فقد أطلقت الحكومة استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي(AI) في أكتوبر/تشرين الأول 2017، والتي تعد الأولى من نوعها في المنطقة والعالم، ومثلت مرحلة جديدة بعد الحكومة الذكية لبناء البنية التحتية المستقبلية بما ينسجم ومئوية الإمارات 2071، في سبيل خلق بيئات عمل مبدعة ومبتكرة ذات إنتاجية عالية من خلال استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى الميادين.
والحكومة الذكية هي مبادرة أطلقها نائب رئيس الدولة محمد بن راشد آل مكتوم عام 2013، كمرحلة تالية للحكومة الإلكترونية، كان الهدف منها تحقيق رفاهية وسعادة المواطنين، وتوفير الوقت والجهد لصالحهم، وذلك من خلال إنهاء كافة الإجراءات الحياتية اليومية بواسطة الهاتف المحمول.
وبذلك تكون الإمارات من أوائل دول المنطقة التي تبنت أساليب التقنية الحديثة في تقديم الخدمات الحكومية لمواطنيها، بل وسبقت دولا أخرى بتطبيق التكنولوجيا التي تربط من خلالها المستقبل بالحاضر في رؤية بعيدة المدى.
ويعتبر التحول الذكي أحد الأهداف الاستراتيجية للإمارات، والذي يقيس القدرة على خلق حكومة ناضجة رقمياً والحفاظ على استدامتها والمساهمة في سعادة المجتمع.
كما يهدف إلى تعزيز توجه الدولة لتبني تقنيات الجيل الرابع من الثورة الصناعية وصناعة الجيل الخامس لتحقيق أهداف كبرى كالمدينة الذكية، والذكاء الاصطناعي.
ويعتبر التخطيط الاستراتيجي من أهم أسباب النجاح لأي قطاع يستخدمه وسيلة للوصول إلى الهدف، فهو عبارة عن تخطيط بعيد المدى، ويأخذ جميع المتغيرات الخارجية والداخلية وأساليب المنافسة عن طريق الإجابة على سؤال "إلى أين نحن ماضون؟"، في رؤية مستقبلية لنتائج أهداف الخطة الموضوعة من قبل إدارة استراتيجية مختصة.
ورسمت الحكومة الإماراتية خططا مستقبلية تمتد لخمسة عقود من الزمن عبر ما أطلقه محمد بن راشد آل مكتوم "مئوية الإمارات 2071"، والتي شكلت وثيقة حية تهدف لأن تكون من خلالها دولة الإمارات أفضل دولة في العالم باستنادها إلى 4 محاور واضحة تتمثل في الوصول إلى أفضل تعليم وأفضل اقتصاد وأفضل حكومة، إضافة إلى أسعد مجتمع في العالم، وتتم مراجعتها وتحديثها بشكل دوري حسب المتغيرات على أرض الواقع.
أما اقتصاديا فيجدر هنا فقط ذكر احصائية قام بها مركز الاحصاء في أبو ظبي تقول إن دخل الفرد في أبوظبي ونصيبه من الناتج المحلي الإجمالي يعد من أعلى الدخول في العالم، حيث بلغ بمعدلاته نهاية عام 2018، 334 ألف درهم إماراتي، سنويا، أي قرابة (91 ألف دولار أمريكي)، ما يعادل في الشهر (7600 دولار).
وفي سعي الإمارات لوجود أفضل حكومة ضمن نطاق الدولة، قررت إعادة هيكلة الحكومة لتكون أكثر مرونة وسرعة في اتخاذ القرارات، خاصة بعد الأزمة الصحية التي سببها انتشار فيروس كورونا في أنحاء العالم وتأثيرها المباشر على الاقتصاد العالمي، وكان الهدف الأول هو جعل السعادة والإيجابية أسلوب حياة، في مجتمع متماسك اقتصاديا واجتماعيا وعلى كافة الجوانب والأصعدة.
كما انفردت الإمارات بتجربة عمرها قرابة الـ60 عاما، ونجحت في ما فشل فيه الآخرون، وشكلت نقطة فاصلة في التطور النوعي، وحققت إنجازات تجاوزت بها المدى الزمني واختزلت مسافات كبيرة، وأعطت دروسا في التغلب على الصعاب والتماشي مع انخفاض معدلات التنمية والتوظيف عالميا، بطريقة فعالة.
السبب ليس النفط
نجاح الإمارات ليس مرتبطاً بموضوع الثروة النفطية، ومن يعتقد ذلك فهو يطرح تقييماً غير دقيق واختزالاً غير عادل، فالثروة النفطية متاحة في دول كثيرة لم تصل إلى ما وصلت إليه الإمارات من تطور اندمجت فيه بالعلم الرقمي الذي رفع معدل التنمية الإنسانية والاقتصادية، وكان من أهم نتائجه، التي لم تنته بعد، ما تنعم به الدولة من استقرار سياسي وأمني واقتصادي.
وتنطلق خصوصية التجربة الإماراتية من كونها دولة اتحادية، وربما هذا واحد من الأسباب المهمة التي ساعدت على نجاحها، فهي اعتمدت على اللامركزية في إدارة البلاد، ما أوجد لإمارات الدولة مساحة من القرار والحركة والتطور والتنافس، بواسطة أرضية صلبة بدأت من عهد الشيخين زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، وانعكست آثارها إيجاباً.
ويمثل الاستقرار الأمني شرطاً أساسياً لأي تنمية اقتصادية في أي مكان في العالم، وقد استطاعت دولة الإمارات النجاح فيه بشكل لافت للنظر بالرغم من عدم وجود مظاهر "مفرطة" لرجال الأمن في الشارع، ما جعلها مكاناً للباحثين عن الإبداع والابتكار والتطوير، من خلال وجود بنية تحتية متقدمة والشعور بالأمان.
هذا كله كان نتيجة رؤية دقيقة وشاملة قامت على خطط تطبيقية لأفضل الممارسات العالمية في مجال التخطيط الاستراتيجي، وكان آخرها بداية تطبيق الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، بعد اعلان الإمارات عزمها إلغاء 50% من المراكز الحكومية وتحويلها لمنصات رقمية خلال عامين، لتكون بذلك سباقة في مجال تكنولوجيا الرقمنة.
محمد بن راشد آل مكتوم عند إعلانه إعادة تشكيل الحكومة أعطى الوزراء "عاما واحدا لتحقيق الأولويات الجديدة"، وأشار عبر تغريدة على "تويتر" إلى أن "التغييرات المستمرة ستبقى شعار المرحلة القادمة وصولاً لأفضل نموذج حكومي يواكب العصر الجديد .. ويحقق تطلعات شعب الإمارات".
هذه الجدية في العمل وعدم إعطاء فرصة للمجاملة والاستهتار بالدولة يؤكد النجاح التخطيطي والرغبة في الوصول إلى القمة، ليس فقط الوصول، بل والتسابق مع أرقى دول العالم وأكثرها تطورا.
ولأن الاقتصاد هو أساس المرحلة القادمة و"أولوية استراتيجية مطلقة"، بحسب تعبير حاكم دبي، قام آل مكتوم بتعيين وزيري دولة مرافقين لوزير الاقتصاد. ليس فقط هذا، بل واستحدث منصب وزير دولة للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطبيقات العمل عن بعد، في خطوة ستسجل للإمارات بأروقة المستقبل، في سبيل سعي دائم لتكون بمقدمة التغييرات، عبر نموذج يعتبر الأفضل عالميا.
منصات الرقمنة أو ما يسمى بـ"البلوك تشين" ستصبح شغل الإمارات الشاغل في الفترة المقبلة، لمواكبة التطور التي تشهده الدولة في المجالات الإلكترونية والرقمنة، حيث بدأت من وزارة الصحة، ثم التعليم، حتى يتم التعميم في الكثير من الهيئات، بحسب ما قاله بعض الخبراء الاقتصاديين الإماراتيين.
وبما أننا ذكرنا كلمة (صحة) فلا بد أن نتطرق لمعلومة مفادها أن دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت الحصول على المركز الأول عالميا في 7 مؤشرات صحية عالمية لعام 2019، وفقا للهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء.
وفي هذا السياق أوضحت وكالة أنباء الإمارات "وام" أن "الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 تسعى لتطبيق نظام صحي يستند إلى أعلى المعايير العالمية وترسيخ الجانب الوقائي، وتخفيض معدل الأمراض الخطيرة".
وعن طريق الذكاء الاصطناعي، ستنمي الإمارات قدرات القيادات الحكومية العليا، وسترفع مهارات جميع الوظائف المتصلة بالتكنولوجيا، بالإضافة للدمج الذي بدأ تطبيقه وزاريا، وسيتم إلحاق المجال الطبي والأمني به وخاصة في ما يتعلق بتحديد الهوية والوظائف الروتينية.
الوصول للمريخ
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2014 أنها سوف ترسل بعثة إلى المريخ بحلول الذكرى الخمسين لتأسيس الدولة في ديسمبر/كانون الأول عام 2021، وفي ذلك الوقت، لم يكن لدى دولة الإمارات وكالة فضاء ولا علماء في مجال الكواكب، وكانت قد أطلقت قمرها الصناعي الأول لتوها.
وبعد مرور ست سنوات، ها هي الاختبارات قد جرت على "مسبار الأمل" المخصص لاكتشاف المريخ، قبل شحنه إلى مركز "تانيجاشيما" الفضائي في اليابان، والذي كان من المقرر اطلاقه في الـ15 من يوليو/تموز الجاري، وتأجل للمرة الثانية إلى موعد جديد تقرر مبدئيا أن يكون في الفترة ما بين 20 و22 من الشهر ذاته، بحسب تحسن الأجواء المناخية.
بعيدا عن التأجيل، بدا الإعلان عام 2014، مثل حلم بعيد المنال، سيتحقق قريبا، ليكون أول مشروع بين الكواكب تباشره دولة عربية، وسيقوم بإنتاج أول خريطة عالمية للغلاف الجوي للمريخ، وسوف يشارك، وعلى غير المعتاد، البيانات التي تتوصل إليها مع الأوساط العلمية الدولية دون أي قيود.
بداية هذه الدولة كانت بعيدة كل البعد عن حاضر يوجد فه أطول مبنى في العالم (برج خليفة)، ونظام ميترو ذاتي القيادة (كأمثلة ليست على سبيل الحصر)، ولكن تجربة الإمارات ثرية وفيها دروس كثيرة قدمت صورة حضارية للعالم الجديد، الذي يصنع الإبداع، ولا يكون فقط مستهلكاً له.
الإمارات تفعل ماتقوله، فكل التخطيطات التي تم الإدلاء بها عبر منابر الاعلام منذ عشرات السنين طبقت حرفيا، ونتائجها ظهرت على أرض الواقع وفي جميع القطاعات، والتي من خلالها يصبح اقتصاد دولة الإمارات مختبراً عالمياً مفتوحاً لتجريب المفاهيم الجديدة لتكنولوجيا المستقبل المتقدمة، ومنصة عالمية للابتكار وريادة الأعمال.
ومن المحبب ذكره بأن دولة الإمارات تتألف من سبع إمارات هي (أبوظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة)، وتتمتع كل منها بميزانيتها المستقلة.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط)