حوادث متكررة أصبحت تؤرق العاملين وتخيف مستعملي النقل العمومي، خاصة وأن معظم هذه العمليات تتم في وضح النهار وفي أماكن تتواجد فيها التجمعات البشرية بكثافة على غرار المساحات التجارية ومحطات النقل وصالونات التجميل الكبرى والأحياء الراقية منها والشعبية.
وبحسب التقرير السنوي لظاهرة العنف الذي نشره حديثا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن العنف الإجرامي يحتل المركز الأول في قائمة الجرائم بنسبة 36.3 بالمائة.
العاصمة تتصدر معدلات الإجرام
ويحتل إقليم الوسط الشرقي صدارة سلم أحداث العنف المرصودة بنسبة 30.5 بالمائة، بينما تصدرت محافظة تونس العاصمة ترتيب المحافظات الأكثر عنفا بنسبة 13.42 بالمائة.
ويروي الصحفي بوكالة تونس أفريقيا للأنباء هادي حريزي لـ"سبوتنيك" تعرضه أمس لعملية سلب في قلب العاصمة نجم عنها سرقة هاتفه الجوال ومبلغ مالي.
ويقول حريزي إنه رغم تواجد عدد كبير من الناس بجانبه وقرب المكان من تمركز الوحدات الأمنية إلا أن ذلك لم يمنع المنحرفين وعددهم ثلاثة من الفرار بين أزقة العاصمة.
واشتكى محدثنا من تراخي وبطئ الإجراءات الأمنية، فرغم تنقله فورا إلى مركز الشرطة إلا أن الأعوان لم يبذلوا جهدا لمتابعة الملف واكتفوا بكتابة محضر في الغرض.
ويبين حريزي أن "التهاون الأمني في التعامل مع قضايا السلب والسرقة أسهم بشكل مباشر في استفحال هذه الظاهرة ودعم حظوظ المنحرفين في الإفلات من العقاب ومضيهم في طريق الإجرام".
ضعف عمليات الردع
ويذهب المختص في علم الاجتماع مهدي المبروك في حديثه لـ"سبوتنيك" إلى تفسير هذه الظاهرة بعوامل متشابكة، أبرزها ضعف السلطة وتراخيها في مجابهة هذه السلوكيات غير القانونية، اعتبارا إلى أن فترة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس بعد الثورة اتسمت بتغليب الأولويات السياسية والاقتصادية على حساب الأولويات الأمنية.
ويضيف محدثنا أن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها تونس هذه الأيام بفعل تأخر تشكيل الحكومة ومواصلة حكومة تصريف الأعمال بشكل مؤقت أثر في عملية الاستقرار الأمني، بالنظر إلى توقف عمل بعض مؤسسات الدولة والشغورات الحاصلة في بعض الوزارات.
الهشاشة الاجتماعية
ويرى المبروك أن اتساع دائرة الجريمة يتصل أيضا بعوامل اجتماعية من قبيل الارتفاع الملحوظ لمعدلات البطالة التي تشمل ما يقارب 850 ألف عاطل عن العمل أي ما يعادل 14 بالمائة من السكان، فضلا عن انقطاع ما يزيد عن 100 ألف تلميذ عن الدراسة سنويا ومغادرة أكثر من 4 ملايين تونسي للمؤسسات التربوية في مراحل ما قبل التعليم الجامعي، وهو ما يغذي امكانية انحرافهم.
ويضيف المختص في علم الاجتماع أن ضعف المؤسسات الاجتماعية التقليدية المتمثلة في الأسرة والمدرسة وتراجع دورها في الإحاطة التربوية بالأطفال أسهم أيضا في انتشار الجريمة، فضلا عن "ضعف دور الأجيال القديمة وشبكات القرابة كالجد والخال والعم التي لم تعد لها القدرة على ضبط سلوكات الأفراد".
وزارة الداخلية تعلق
وفي تعليقه على هذه الحوادث قال وزير الداخلية هشام الفوراتي لـ"سبوتنيك" إن الوزارة تتحمل مسؤوليتها في مواصلة مكافحة هذه الظاهرة من خلال إعادة الانتشار الأمني وتنظيم حملات أمنية.
وأضاف الوزير أن الداخلية باشرت منذ أول أمس في تنفيذ حملات أمنية كبرى شملت أقاليم تونس الكبرى، مبينا أنه "وقع تخصيص أكثر من ألف و700 عون إضافي بين أمن وطني وحرس وطني لتطويق هذه الانحرافات".
كما أشار وزير الداخلية إلى وجود بعض المغالطات فيما يتعلق بهذه الظاهرة من قبيل الاعتماد على صور لعمليات سلب في بلدان أخرى أو الترويج لصور قديمة وكأنما وقعت البارحة، معتبرا أن "الهدف من هذه المغالطات هو إرباك المواطنين ومن خلالها إرباك الدولة".
وبين الفوراتي أنه بالرغم من انتشار عمليات النهب والسرقة هذه الأيام إلا أن الاحصاءات الرسمية السنوية تبين انخفاضا في المعدل العام لقضايا الأمن العام من 177 ألف قضية سنة 2018 إلى أقل من 137 ألف قضية سنة 2019.
وكانت لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان التونسي قررت تخصيص جلسة للاستماع إلى وزير الداخلية هشام الفوراتي ومدير الأمن العمومي والأطراف ذات الصلة الأسبوع القادم للوقوف على حقيقة الوضع الأمني والتعرف على كيفية تعاطي السلط العمومية مع هذه الظاهرة والاستراتيجيات المطروحة في مقاومتها والعوامل المؤدية إلى انتشارها بهذا الشكل الذي أفزع المواطنين.