حسمت الأطراف السياسية اللبنانية موقفها بشأن التكليف وانطلقت عجلة تأليف الحكومة وسط عقبات داخلية وخارجية تتواجهها بدءا بالحراك اللبناني الذي رفض قسما منه حسان دياب مباشرة بعد تسميته بالإضافة إلى الرفض "الأرزق" للأمر الذي ترجم فورا على الشارع من خلال إغلاق الطرقات والدخول بمواحهات مع القوى الأمنية لنشر رسالة مفادها أن لا حكومة دون الحريري أو دون "تيار المستقبل" أقله.
أخطاء الحريري القاتلة التي عجلت بسقوطه
لم تستطع حكومة "العمل" التي ترأسها الحريري أن تنتج شيئا واحدا لشعبها وجاءت حادثة الحرائق وقرارات الحكومة بشأن المزيد من الضرائب على الناس كالقشة التي قصمت ظهر البعير حيث شهد الشارع اللبناني تحركا غير مسبوق أدى بعد أيام عديدة إلى استقالة الحريري رغم الدعم السياسي من الخصوم قبل الحلفاء.
لكن توقعات الحريري المستقبلية وحساباته وتحليلات مستشاريه وفريقه السياسي لم تكن كافية لبقائه بل أودت بسقوطه عن كرسي رئاسة الوزارة بعد أن غاب أسمه عن الاستشارات النيابية الأخيرة ويعود ذلك إلى سلسلة من الأخطاء القاتلة للحريري ومنها استقالته الأخيرة المفاجئة التي قررها بدون إطلاع أحد عليها وبالتالي أتت بمشاورة داخلية سريعة دون تنسيق مع الرئاسات الأولى والثانية حتى.
ومن جملة الأخطاء المرتكبة هو قيام الحريري بحرق أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة اللبنانية حيث تفنن الأخير بطرح الشخصيات ونشر الأسماء بدءا بالوزير السابق محمد الصفدي وبهيج طبارة وصولا إلى سمير الخطيب الذي أوصله الحريري إلى دار الإفتاء التي رفضته وكشفت اللعبة التي كان الحريري يقوم بها أمام الجميع.
وبذلك يمكن الاستنتاج أن الحريري كان يناور ويماطل ويريد تعطيل تشكيل أي حكومة لا تكون برئاسته ووفق شروطه التي تتمثل بحكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب السياسية يختار وزراءها هو حصرا وبهذا يقول الحريري لا أريد أحد وأنا أقرر.
وشهدت مرحلة طرح الأسماء للتكليف الحكومي شروطا غير مسبوقة للحريري الذي اعتبر أن أي حكومة يرأسها يجب أن تكون خالية من أسماء استفزازية مشيرا بذلك إلى وزير الخارجية اللبنانية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، هذا عدا عن شرطه بتأليف حكومة من اختصاصيين بدون مشاركة السياسيين لكن ماذا عن شخصه هل يعتبر الحريري نفسه اختصاصيا أو سياسيا؟
ليلة السقوط المفاجئة
بعد إعلان رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون موعد الإستشارت النيابية ليوم الإثنين طلب الحريري من عون تأجيلها مبررا ذلك لتفادي مشاكل دستورية ووطنية. لكن الحقيقة التي لم يكشفها الحريري أنه كان يسعى لجمع الأصوات لصالحه خصوصا من حلفائه ومنهم التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية ومستقلين.
الصدمة كانت فجر يوم الاثنين الماضي بعد اجتماع عام للقوات اللبنانية والذي على أثره صرحت أنها لن تصوت للحريري وبالتالي ستقوم بتكليف شخص أخر. بعد ذلك أعلن الحريري قراره الأخير أنه لن يكون مرشحا لرئاسة الحكومة اللبنانية المقبلة.
الرفض العربي والدولي للحريري
لم يكن قرار الحريري صادما للخارج فإعلانه بدى باردا على الدول المهتمة بلبنان وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية التي أرسلت إشارات عدة عن استعدادها التخلي عن الحريري وذلك بعد الأخطاء المرتكبة وأبرزها حرق الأسماء المرشحة والغاية الأساسية دفع البلاد نحو المواجهة الداخلية والفوضى حيث تسعى واشنطن لتغيير المشهد السياسي اللبناني والانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية التي حدّدت القوى السياسية وأحجامها وتشكلت الحكومة بناء عليها تحت شعار الوقوف إلى جنب الحراك اللبناني والمنتفضين.
أما عن الدور السعودي برفض الحريري فقد كشف الكاتب نقولا ناصيف في صحيفة "الأخبار" اللبنانية أن مدير المخابرات السعودية اتصل بجعجع طالباً عدم التصويت للحريري.
بعد الإعلان القواتي شعر الحريري بالوحدة والضعف خصوصا بعد توارد الأخبار والمعلومات الغربية ومواقفها بشأن ترأسه للحكومة الجديدة حيث لاحظ أن التأييد الفرنسي والروسي له بات ضعيفا وبالتالي حسم قرار الانسحاب وعدم الترشح بعبارة "لا أحد يريدني" بعد الأن.
وهكذا يكون الحريري قد طوى صفحة جديدة من الإخفاق السياسي الذي جعلته شخصا غير مرغوب به داخليا وخارجيا لربما تكون لفترة زمنية محددة أو طلاق نهائي وأبدي.
ولعل الجملة الأكثر عبرة مكتوبة في القصر الحكومي بعنوان " لو دامت لغيرك ما وصلت إليك".
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)