كما تتبنى هذه الأطراف دعوات لتفويض السلطة للجيش بدلا عن الحكومة إلى حين تنظيم الحكم الذاتي المحلي عبر الديمقراطية المباشرة.
النيابة العمومية تتدخل
وصرّح نائب وكيل الجمهورية ورئيس وحدة الإعلام والاتصال بالمحكمة الابتدائية في تونس لوكالة "سبوتنيك" أن النيابة العمومية فتحت تحقيقا في الغرض بعد تلقي تقارير أمنية تفيد بانتشار دعوات تحريضية ضد مؤسسات الدولة والمؤسسات القانونية القائمة في البلاد وتعطيل سير عملها.
وأضاف أن النيابة أذنت للفرق الأمنية المختصة بالبحث في الأمر بغية التعرف على هذه الأطراف وتحديد هويتها، ثم مباشرة التحقيق معها قصد تبين خلفية القضية إن كانت تندرج ضمن حرية التعبير والنقد التي يكفلها الدستور أو في إطار الجرائم التي يحاسب عليها القانون.
التحريض على الانقلاب مرفوض
ولاقت هذه الدعوات تنديدا من معظم الأحزاب السياسية خاصة في ظل الظرف الحساس الذي تمر به البلاد بسبب جائحة فيروس كورونا وما خلفته من تداعيات سلبية من الناحية الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا الخصوص قال رئيس الكتلة الديمقراطية بالبرلمان هشام العجبوني لـ "سبوتنيك": "من حق أي تونسي أن يدعو إلى تغيير الحكومة ولكن في إطار القوانين المنصوص عليها في الدستور الذي فصّل هذه المسألة بشروط دستورية عن طريق المشاركة في الانتخابات والفوز بثقة الناخبين"، مضيفا أنه: "لا يمكن أن تكون الدعوة إلى حل البرلمان متأتية من الشارع أو من أطراف غير معروفة تحرّض عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد أن تطورت بعض هذه الدعوات إلى التحريض على الانقلاب بالقوة وبإسالة الدماء وهو ما نعتبره جريمة مرفوضة".
توقيت مشبوه
واعتبر العجبوني أن: "هذه الدعوات تندرج في إطار مزايدات تقودها أطراف تعمل على إسقاط الحكومة، إما لتكون طرفا في الحكم بطريقة غير مباشرة أو لزعزعة الاستقرار داخل البلاد مستغلين الظرف الذي مرت به الحكومة التي شهدت ولادة قيصرية بعد مشاورات عسيرة فشل الشوط الأول منها وهو ما أدى إلى التمديد في عمر حكومة تصريف الأعمال لأشهر".
ويرى البرلماني في حديثه ل"سبوتنيك" أن هذه الجهات استغلت أيضا حالة الاحتقان التي تمر بها البلاد نتيجة فرض الحجر الصحي العام وما رافق ذلك من ضغوطات نفسية واجتماعية، مضيفا أن: "هذه الأطراف تخشى من اكتساب الحكومة شرعية شعبية في حال نجاحها في تجاوز الأزمة الصحية، مما سيجعلها تمضي قدما في تنفيذ إصلاحات عميقة خاصة فيما يتعلق بالحوكمة ومكافحة الفساد، وهو ما يتعارض مع مصالح العديد من اللوبيات، وهذا ما يفسر الحملة التي شنت ضد وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد محمد عبو".
وفي نفس السياق اعتبر رئيس كتلة الإصلاح بالبرلمان حسونة الناصفي في حديثه لـ "سبوتنيك" أن حل البرلمان يخضع لأسس قانونية ودستورية، مؤكدا رفض كتلته الدعوات التي تحرّض على الفوضى ومساندتها لدولة القانون والمؤسسات.
وقال الناصفي: "الحكومة والبرلمان وحتى رئيس الجمهورية ليسوا فوق النقد أو المساءلة من حق أي شخص أن يعبر عن موقفه، لكن ذلك يتم في إطار ما يسمح به القانون والدستور ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير الفوضى".
وعن مصدر هذه الدعوات التحريضية أفاد الناصفي أنه لا يمكن التكهن بهوية ناشريها أو غاياتهم.
حق التعبير عن الرأي
في الجانب الآخر، صرّح القيادي في حركة النهضة سمير ديلو لـ "سبوتنيك"، أنه لا يجب تهويل هذه الدعوات، معتبرا أنه من حق كل مواطن أن يعبر عن رأيه سواء إن كان يتعلق الأمر بإسقاط الحكومة أو بتغيير النخبة السياسية، وهو أمر يندرج ضمن الحقوق المسموح بها في الدستور التونسي الذي يضمن حق التعبير لكل مواطن حتى لو تفوه بحماقة، وفقا لقوله.
وأضاف: "لا يمكن التحكم في هذه الموجات التي لا تقف ورائها بالضرورة جهات منظمة لها قيادات وأجندات تمولها وتحدد توجهاتها"، متابعا: "من الصعب للأسف الحديث عن أصحاب هذه الدعوات دون السقوط في نظرية المؤامرة".
واعتبر المتحدث أنه: "لا يجب على الفاعلين السياسيين أن يضيقوا ذرعا بالحملات المشابهة، فهذه ضريبة الاشتغال في الشأن العام"، مضيفا أنه: "إذا كانت الديمقراطية بهذه الدرجة من الهشاشة التي تخشى من حملات على الفيسبوك فإنه على النخبة السياسية أن تساءل نفسها".
وكانت الحركة قد نددت خلال انعقاد مجلس الشورى بـ "الحملات المشبوهة الداعية للفوضى والتي تستهدف مجلس نواب الشعب ورئيسه، وتسعى لإرباك المسار الديمقراطي التونسي وإضعاف مؤسسات الدولة، في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية".
ويذكر أن الحكومة التونسية قد استنكرت بدورها هذه الدعوات على لسان مستشار رئيس الحكومة جوهر بن مبارك الذي نشر تدوينة يعتبر فيها أن حماة المنظومة المهيمنة، في إشارة إلى النظام السابق، "يراهنون على شق الصف من الداخل وإرباك الجميع بأقنعة مختلفة وتحركات تمويهية".