بعدما تمّ تدميرها على يد الجماعات المسلحة في خضم الحرب الإرهابية القاسية الّتي عصفت بمدينة حلب الشّهباء، ها هي كاتدرائيّة "أمّ المعونة" للأرمن الكاثوليك ترتدي حلّة جديدة بعد ترميمها وتجديدها، حيث احتفل أهالي حلب الشهباء اليوم بمراسم الاحتفال بتدشين الكنيسة وذلك بحضور رسمي وشعبي وبمشاركة لافتة من رجال الدين المسلمين وعلى رأسهم مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون وممثلون عن وزارة الأوقاف السورية، ورؤساء الأساقفة في الكنائس السورية إضافة إلى السفير البابوي بدمشق.
وأسهم في ترميم الكنيسة كل من جمعيتي "الكنيسة المتألمة" و "الرسالة" وأبرشيتي كولن في المانيا وبولونيا وإيطاليا والمعهد الأرمني وكنيسة القديس بلاسيوس الأرمنيك في روما والنيابة الرسولية في روما.
وقال طوني شرقي مشرف أعمال الترميم في الكاثدرائية لوكالة سبوتنيك: يعلم الجميع أن كاثدرائيتنا التي كانت لسنوات تقع على خطوط التماس، تعرضت للتدمير على يد الجماعات الإرهابية المسلحة، حيث دمرت قذائف المسلحين نحو 65 بالمئة من الكنيسة وأخرجتها من الخدمة، وخاصة مع تدمير القبة الرئيسية وقباب الهيكل وتدمير سقف الكنيسة وممراتها بشكل كامل.
وأضاف شرقي: تمت إعادة الترميم بالاستناد إلى مخططات قديمة وصور سابقة للكاثدرائية، لافتاً إلى أن عملية الترميم توخت إضافة لمسات عصرية بروح شرقية إلى المخططات القديمة بما يتناسب مع "البيت العربي" وهو ما كانت عليه قبل أن تتحول إلى كنيسة في عام 1840.
وتُعدّ كاتدرائيَّة السيّدة مريم أُمّ المعونات من أجمل كنائس حلب. ويعود أمر بنائها إلى المطران إبراهيم كوبلّي الأسقف السابع على أبرشيَّة حلب (1823-1832) الذي قرّر أن يبني كنيسة جديدة مستقلّة لطائفته في حلب فاشترى داراً واسعة في العام 1831، وعمد إلى تحويلها إلى كنيسة بطريقة هندسيَّة رائعة فجاءت آية في الفنّ. ثمّ كملت الكنيسة في عهد المطران باسيليوس عيواظ (1838-1860) وأُعطيت اسم "السيّدة أُمّ المعونات". وضمّت الكنيسة بين جنباتها بدءاً من العام 1849 واحدة من أقدم أخويّات حلب التقويَّة وأهمّها: "أخويَّة الحبَل بلا دَنَس للأرمن الكاثوليك".
تعرّضت الكنيسة للنهب في فتنة حلب (1850) لكنّها سلمت من الحريق. وفي العام 1870 بُلّطت حارة الكنيسة بالكامل وأُنشىء فيها هيكل قلب يسوع الأقدس وجُعلت درجاته من الرخام الأبيض (1925). تحت هذا المذبح وبجانبه مدفن أساقفة حلب، أمّا الكهنة فمدافنهم في جوانب الكنيسة وفي عام (1990) رُفع في باحتها النصب التَذكاريّ لشهداء الأرمن الذين قضوا في مجازر العام 1915.
جدير ذكره أن أبرشيَّة حلب للأرمن الكاثوليك تمتّعت بالتقدّم الدائم على جميع أبرشيّات بطريركيَّة كيليكيا للأرمن الكاثوليك من حين نشأتها في حلب، ومنذ العام 1830 تسلّم أساقفتهم أمور الأبرشيّات ولمّوا شمل الرعايا وأنشأوا الكنائس ومنها في حلب كاتدرائيَّة السيّدة مريم أُمّ المعونات في حيّ التلل.
وفي 3 شباط 1899 حصلت أبرشيَّة حلب على براءة بابويَّة أُعلنت بموجبه رئاسةً أسقفيَّةً تتبع لها كنائس كلّز وعينتاب وكسب وبيلان والإسكندرونة وأنطاكية.
وعلى أثر المذابح التي تعرّض لها الأرمن العام 1915 في كيليكيا لجأ إلى حلب كثير من الأرمن الكاثوليك، وبخاصّة سكّان مرعش وماردين وضواحيهما، مع كهنتهم وراهباتهم، وأصبحت منطقة الجزيرة والفرات من توابع أبرشيَّة حلب حتّى العام 1938، كما بقيت رعيَّة دمشق تابعة لحلب حتّى العام 1946.
وبعد سلخ تركيا للواء إسكندرون، نزح الأرمن الكاثوليك مع كهنتهم إلى حلب في العام 1939 واصطحبوا معهم سجلاّت كنائسهم المغلقة، ولا تزال محفوظة في دار المطرانيَّة.