كريم عرفة (35 عاما)، شاب تونسي قاده شغفه برسكلة الخردة المعدنية إلى استثمار موهبته للصالح العام، بتحويل الأعمدة الحديدية التي ترتكز عليها الطاولات المدرسية وأسرة المبيتات الجامعية المتروكة إلى أغطية حديدية توضع أسفل البالوعة والهدف هو منع انجراف المواطنين الذين يقعون في مصيدة البالوعات المفتوحة أو المحطمة بفعل الزمن وغياب الصيانة.
حل لأزمة البالوعات
يقول كريم لـ"سبوتنيك"، إن "فكرته تمثل حلا نهائيا لأزمة بالوعات الصرف الصحي التي تصبح عاجزة عن أداء وظيفتها في امتصاص مياه الأمطار، بفعل صغر حجمها أو نتيجة لغزارة المطر، أو بسبب تعرضها للسرقة من قبل لصوص البالوعات الذين يقدمون على بيع أغطيتها وإعادة تشكيل الحديد الذي تصنع منه".
وأضاف أن "فكرته تقوم على صنع شبكة دائرية من الحديد الصلب توضع تحت غطاء البالوعة مباشرة، لمنع دخول فضلات الشوارع إلى مجرى البالوعة".
وتابع محدثنا: "الشبكة تقف أيضا حائلا أمام سقوط المواطنين في البالوعات نظرا لصلابتها، وهو ما يجنبهم مخاطر الوفاة".
وأوضح:
"أستخدم الحديد الصلب لتأمين سلامة أكثر للمواطنين، بشكل يجعل الشبكة قادرة على تحمل جميع الأوزان، وبالتالي منع تكرار سيناريو الوفاة الذي لحق بعدد من المارة وخاصة الأطفال والشيوخ".
ويعمل كريم الذي تطوع بشكل فردي على تركيز هذه الأغطية بطريقة تسمح لأعوان التطهير بإعادة فتحها والقيام بأعمال الصيانة والتنظيف السنوية، ثم إعادة غلقها عبر مفاتيح مخصصة للغرض.
ربح بيئي
وإلى جانب حماية أرواح المواطنين ووضع حد للصوص البالوعات فإن مبادرة كريم عرفة تهدف أيضا إلى تحقيق ربح بيئي.
يقول محدثنا: "عادة ما تجد البلديات صعوبة في التخلص من بقايا الأعمدة الحديدية المكونة للطاولات والأسرة المدرسية، نتيجة نقص الموارد البشرية أو ضعف الميزانيات المخصصة لها، أو بسبب غياب مكان لإتلافها".
وتابع: "يتسبب إتلاف هذه البقايا المعدنية في الطبيعة في إلحاق ضرر فادح بالتربة وبالمائدة المائية، لذلك فإن تجميعها وإعادة رسكلتها في شكل حواجز معدنية يمثل الحل الأنسب لتجنب مخاطرها".
وباشر كريم فعلا في تغطية عدد من البالوعات بمنطقة المروج في محافظة بن عروس شمال العاصمة، وقد لاقت فكرته استحسان المارة وإشادة رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين نشروا صور أغطيته وطالبوا السلطات التونسية بتعميمها على بقية المناطق.
ابتكارات أخرى
وليست هذه المرة الأولى التي يبادر فيها كريم عرفة بصنع ابتكارات تسهل حياة الناس وتساعد على حمايتهم، فمع انتشار فيروس كورونا في تونس مطلع العام الجاري، بادر كريم بصنع حنفيات متنقلة في الشوارع لحث الناس على غسل أيديهم وتجنيبهم خطر الإصابة بفيروس "كورونا" المستجد.
كما عمد كريم إلى تحويل الخردة المعدنية المستخرجة من أثاث المدارس إلى مقاعد وحاويات وطاولات، ثم قام بتوزيعها على البلديات والمستشفيات العمومية والمدارس.
يقول كريم: "أعمل الآن على تشييد جسر في منطقة بلطة بوعوان بمحافظة جندوبة التي لا يتوفر فيها سوى جسر بدائي مكون من اللوح والزنك"، وتابع أن "الجسر القديم يصبح غير صالح للعبور في حال نزول الأمطار".
وسيستخدم كريم لبناء هذا الجسر الخردة المعدنية المستخرجة من الأثاث المدرسي وبقايا السكك الحديدة، قائلا إن هذا المشروع سيسمح لساكني المنطقة بمزاولة مهنهم والأطفال بالتنقل لمدارسهم باستمرار.
ويعيب كريم على السلطات التونسية عدم تفاعلها مع هذه المبادرات التي توفر عليها تكاليف جمة نظرا لكونها لا تتطلب موارد كبيرة، ناهيك عن مساهمتها في الحفاظ على البيئة.
وقال: "لست إلا واحدا من مئات الشبان التونسيين الذين يمتلكون مشاريع مبتكرة في مختلف المجالات، لا تحتاج إلا إلى آذان صاغية من الدولة".
وشهدت تونس في الآونة الأخيرة توالي حوادث سقوط مواطنين داخل بالوعات الصرف الصحي، أدت آخرها إلى وفاة شابة عشرينية إثر سقوطها في بالوعة مياه بالمنطقة الصناعية بمحافظة سوسة، سبقها بأسبوعين غرق طفلة التسع سنوات "فرح الحمايدي" في فتحة صرف صحي بمنطقة البحر الأزرق شمال العاصمة.
وخلفت هذه الحوادث حالة احتقان داخل الشارع التونسي، إذ دعا مواطنون إلى تحميل المسؤولية لأجهزة الدولة من بلديات وديوان تطهير، بتهمة التقصير في أداء عملهم.