تقول نادية (53 عاما) لـ "سبوتنيك"، إنها اختارت هذا المجال بحثا عن التفرد وللخروج عن ما هو سائد ومألوف، فضلا عن شغفها بعالم الفضاء والتكنولوجيات الجديدة، مضيفة أنها تنظر إلى عملها كهواية وليس كمهنة فقط، وهو أمر شكّل إحدى عوامل نجاحها.
امرأة بين الرجال
وتؤكد الكنزالي أنها المرأة التونسية الوحيدة التي تمكنت من اللحاق بركب مهندسي صيانة الطائرات، متابعة: "لا يعد النجاح من المدارس التحضيرية أمرا صعبا من الناحية التقنية لأن الأصعب هو الولوج إلى ميدان العمل الذي وجدت فيه نفسي امرأة بين الرجال".
وتضيف:
"لم يكن القبول بامرأة في مجال صيانة الطائرات أمرا سهلا، تطلب مني التموقع بين المهندسين الكثير من العمل والجهد والطاقة والتحلي بالشجاعة وغض البصر عن رسائل الإحباط".
وأشارت إلى أن نساء قلائل انفردن بالعمل في مجال هندسة الطائرات في العالم، معظمهن يتوزعن على شركات الـ"airbus" الفرنسية أو الـ"Boeing" الأمريكية أو يعملن مع هيئات الطيران المدني.
وبيّنت الكنزالي أن غياب النساء التونسيات عن هذا المجال لا يرتبط بالضرورة بكونهن نساء، وإنما بافتقار تونس للإمكانيات المادية ولحسن التنظيم في مجال الطيران.
مسيرة معرفية ومهنية حافلة بالنجاح
وكغيرها من النساء اللواتي تركن بصمتهن في عالم الطيران، تقف وراء نجاح نادية مسيرة معرفية ومهنية شاقة بدأت منذ نجاحها في الحصول على شهادة الباكالوريا (شهادة ختم التعليم الثانوي) بتقييم متفوق، ثم التحاقها بالمدارس التحضيرية بفرنسا وتمكنها من اجتياز امتحان العبور من المدرسة الوطنية للطيران المدني الفرنسي، ثم انتقالها إلى تولوز ونجاحها في الحصول على دبلوم الهندسة في تقنيات الطيران.
مسيرة تعليمية مثلت بالنسبة لنادية الكنزالي بداية الطريق لخط مسيرتها المهنية في مجال هندسة الطائرات التي بدأتها بالعمل مع شركة "AIR FRANCE" ولم تنس محدثتنا أول طراز طائرات اشتغلت عليه وهو طراز "Airbus A340" الذي خبرت من خلاله تقنيات الصيانة والتصليح ومعالجة أي خلل تقني يطرأ على الطائرة.
ولأنها آمنت دائما أن مجال هندسة الطائرات بحر واسع تنهل منه المعرفة والعلم، خيّرت الكنزالي بعد 6 سنوات من العمل في مجال الصيانة الانتقال إلى تخصص جديد وهو "دراسة صلوحية الطائرات"، والتحقت بالعمل مع كبرى الشركات الفرنسية العالمية، وكانت مهمتها دراسة الطائرة تقنيا وتقييم مدى مطابقتها للقانون العالمي.
وتقول نادية:
"مهمتي هي فحص الطائرة وتقييم سلامتها الفنية والتواصل مع شركات البلدان التي نتعامل معها من أجل التدقيق معها حول مدى قدرة الطائرة على الإقلاع من عدمه والتأكد من خلوها من مشاكل تقنية تعيقها عن الإقلاع في الجو".
وتؤكد محدثتنا أنه بالرغم من دقة عملها الذي لا يمكن أن يقبل الخطأ، فإنها لم تشعر يوما بالخوف من تحمل المسؤولية بالنظر إلى اطلاعها المستمر وعملها على تطوير قدراتها في مجال تخصصها ومعرفتها التامة بما تفعله.
مدربة للطيارين والتقنيين
ومن مجال دراسة صلوحية الطائرات انتقلت الكنزالي إلى تخصص الحماية العامة للطائرة الذي أمضت فيه 10 سنوات، قائلة "كنت أقوم بدراسة قوانين الطيران لمختلف البلدان التي نتعامل معها، وكانت من بين مهامي الجديدة هو تدريب التقنيين والطيارين ومراقبة مدى تطبيقهم لإجراءات السلامة، كما أضطلع أيضا بكتابة قوانين الطيران الجديدة وتعليم ذلك للإدارة العامة للطيران المدني، فضلا عن إرشاد الدول إلى كيفية مراقبة طائراتهم بطريقة تضمن سلامتها".
وأكدت الكنزالي أن الدول متفاوتة في جودة قوانينها وفي الالتزام بتطبيق بنودها، وبينت أن البعض منها يحتل المراتب الأولى عالميا في سن قوانين الطيران المطابقة للمعايير الدولية على غرار أمريكا وكندا وأوروبا وسنغافورة التي تمتاز بامتلاكها لقوانين محكمة ومحينة.
وأشارت محدثتنا أن بلدها ما يزال متأخرا جدا في هذا المجال، وأن تونس تعاني من نقص كبير في مجال التنظيم وفي هيئة الطيران المدني وفي مطابقة قانونها للمعايير الدولية.
مهندسة لدى الأمم المتحدة
ومن بين النقاط المضيئة الأخرى في مسيرة نادية الكنزالي هو تعيينها سنة 2010 من قبل المنظمة العالمية للطيران المدني التابعة للأمم المتحدة كمهندسة أولى ومديرة مشروع في دول الخليج.
وأوضحت الكنزالي: "انتقلت بإذن من المنظمة العالمية للطيران المدني إلى دبي ثم إلى الكويت للإشراف على مشروع يهدف إلى تطوير قدرات 6 دول في مجال هندسة الطائرات، وهي كل من الإمارات والكويت والبحرين والسعودية وقطر وسلطنة عمان".
وبيّنت مهندسة الطائرات أن هذه التجربة أثمرت نجاحا باهرا لدى بعض هذه الدول وخاصة الإمارات والكويت اللتين تحسن تقييمهما لدى الأمم المتحدة. وأكدت: "تحصلت على عرض من الكويتيين بتوقيع عقد للعمل معهم بالتوازي مع طلب الأمم المتحدة الإشراف على مشاريع أخرى مماثلة في أفريقيا، لكن المجال كان سانحا بالنسبة لي لفتح مشروعي الخاص والعمل بحرية بعد أن راكمت سنوات من الخبرة والمعرفة".
وتابعت: "عدت سنة 2018 إلى تونس وأنشأت شركتي الخاصة في مجال هندسة الطائرات.. تملكني الخوف في البداية لكنني اليوم مسرورة جدا بما أنجزت، فمنذ العام الأول تشرف شركتي على مشاريع كبرى مع الاتحاد الأوروبي ومع شركات فرنسية، فضلا عن تعاملنا مع منظمة الطيران المدني التي تربطني بها علاقة جيدة، كما أعمل اليوم على تدريب الطيارين في مدرسة الطيران التونسية".
وتحث الكنزالي الشباب التونسي على الدخول في هذا المجال بالنظر إلى احتوائه على اختصاصات عدة كالميكانيك والإلكترونيك، واعتماده على التكنولوجيات الجديدة والمتطورة.
وأضافت أن على الدولة التونسية أن تدعم هذا القطاع باعتباره يساهم بشكل مباشر في تحقيق التنمية والتطور للبلاد من خلال استقطاب شركات أجنبية وفتح مصانع مختصة في صيانة الطائرات أو في صنع أجزاء من الطائرة، وهو ما سيمكن من جلب العملة الصعبة للبلاد، وأوضحت أنه بإمكان تونس أن تستفيد من اليد العاملة غير المكلفة ومن قرب استراتيجيتها من البلدان الأوروبية والأفريقية.