبير الفلسطيني إلى أن "الانقسام أسهم بإفساد الحياة السياسية في الأراضي الفلسطينية، فتضاءلت فرص العمل لدى الخريجين".
وتابع: "السبب الآخر هو الاحتلال، فالشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع أشكال الاحتلال والعدوان والحصار الخانق، ما يمنع المواطنين من حرية الحركة والتنقل والعمل".
وطالب شعث من الحكومة "ضرورة التحرك ووضع خطط عاجلة لإيجاد فرص عمل للشباب وتوجيههم باستثمار طاقاتهم على الانخراط في سوق العمل الفلسطيني، بحسب الحاجات المتاحة"، مؤكدًا أن "مستقبل الدولة الفلسطينية مرهون بشبابها".
معدلات مرتفعة
وبحسب رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، سماح جبر، شهدت الضفة ما مجموعه 25 حالة انتحار، علمًا بأن عام 2017 شهد 22 حالة، وكان توزيعهم حسب الجنس: 15 من الذكور و10 إناث، أما توزيعهم حسب الحالة الاجتماعية 17 غير متزوجين مقابل 8 متزوجين، ووفقا للتوزيع العمري فقد جاءت أعلى نسبة للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار ضمن الفئة العمرية ما بين 28- 25 عاما، وشكلت ما نسبته 32%، أما بخصوص المستوى التعليمي، فإن أعلى نسبة للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار جاءت ضمن فئة حملة الشهادة الثانوية وشكلت هذه الفئة 44% من الحالات المسجلة".
ومضت قائلة:
تزيد الخطورة عندما يشعر الإنسان باليأس وأن حياته لا هدف منها ولا معنى لها، وعندما يكون هناك فقدان للاستبصار واختلال الصلة بالواقع كأن الشخص يعاني من ضلالات وأنه ملاحق أو مضطهد على سبيل المثال، أو يعاني من هلوسات سمعية تهدده وتسخر منه، أو تكون لديه مشكلة استخدام الكحول والمخدرات، ولعل أهم عوامل الخطورة أن تكون هناك محاولات سابقة للانتحار.
وقالت إننا "نفتقر في فلسطين الى الخطوط الساخنة المختصة بتقديم التدخل للوقاية من الانتحار، أو بدارسة وتقديم البيانات عن تلك الظاهرة من أجل أبحاث مكثفة تساعدنا في الوصول لأفضل الاستراتيجيات الممكنة للتعامل معها".
وأضافت أن حساسية الانتحار وعدم شرعيته يجعل هذه الظاهرة تنمو في الظل ويصعب الحد منها.
وتابعت أن "التفكير بالانتحار لا يعني أن الشخص سيئ أو ضعيف الإيمان أو أنه يود أن يموت، بل يعني أنه يعاني من ألم يفوق قدرته على التحمل في الوقت الحاضر، فمن الضروري أن نُشعر الإنسان بأننا نتفهم أن هناك سبب لمشاعره تلك ثم "حقنه" بالأمل بأنه لا توجد مشكلة تدوم إلى الأبد والمساعدة متوفرة الآن وعلى المدى البعيد".