أرقام تعكس منحى تصاعديا لعدد المطلقات في البلاد، ويبدو أن قيود التشريعات لم تقدر على إيقافه، فالقانون التونسي يمنع تعدد الزوجات أو القران دون عقد رسمي، ويشترط أن يُجرى الطلاق في قاعات المحاكم وفقا لما ينص عليه الفصل الـ 30 من مجلة الأحوال الشخصية، كما يلزم المشرع التونسي الزوج بالإنفاق على طليقته "الأم" والتكفل بمنحة سكنها ومصاريف أبنائها.
العنف الزوجي يتصدّر الأسباب
"تحولت حياتي الزوجية إلى كابوس حقيقي، لم أعد أعرف نفسي"، هكذا تلخص لنا بثينة الودرني (33 عاما) قصة طلاقها من شريكها بعد خمس سنوات من الزواج.
تقول بثينة لـ"سبوتنيك" إنها عانت كثيرا من العنف الزوجي سواء لفظا أو ممارسة جسدية، وأن زوجها تسبب لها بمعاناة نفسية كبيرة دفعتها إلى الطلاق، وتذكر محدثتنا أن اتخاذها لهذا القرار لم يكن بالأمر الهين نظرا للنظرة الدونية التي يعامل بها المجتمع التونسي المرأة المطلقة خلافا للرجل الذي ربما "يتبجح بأنه حصل على فرصة ثانية لمغامرة زوجية جديدة".
وتضيف بثينة أن ولادتها لطفلها الأول والوحيد أخّرت اتخاذها لخطوة الطلاق، قائلة "لم أرد أن أحرم طفلي من والده ومن العيش مع والديه مثل أترابه"، وتستدرك محدثتنا "لكنني اكتشفت في النهاية أن مواصلة الزواج ستضر كثيرا بطفلي، الذي أصبح قادرا على فهم ما يدور حوله، وأنه ليس من العدل أن يعيش ابني حياة أسرية يملؤها العنف والشجارات التي لا تتوقف".
وكشفت رابطة النساء في الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أن الشريك داخل الإطار العائلي هو من يمارس العنف المادي على المرأة بنسبة 47.2 في المائة، فيما بلغت نسبة العنف النفسي 68.5 في المائة، والعنف الاقتصادي 77.9 في المائة من الحالات.
الرجل أيضا ضحية
عادل بعطوط هو أيضا أحد ضحايا العنف من طليقته، فبالرغم من أن علاقته بها كانت نتاجا لقصة حب إلا أن الخلافات دبت سريعا بينهما وتحولت تدريجيا إلى مسلسل يومي من الشجار والشتائم والعنف اللفظي.
ويذكر عادل أنه حاول كثيرا إنقاذ حياته الزوجية بتوخي أسلوب الحوار لكن زوجته أثقلت كاهله بالطلبات المادية المشطة بطرق استفزازية بلغت حد الهتك في عرضه والطعن في كرامته وتهديده بمنعه من رؤية طفله والافتراء عليه بالقول إنه كان يعنفها، إلى أن انتهى بهما الأمر إلى أقسام الشرطة ثم قاعات المحاكم.
ويقول عادل إن المجتمع لا يتحدث كثيرا عن الرجل الضحية، وأنه عادة ما يصور الشريك الذكر في صورة الجلاد القامع لحقوق المرأة، ويضيف محدثنا أن المشرع التونسي يضمن حقوق المرأة عند الطلاق على حساب الرجل، خاصة فيما يتعلق بمسألة الحضانة والنفقة، وهو ما يتعارض مع مبدأ المساواة بين الرجل والأنثى الذي تسعى تونس إلى تكريسه، وفقا لقوله.
أزمة تواصل
ويذهب أستاذ علم الاجتماع سامي نصر في تفسيره لتفاقم هذه الظاهرة إلى وجود أزمة تواصل بين الشريكين، اللذين أصبحا يعيشان في شبه قطيعة، وهو ما يعمق الخلافات بينهما في ظل انسداد قنوات التواصل والحوار.
ويوضح أستاذ علم الاجتماع أن الزوجين يمتلكان فهما خاطئا للمحبة يستند على فكرة مغلوطة وهي "من يحب يتجاوز عن الخطأ"، مبينا أن هذا المفهوم يسهم بشكل مباشر في تفاقم الخلافات بين الشريكين بفعل تراكم المسائل الخلافية القديمة التي تعزز الهوة النفسية بينهما.
ويضيف نصر أن "مرحلة الخطوبة دائما ما تنقل صورة غير واقعية وغير حقيقية عن الطرفين اللذين يجتهدان في إظهار الصورة التي يريدان الظهور عليها وإخفاء عيوبهما، في حين أن مرحلة الزواج تكشف عن الصورة الحقيقية للشريكين بفعل التعامل اليومي وضغوطات الحياة".
ويتابع نصر أن "هذا الانتقال في السلوك وفي طريقة التعامل يحدث نوعا من الصدمة المرفقة بخيبة الأمل وهو ما يعيد الشريكين إلى البحث عن شريك بمواصفات محددة".
وهنا يحيلنا أستاذ علم الاجتماع إلى الحديث عن ما أسماه بـ "ثقافة المقياس" التي انتشرت في الآونة الأخيرة. "فكل طرف يطلب مقاييس معينة في شريكه المستقبلي وهو ما يكشف أزمة اجتماعية أخرى وهي أزمة التعايش مع المختلف".
ويشير نصر إلى أن الوضع الاقتصادي داخل الأسرة هو عامل من عوامل تفككها ولكنه ليس عاملا مباشرا مقارنة بالأسباب الأخرى.
برنامج لتأهيل الأزواج
وكخطوة أولى للحد من هذه الظاهرة الآخذة في الارتفاع، تؤكد مديرة الأسرة بوزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين، مليكة الورغي، لـ"سبوتنيك" أن الوزارة بصدد تنفيذ استراتيجية وطنية لتطوير قطاع الأسرة تتضمن برنامجا خاصا لتأهيل وإعداد الحياة الزوجية.
وتوضح الورغي أن هذا البرنامج سيشمل مختلف محافظات الجمهورية التونسية وخاصة المناطق الريفية بالعمل مع خبراء ومختصين للإحاطة بالمقبلين على الزواج من الجنسين بهدف تأهيلهم للحياة الزوجية وتمكينهم من أسس التواصل السليم وكذلك ثقافة التعامل مع الأطفال.
وتضيف الورغي أن هذه الخطة ستشمل أيضا المتزوجين الذين يعانون من مشاكل التواصل من أجل تثقيفهم وتأهيلهم في نواحي متعددة كتقاسم الأدوار والاحترام والتربية على مستوى التعامل في العلاقة الحميمية، مبينة أن "أحد أبرز أسباب الطلاق في تونس هو غياب التكوين وإعداد الشباب الذين ليس لديهم دراية أو معرفة بحجم المسؤولية التي سيتحملوناها بعد الزواج وهو ما يحول الحياة الأسرية إلى خلافات".