تولى وصفي التل منصب رئيس الوزراء في الأعوام 1962 و1965 و1970، وهو واحد من أكثر الشخصيات جدلا في التاريخ الحديث، خاصة حول دوره فيما عرف بأحداث "أيلول الأسود"، وهي الصدامات المسلحة التي جرت بين الفدائيين الفلسطينين داخل الأردن والسلطات الأمنية بالمملكة.
حكاية اغنيه....وصفي التل.. pic.twitter.com/XDpIpUq4zo
— HatemAlquraan14🇯🇴 (@HAlquraan14) November 28, 2019
ولد التل في العام 1920، وهو ابن الشاعر الأردني المعروف مصطفى وهبي التل (عرار). تلقى دراسته الابتدائية في المملكة، ثم انتقل للدراسة بالجامعة الأمريكية في بيروت، وتقلد وظائف ومناصب رسمية في عمان والقدس وأريحا ولندن، وعمل دبلوماسيا في السفارات الأردنية في موسكو وطهران وبغداد.
ضم الأردن الضفة الغربية إلى أراضيه في عام 1951، وقام بتجنيس فلسطينييها، إلا أنه خسرها في حرب يونيو/ تموز 1967، فعملت حركة فتح الفلسطينية على تكثيف عمليتها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ضد إسرائيل من الأراضي الأردنية، وأصبحت منطقة الكرامة الحدودية مقراً لها.
غير أن هذا الوضع لم يرتح له النظام الأردني، إذ ضاق ذرعا بما يقوم به الفدائيون الفلسطينيون فقرر التخلص منهم. وبحسب عدد من المصادر التاريخية الفلسطينية، فيعد وصفي التل هو العقل المدبر لإنهاء التواجد الفدائي الفلسطيني من الأراضي الأردنية، وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأردن قد ضاق ذرعا بما يقوم به الفدائيون الفلسطينيون الذين كانوا يتواجدون في الضفة الغربية، وتحدثت وسائل الإعلام الفلسطينية عن أن هذه الفصائل كانت تقوم بفرض سيطرتها على الأراضي التي تقيم فيها وتفرض الضرائب على المواطنين، وأصبحت بمثابة "دولة داخل الدولة"، لذلك قررت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية.
تقول بعض المصادر الفلسطينية إن الملك حسين كان يرغب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة، لحصر نشاط الفصائل داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة، بينما كانت المؤسسة العسكرية ترغب في توجيه ضربة قاضية، وكان يقود هذا الرأي المشير حابس المجالي، ووصفي التل، وزيد الرفاعي، وزيد بن شاكر ومدير المخابرات الأردنية آنذاك نذير رشيد، واتفقوا على تنفيذ العملية العسكرية وأطلقوا عليها اسم "جوهر".
وفي يناير/ كانون الثاني 1971، اليوم التالي للاجتماع، بدأ الجيش بتنفيذ خطة "جوهر"، وحدثت اشتباكات بين الجيش والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن تم تشكيل حكومة وصفي التل.
واستخدمت القوات المسلحة الأردنية جميع أنواع الأسلحة، بداية من سلاح الطيران، وصولا إلى المشاه، مرورا بالمدرعات والمدفعية، وبدأت الدبابات الأردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية، بينما كانت المجنزرات والسكوتات باقتحام المخيمات، وتمكن الجيش في النهاية من إخراج المسلحين من مناطقهم مع زيادة وتيرة القصف والضغط العسكري، وسط انتقادات عربية واسعة وتجاهل تام من الجانب الأردني، وفي أبريل/ نيسان أمر وصفي التل منظمة التحرير الفلسطينية بنقل جميع قواعدها من عمان إلى الغابات بين عجلون وجرش.
وفي يوليو / تموز، حاصر الجيش آخر الفدائيين وكان عددهم حوالي 2.000 شخص في منطقة عجلون- جرش، واستسلموا في النهاية وسمح لهم بالمغادرة إلى سوريا، وفي مؤتمر صحفي عقد في 17 تموز / يوليو، أعلن الحسين أن السيادة الأردنية قد أعيدت تماما، وأنه "لا توجد مشكلة الآن".
وقدرت بعض الكتابات الفلسطينية عدد الذي قتلوا في هذه العملية بحوالي 4000 قتيل من الفدائيين.
وألقت القوات الأردنية القبض على معظم رؤساء وقادة المنظمات، وفرّ ياسر عرفات متنكراً، ثم سيطرت القوات الأردنية على الأرض واستسلم أكثر من 7.000 من المسلحين الفلسطينيين وقتل الآلاف منهم، وعقد مؤتمر القاهرة في 23 أيلول/ سبتمبر، والذي تم الاتفاق فيه على خروج المنظمات الفدائية من المدن الأردنية كاملة لتتجمع في مناطق أحراش جرش وأحراش عجلون مقابل عدم اعتراض الجيش لأي منهم، وخروج القيادات إلى خارج الأردن.
إلا أنه وبعد شهور قليلة وبقيادة وصفي التل اجتاحت قوات الجيش الأردني وسلاح الجو بالطائرات والدبابات أرياف الشمال وقضت على آخر معاقل الفدائيين الفلسطينين، وقتل في العملية عدد كبير من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية منهم أبو علي إياد، والذي كان قد أمر الفدائيين بقتل وصفي التل قبل وفاته، وورد ذلك في كتابه "فلسطيني بلا هوية"، لكن في نهاية المطاف قتله وصفي في أحراش عجلون، مما أثار غضب الفدائيين.
وأسست فتح منظمة "أيلول الأسود" بهدف الانتقام من جميع الشخصيات التي أفشلت وجودها في الأردن، فقامت بعدة عمليات على الساحة الأردنية كان أولها محاولة اغتيال زيد الرفاعي في لندن في 15 سبتمبر/أيلول 1971، وفي 28 نوفمبر 1971 باغتيال وصفي التل في القاهرة.
تقول بعض المصادر أن قاتل وصفي التل قال وهو ينظر إليه بعد إطلاق النار: "أبو علي إياد ما مات والفلسطينيين مش نسوان".
#وصفي_التل ❤️ pic.twitter.com/qfaxcMZNGN
— asma alzaben (@asmaalzaben2) November 26, 2019
وقامت السلطات الأمنية المصرية بإلقاء القبض على المتهمين باغتيال وصفي التل، وظهروا في محكمة دار القضاء العالي ببدلات كاملة وبربطات عنق ملونة، يلوحون بإشارة النصر، بينما امتلأت القاعة بالمحامين من الجزائر، ومصر، وليبيا، وسوريا وفلسطين للدفاع عنهم، وتحولت القضية من قضية جنائية إلى قضية سياسية بعدما ربط المحامون عملية اغتيال وصفي التل بما حدث في الأردن، وقررت المحكمة إخلاء سبيل المتهمين.