البيت الأوروبي بات على المحك، وسط توقعات عدة بتفككه في حال لم تتفق بلدانه على آلية مشتركة لمواجهة الآثار الاقتصادية التي تعصف باقتصادات بعض بلدانه، ما استدعى اتخاذ عدة إجراءات ضمن خطة اقتصادية أطلق عليها "خطة الإنقاذ".
ودفعت هذه المبادرة البعض لطرح بعض التساؤلات عن مدى نجاح الخطة في إنقاذ بلدان أوروبا، والمحافظة على الكيان الموحد من الانهيار.
خطة إنقاذ
انتهت جولة المحادثات التي عقدها وزراء مالية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الخميس الماضي، بإقرار خطة إنقاذ ضخمة بقيمة نصف بليون يورو لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضررا من فيروس كورونا المستجد، إلى جانب دعم الشركات والمحافظة على الوظائف من الشطب، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية.
وقال المتحدث باسم رئيس مجموعة "يورو غروب" في تغريدة على تويتر إن "الاجتماع انتهى على وقع تصفيق الوزراء"، في حين رحب وزير المالية الفرنسي برونو لومير بإقرار الخطة، معتبرًا أن الاجتماع أفضى إلى "اتفاق ممتاز" ينص على "إتاحة 500 مليار يورو في الحال".
ورحب باولو جينتيلوني مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وقال: "مجموعة اليورو توصلت إلى اتفاق... حزمة غير مسبوقة في حجمها لدعم النظام الصحي وتوفير السيولة للشركات وتمويل أي خطة إنعاش" مشيدا بهذا الاتفاق باعتباره شكل من أشكال التضامن الأوروبي.
من ناحيته، قال وزير المالية الألماني أولف شولتس "اليوم يوم عظيم بالنسبة للتضامن الأوروبي... إن الأمر يتعلق بصحة المواطنين ويتعلق بحماية الوظائف. يتعلق بإنقاذ الكثير من الشركات في هذه الأزمة".
ويتضمن الاتفاق حدا أدنى من الشروط لكي تسحب الحكومات خطوط ائتمان من صندوق إنقاذ منطقة اليورو، مع التركيز على تمويل النفقات الصحية المرتبطة بالفيروس.
في الوقت نفسه تم إسقاط اقترح بعض الدول مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا بشأن إصدار سندات مشتركة لدول منطقة اليورو بعد معارضة قوية من جانب دول أخرى مثل ألمانيا والنمسا وهولندا، وفقا لـ "دويتشه فيله".
وجاء الاتفاق بعد جولة محادثات جديدة اليوم في أعقاب فشل المحادثات التي استمرت على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في التوصل إلى اتفاق.
ومن المنتظر رفع الاتفاق إلى قادة الدول الأعضاء لإقراره خلال قمة سيتم عقدها لاحقا.
مساعدة لا معالجة
أشار مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المقيم في فرنسا إلى أن "هناك اعتقادًا سائدًا في بعض الأوساط الأوروبية أن خطة الإنقاذ التي اعتمدت حتى الساعة من طرف دول الاتحاد لن تكون على مستوى التحديات الاقتصادية التي ستواجه هذه الدول فيما بعد انتهاء جائحة كورونا".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الخطة الأوروبية تعتمد على 500 مليار يورو من شأنها أن تساعد الاقتصاد الأوروبي في تحفيف حدة تداعيات الأزمة، لكن لن تضمن عودته بشكل صحي جيد لكل الدول الأوروبية".
وتابع: "هذه الخطة عنوانها محاولة المساعدة وليس الإنقاذ بالمعنى البنيوي للاقتصاد الأوروبي، لكن فشل دول الاتحاد للتوصل إلى منطق الديون المشتركة بينها هو الذي يطرق الغيوم السوداء على فضاء أوروبا، ويهدد منطق التضامن والذي يحكمه آليات البيت الأوروبي الموحد".
وبشأن إمكانية تعديل الخطة، أضاف: "هناك من يتوقع أن الاجتماعات المقبلة، وتحت وطأة هذه الأزمة يمكن أن تقتنع الدول الأوروبية وتتجاوز خلافاتها، خاصة في محور ألمانيا وهولندا والذي يرفض منطق تقاسم الديون نهائيًا، وبين الحلف الإسباني الفرنسي الإيطالي الذي يرى أن منطق التضامن على المحك، ويجب التوصل إلى هذه الآلية لإنقاذ البيت الأوروبي".
الاتحاد وخطر التفكك
وحول خطر تفكك الاتحاد الأوروبي، قال رامي الخليفة العلي، الباحث في الفلسفة السياسية في جامعة "باريس 10"، إن "الاحتمال ضعيف وبعيد للغاية لمسائل تتعلق بمصالح الدول، أكثر من تعلقها بتصور أيديولوجي لدى بعض الدول الأوروبية".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "بعد أزمة انتشار فيروس كورونا ستكون الدول الأوروبية في أزمة اقتصادية كبيرة، خاصة إيطاليا وإسبانيا، وغيرها من الدول التي ستكون بحاجة إلى تضامن أوروبي، وإيجاد استراتيجية لمواجهة الأزمة".
وأكد أنه "رغم خيبة أمل إيطاليا وإسبانيا من عدم التضامن الأوروبي معها في أزمة كورونا، إلا أن من مصالح تلك الدول العمل مع الدول الأوروبية للخروج من الأزمة الاقتصادية سريعًا".
وأضاف "في ظل وجود تكتلات دولية مختلفة، هناك مصلحة لغالبية الدول الأوروبية في وجودها داخل تكتل إقليمي هو الأقوى اقتصاديًا على مستوى العالم، لذلك ستدفع المصلحة تلك الدول التمسك بالاتحاد ومؤسساته".
سندات كورونا
وكان بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، قد طالب الاتحاد الأوروبي بإصدار سندات كورونا، لمساعدة الدول الأوربية الأكثر تضررًا من فيروس كورونا، ودعم اقتصادها ضد الآثار الاقتصادية المدمرة.
وقال رئيس الوزراء الإسباني، إن الوقت حان لتضامن الدول الأوروبية لتدشين آلية جديدة لتبادل الديون، وتوفير المعدات الطبية الضرورية، ووضع خطط مشتركة للخروج بالقارة من الأزمة بشكل سريع.
واقترح بيدرو سانشيز، تدشين سندات كورونا، لتمويل وتعويض الأزمة الناتجة عن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، الذي أجبر معظم المواطنين على البقاء في منازلهم وقاد الاقتصاد العالمي نحو الجمود.
وقال رئيس وزراء إيطاليا في تصريحات نقلتها شبكات تليفزيونية: "إذا لم نسارع لإيجاد حلول تضامنية فإن رد فعل كثير من مواطنينا ستكون سلبية، محذرا من عودة الفيروس مرة أخرى، قائلا: "وباء كورونا خطير وعلينا أن نكون على حذر من عودة الفيروس".