فمع كل أزمة أو مشكلة عالمية من كورونا أو انهيار أسعار النفط أو غيرها، يفاجأ السوريون بزيادة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وحتى الكمالية، وكان آخرها جائحة كورونا والحجر الصحي المفروض على معظم سكان العالم، ليأتي شهر رمضان المبارك ويزيد الأسعار مرة أخرى ومصطحبا معها معاناة الشعب السوري.
أسباب جنون الأسعار
يرى عضو مجلس الشعب السوري مهند الشيخ علي في حديث مع وكالة "سبوتنيك" بأن "سوريا تعاني من حالة حرب وسيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة على الكثير من النقاط الحدودية، وهذا ما منع الاستيراد وخاصة البري منه من الدول الصديقة، والذي يعتبر الأوفر وهو أساس الاستيراد لكل الدول، لذلك عانت سوريا كثيرا من هذه الضغوطات".
ويضيف الحاج علي: "هناك أيضا حصار أمريكي خانق يمنع الدولة السورية من استيراد المواد الأساسية والمواد الطبية وغيرها من المواد، في محاولة منها للتأثير على الشعب السوري لكي يضغط على حكومته من أجل تغيير سياساتها، وهذا لن ينجح أبدا، لأن سياسات الحكومة السورية مستمدة من إرادة شعبها"، ويواصل:
لاحظنا، على سبيل المثال، عندما أرادت الدولة شراء بعض المواد الزراعية أو المصنعة، من المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة، كانت تأتيها أوامر بعدم بيع هذه المواد إلى الدولة السورية وبيعها إلى تركيا، إضافة إلى حرق المحاصيل التي تريد الدولة السورية شرائها.
ويردف قائلا: "من جانب آخر الحدود العراقية والأردنية بعد فتحها، لاحظنا أن هناك ضغوطات أمريكية بشكل مباشر على الأخوة العراقيين والأردنيين لمنع عمليات التبادل مع سوريا، وكل هذا ينعكس سلبا على المواطن السوري، من فقدان الكثير من المواد ما يؤدي إلى رفع أسعارها في السوق".
أما الخبير الاقتصادي السوري عمار يوسف وفي لقاء مع "سبوتنيك" يحمل المشكلة لجشع التجار، ويوضح:
هي مشكلة تجار فقط لا غير، وهم من يتلاعبون بالأسعار نتيجة الطلب الزائد بسبب فيروس كورونا، وهذا ما جعل التجار يرفعون الأسعار، ولا يوجد هناك أي شي منطقي لارتفاعها في الحقيقة.
ويكمل: "الأسعار تضاعفت بنسبة 40% بعد بداية انتشار فيروس كورونا، وهذا الارتفاع أيضا ازداد مع بداية رمضان بحوالي 35% عن آخر ارتفاع، وهذا ما يعني أن الأسعار ارتفعت حتى اليوم بنسبة 75%".
ويشرح المحلل الاقتصادي السوري الدكتور فادي عياش ظاهرة ارتفاع الأسعار والأسباب الكامنة ورائها في لقاء مع "سبوتنيك" ويقول:
الواقع العام للأسعار في أي بلد يتعلق بمجموعة من العوامل، يمكن اختصارها بشكل مبسط بالدخل والقوة الشرائية للعملة المحلية، وسوريا بلد يعاني من حرب وإرهاب لما يزيد عن 9 سنوات، بالإضافة إلى عقوبات اقتصادية كبيرة، والحرب أدت إلى خروج الكثير من البنى التحتية والمنشآت الصناعية والإنتاجية من الخدمة، وهذا أدى إلى تراجع كبير في الناتج الإجمالي المحلي.
ويتابع: "هذا أدى إلى تراجع في الدخل من ناحية وفي القوة الشرائية لليرة السورية من ناحية أخرى، وهذا في العموم أدى إلى ضعف إمكانات الطلب، بالإضافة إلى مشكلات في العرض، ما أدى إلى خلل في العرض والطلب، أدى إلى نشوء حالة من الاحتكار والانتهازية والاستغلال لدى بعض التجار".
ويكمل عياش حديثه: "هذه العوامل عموما ساعدت في الارتفاع المضطرد للأسعار في الفترة الماضية، وفي حالة الأزمات الإضافية كجائحة كورونا وتقييد الحركة والحجر، أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية في الدرجة الأولى، وهذا الطلب الكبير أدى إلى ارتفاع في الأسعار مع وجود حالة من الاستغلال والاحتكار"، ويستطرد بقوله:
هناك جانب آخر وهو الرقابة على الأسواق، فمهما بلغت أي إمكانات أي دولة من حيث الرقابة فهي لا تستطيع أن تضبط الأسعار بشكل كامل، والدولة السورية حاولت من خلال مؤسسات التدخل الإيجابي كالسورية للتجارة كمثال، فرض حالة من التوازن على السوق وتأمين السلع الأساسية للمستهلك بمستوى مقبول من الأسعار.
ويواصل: "لكن هناك زيادة في التكاليف وفي أجور النقل سببها الرئيسي هو الحصار الاقتصادي الذي تعانيه سوريا منذ فترة طويلة، هذه الزيادات الفعلية في التكاليف مع عوامل الاحتكار وعوامل زيادة الطلب، كل ذلك يؤدي إلى حالات الارتفاع المتزايد في الأسعار".
عدم ضبط الأسعار
ورغم كل المحاولات من الدولة السورية لمنع الغلاء، لا تزال أسعار المواد في سوريا تأخذ منحا تصاعديا، وحول سبب عدم القدرة على ضبط الأسعار يقول البرلماني السوري مهند الحاج علي:
أيضا هناك بعض ضعاف النفوس والموجودون في كل بلد طبعا، والذين يحاولون استثمار الأزمات كالحرب وجائحة كورونا من أجل تنفيذ عمليات الاحتكار لتحقيق ربح معين، والدولة السورية قامت بالضرب بيد من حديد على هؤلاء، وخاصة ممن يضىاربون بالقطع الأجنبي.
ويضيف: "كان هناك مراسيم صادرة من السيد الرئيس بتشديد العقوبات على كل من يقوم بالاتجار بلقمة المواطن، ونستطيع أن نقول أن الدولة السورية قد نجحت إلى حد ما بضبط الأسعار، وهناك دوريات تموينية منشترة بشكل لحظي في الأسواق وخاصة في الأسواق الكبرى، لكن باعتقادي أن نقص المواد هو ما يسبب بارتفاع أسعارها".
بدوره يحمل المحلل عمار يوسف المسؤولية للحكومة السورية، ويعتبرها تقف في صف المستفيدين من رفع الأسعار، ويقول:
الحكومة غير مهتمة بهذا الموضوع وتترك الحبل على الغارب، فالحكومة أصبحت لمصلحة التجار أكثر من مصلحة المواطن، وأيضا بسبب عدم القدرة على السيطرة على المستوردين الذين يسعرون المواد التي يستوردونها بما يناسبهم، ويتخذون العقوبات المفروضة على سوريا كحجة لرفع الأسعار.
فيما يرى الخبير الاقتصادي عياش بأن الدولة تحاول التدخل في الأسعار بشكل عام من خلال عدة أدوات، ويوضح:
فمن جانب هي تحاول تخفيض التكاليف قدر المستطاع، من خلال دعم المدخلات إلى الإنتاج، سواء كان الإنتاج الصناعي أو الزراعي، أيضا تحاول أن تشكل حالة من التدخل في الأسواق من خلال مؤسسات التدخل الإيجابي، بالإضافة إلى الرقابة التموينية وغيرها.
ويستدرك: "كل ذلك لم ينجح في كبح ارتفاع الأسعار لأنه يترافق مع زيادة كبيرة في الطلب مع محدودية العرض، بالإضافة إلى الانتهازية واحتكار بعض التجار، وهذا يؤدي إلى زيادة المشكلة وخروجها عن الضغط المطلوب بشكل حقيقي".
تأثر المواطن
وبين قوانين العرض والطلب، وجشع واحتكار التجار يرزح المواطن السوري بين مطرقة الأسعار وسندان محدودية الدخل، وعن ذلك يقول مهند الحاج علي:
حالة الحظر الصحي المفروضة حاليا هي ما أدت إلى تدهور الأوضاع من ناحية العمل، كإغلاق الأسواق والمحال التجارية وهو ما أثر سلبا على حياة المواطن السوري، المواطن السوري الذي وبكل تأكيد صمد في وجه الجماعات التكفيرية وفي وجه القذائف قادر على أن يصمد في مواجهة نقص المواد التموينية الأساسية.
أما المحلل عمار يوسف فيرى أن المواطن "يعيش بقدرة الله وغير ذلك لا يوجد حل"، لأنه وحسب رأيه "فاقتصاديا الأمر غير ممكن".
ويتسائل، عن كيفية عيش مواطن راتبه 50 ألفاً، إذا كانت مائدة رمضان خلال الشهر الكريم مع العيد تكلف المواطن أكثر من 600 ألف ليرة؟.
ويضرب اليوسف مثالا، فمع ارتفاع الأسعار الكبير للخضراوات والعديد من السلع والمواد الغذائية، حيث أن كيلو اللحم يساوي 13 ألف ليرة، أصبحت أي طبخة تكلف 6 آلاف ليرة، وصحن الفتوش لعائلة مؤلفة من ٥ أشخاص يكلف 3800 ليرة سورية، فما بالك ببقية المواد الغذائية.
ويرى الاقتصادي فادي عياش أن هذه المشكلة أثرت على التوجهات الإنفاقية للمستهلك السوري، ويشرح:
الأسباب التي ذكرناها تأتي مع محدودية الدخل وهذا ما يلقي بظلاله الثقيلة جدا على المستهلك السوري، ويصبح من الصعب جدا عليه القدرة على مواجهة هذه الموجات من الغلاء وهذه الأسعار، وأمام ذلك يصبح المواطن في حالة صعبة جدا.
ويتابع: "لاحظنا أن أولويات المواطن بدأت تتغير وفقا لتغيرات الأسعار وتغيرات الدخل، فنجد أن الانفاق في معظمه يتركز حول السلع الاستهلاكية الاستقرابية لا سيما على الغذاء في فترة كورونا، وارتفع الطلب على المعقمات والمنظفات أيضا بشكل كبير، وبالتالي هذه السلع تستحوذ على معظم الدخل لدى المواطن السوري".
الحلول
يعتقد عضو مجلس الشعب السوري أن الحلول مرهونة حاليا بانتهاء مشكلة كورونا، وأن الدولة السورية تقوم بكل ما هو ممكن لحماية المستهلك السوري، ويقول:
حالة الحجر لا مفر منها وهي حالة عالمية، وحتى لو كانت سوريا لديها فقط 42 إصابة، فهذه الحالة هي لحماية المواطنين وليس لأي شيء آخر، والدولة السورية عبر مراكز السورية للتجارة واعتماد البطاقة الذكية، تقوم بإيصال المواد المدعومة إلى مستحقيها ومنع الاحتكار، من رز وسكر وشاي، والخبز الآن إلى البطاقة.
ويكمل: "كما صدر مرسوم من السيد الرئيس بزيادة الرواتب بنسبة 20 ألف لكل الموظفين سواء المدنيين أو العسكريين، لتخفيف وطأة العبئ على المواطنين، والدولة السورية أصبح لديها خبرة في التعامل مع الحصار الأمريكي، ولجهة فيروس كورونا بدأت الدولة بفتح الأسواق في أيام معينة وساعات محددة، وفق إجراءات صحية محددة بإشراف وزارة الصحة".
ويضيف الحاج علي: "ما أن ننتهي من فيروس كورونا فبكل تأكيد ستعود الأسواق إلى نشاطها، وسيؤدي هذا إلى إغراق الأسواق بالمواد الأساسية، وبعدها هبوط الأسعار، والدولة السورية تقوم الآن بكل ما تستطيع به في ظل حالة الحصار الاقتصادي الخانق".
ويستطرد: "عملية ضبط الأسعار غير مرضية حتى الآن، وسوريا تتجه الآن نحو نظام (الفوترة)، وهذا يبعد تعامل المواطن مع البائع بشكل مباشر وتوطين الرواتب في البنوك وغيرها من الإجراءات التي تؤدي إلى تحول الحكومة السورية إلى حكومة ألكترونية".
فيما يبدو الخبير عمار يوسف أكثر تشاؤما في هذا الموضوع، ويرى الحل فقط في يد الحكومة السورية، ويقول:
لا يوجد حلول إلا في حال سيطرت الحكومة على موضوع الأسواق، من خلال تأمين البديل الاستيرادي، بمعنى أن تستورد الدولة لحسابها الخاص، وهذا الشيء ليس خاطئا، فنحن لدينا تجارب سابقة في الثمانينات حول استيراد الدولة.
ويتابع: "يجب كف يد التجار عن هذه الأمور، وخاصة الحاجات الأساسية للشعب، كالسكر والرز وغيرها من المواد التي يفترض أن تضع الحكومة اليد عليها، وتستوردها لحسابها وتخفض الأسعار، وتضبط الأسواق عن طريق محاسبة المستورد كبداية وانتهاء بتاجر المفرق".
ويكمل: "يجب فرض عقوبات رادعة وقاسية بحق التجار الذين يتلاعبون بالأسعار، حيث يجب أن تكون العقوبة المفروضة عليهم عند التلاعب بالأسعار السجن لمدة شهرين بدلاً من فرض غرامة مالية قيمتها 25 ألف ليرة".
كذلك يرى الخبير الاقتصادي فادي عياش أن الأمر مرهون بالمؤسسات الحكومية لحماية المواطن، ويضيف:
في الظروف الراهنة لا إمكانية لتعديل أو تحسين الدخل لدى المواطن السوري، وبالتالي يبقى المعول الوحيد على إمكانية المساهمة أكثر في ضبط الأسعار وتأمين السلع الأساسية للمواطن، من خلال مؤسسات الحكومة واعتماد البطاقة الذكية، وتأمين ما يكفي لصمود المواطن في المرحلة القادمة.
ويختم حديثه: "نأمل أن تنتهي أزمة كورونا في القريب العاجل وأن يعود الاقتصاد المنهك أساسا للإنتاج من جديد، بحيث نستطيع التوازن، والحل الأمثل يكمن في رفع العقوبات الجائرة على الاقتصاد السوري، مما سيؤدي إلى سهولة الاستيراد والتصدير، ليتم تأمين احتياجات المواطن السوري بالتكاليف المناسبة، ما يؤدي إلى تراجع وعقلانية هذه الأسعار".