يبقى الوضع في هذه المنطقة معلقا في ظل مماطلة الجانب التركي بتنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها وتعديلها لمرات عدة، ولم تظهر أي نتائج ملموسة على الأرض إلا ما اكتسبه الجيش السوري بدعم من حليفه الروسي بقوة السلاح قبل الاتفاق الأخير، ويوحي المشهد الآن بأن لا نية لحل هذا الملف، بل على العكس تعزز القوات المسلحة والجيش التركي تمركزهم على الجانب المقابل، والقيام بأعمال تحصين وتمكين لمواقعهم، من أجل البقاء مطولا هناك.
إيصال رسالة
روسيا كانت أول من رمى حجرا في المستنقع الراكد في إدلب، بقصفها لمعسكر تنظيم "فيلق الشام" المقرب من تركيا في كفرتخاريم، ولم تستطع تركيا أن ترد بأكثر من تصريح لأردوغان استنكر فيه الحادث وإن كان بلهجة مخففة ومنخفضة السقف.
وجهت روسيا بهذه الضربة رسالة قوية وواضحة إلى تركيا، بأنها صاحبة اليد الطولى في سوريا، وبأنها تستطيع أن ترد على العبث التركي على الحدود الروسية في موضوع ناغورني قرباغ، لأن المصادر تقول بأن هذا المعسكر كان يحتفل بتخريج دفعة من المقاتلين قبل إرسالهم إلى أذربيجان.
تركيا أظهرت دعما واضحا وغير محدود لأذربيجان في نزاعها مع أرمينيا، وكان لها دور كبير -كما يقول المراقبون- في إفشال اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنجزته روسيا، واستمرار توافد المرتزقة من عناصر التنظيمات الإرهابية كما وصفهم رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين، الذي تحدث عن أن آلاف المقاتلين وصلوا من سوريا وليبيا إلى قره باغ.
حلول للمحافظة السورية
سوريا كما روسيا لن ترضى أن يبقى ملف إدلب معلقا للأبد، فالقيادة السورية مستعدة منذ فترة طويلة لتحرير المحافظة، وكانت القوات السورية تتقدم بشكل مطرد وحتى لو أدى ذلك للاصطدام بالقوات التركية المتواجدة هناك، قبل أن يتفق بوتين وأردوغان على وقف إطلاق النار والعمل على انسحاب المجموعات المسلحة وتأمين الطريق الدولي بين حلب واللاذقية.
ربما تكون القيادة السورية قد تأكدت من أن تركيا تعمل على كسب الوقت فقط، وباستحالة تنفيذ أي التزام تعهدت به منذ اتفاق سوتشي عام 2017، فالطريق الدولي لا زال غير مؤمن بالكامل، والمجموعات المسلحة لا تزال تواصل أعمالها العدائية ضد الجيش السوري وحتى ضد القوات الروسية.
ويجمع المراقبون بأن الجيش السوري بات على أعتاب عملية عسكرية قريبا لاستعادة الأراضي إلى حضن الحكومة في دمشق، وإن كان الضامن الروسي هو من يوقفه حتى الآن، لكن من الواضح أن صبر دمشق قد نفد، ومعه صبر موسكو الذي خذلته المواقف التركية في ملفات ليبيا وأذربيجان وغيرها.
إخلاء النقاط التركية
سحبت أنقرة قواتها من أكبر نقاط المراقبة التي أنشأتها على الأراضي السورية، وذلك بعد عام من تطويقها من قبل الجيش السوري، بعد أن كانت قد اتفقت مع موسكو على إنشاء 12 نقطة مراقبة في محافظة إدلب ومحيطها.
هذا الانسحاب يمكن تفسيره بأكثر من طريقة، الأولى منها هي محاولة تركيا ترضية موسكو وكسب مزيد من الوقت لتنفيذ التزاماتها، التي قدمتها بالتعهد بلجم المجموعات المسلحة وفتح الطريق الدولي، قبل أن ينفذ الجيش السوري عملية عسكرية واسعة.
كما يمكن تفسير هذا الأمر بأنه تكتيك تركي، حتى لا تكون هذه النقاط ورقة ضغط عليها في حال اشتعلت الجبهة من جديد، وهو ما يؤكده نقل القوات إلى مطار تفتناز شمال شرقي إدلب، وإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في بلدة قوقفين في جبل الزاوية، بالإضافة إلى استقدام تعزيزات كبيرة إليها.
وحتى الحدث الكبير القادم على الساحة السورية، تصارع تركيا على عدة جبهات في أذربيجان والعراق وليبيا وسوريا، بالإضافة إلى الصراع على الغاز في شرقي المتوسط، فهل ينجح أردوغان بإدارة جميع هذه الملفات سويا؟، لكن المؤكد أن ملف إدلب لن يبقى ساكنا وأن الوقت قد حان لتغيير المعادلات فيه.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)