وتم توجيه أصابع الاتهام لهم للتورط في توريد نفايات إيطالية خطرة بنية ردمها في الأراضي التونسية، بشكل غير شرعي.
23 متهما في القضية
وأعلن جابر الغنيمي، المتحدث باسم محكمة مدينة سوسة التي احتجزت النفايات في مينائها التجاري، أن قاضي التحقيق أصدر قرارا بسجن 8 مسؤولين ثبت تورطهم في قضية توريد شحنات نفايات إيطالية إلى تونس، من بينهم الوزير المقال.
وأكد الغنيمي أن عدد المتهمين في هذا الملف بلغ حاليا 23 متهما، بينهم 12 في حالة إيقاف و10 في حالة سراح، فيما لاذ صاحب شركة النفايات بالفرار بعد أن أثبت تقرير هيئة الرقابة المالية أن شركته أخفت المعطيات المتعلقة بالنفايات، بالقول إنها نفايات بلاستيكية، في حين أنها نفايات منزلية مجمعة تكتسي خطورة بالغة.
وقال رئيس لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالبرلمان بدر الدين القمودي، لـ "سبوتنيك":
إن من بين المتهمين ثلاثة وزراء، هم وزير البيئة الحالي مصطفى العروي الذي أودع السجن، ووزير البيئة السابق شكري بالحسن، الذي ترك في حالة سراح، ووزير البيئة الأسبق، الذي وضع على ذمة التحقيق.
منظومة فساد متشعبة ولوبيات نافذة
وبيّن القمودي أن قضية النفايات الإيطالية تخفي منظومة فساد متشعبة، مشيرا إلى وجود أجهزة ولوبيات متنفذة ساعدت على استمرار ملف النفايات لفترة طويلة والتستر على الأطراف المتورطة فيه.
ويرى القمودي أن قضية النفايات الإيطالية تتجاوز الأطراف التي تم اعتقالها إلى أطراف أخرى ساعدت على إخفاء حقيقة الملف، متوقعا أن تتسع دائرة المتورطين ممن سيكشف عنهم التحقيق.
وأكد أن لجنة الاصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بالبرلمان تواصلت من خلال نائبها في البرلمان التونسي مع البرلمان الإيطالي والجهات الرسمية في روما، مؤكدا أن الجانب الإيطالي أبدى استعداده لإيجاد حل يفضي إلى إرجاع النفايات من مأتاها، مشيرا أن الإشكال الحالي يتعلق بفرار صاحب الشركة الموردة وبضعف التدخل التونسي.
تجاذبات سياسية وشخصية
ولا يستبعد الخبير في التصرف في النفايات والمستشار السابق لوزير التجارة والصناعة وليد المرداسي، أن يكون للإيقافات الأخيرة علاقة بالتجاذبات السياسية أو الشخصية.
وأوضح في تصريح لـ "سبوتنيك" أن الإجراءات التي تم اتخاذها تعتبر صحيحة على اعتبار أنها استندت إلى مغالطة مفادها أن المواد الموردة هي نفايات صناعية بلاستيكية موجهة للرسكلة ثم التصدير نحو أوروبا، قبل أن يتبين لاحقا أنها نفايات منزلية خطرة تَمنع اتفاقيتي "بازل" و"باماكو" تصديرها من الاتحاد الأوروبي إلى أفريقيا ومن إيطاليا إلى تونس.
خطوة أولى
وشدد المرداسي على ضرورة تجاوز معركة تحميل المسؤوليات نحو التفكير في حل يخلّص تونس من هذه النفايات الخطرة، مضيفا أن الخطوة الأولى التي يتوجب على البلاد اتخاذها هي إجراء تشخيص حقيقي لمحتوى الحاويات التي لم يتم فتح سوى جزء قليل منها، في حين بقي محتوى أكثر من 200 حاوية في ميناء سوسة مجهولا.
وأضاف أن الخطوة الثانية تتمثل في التقدم بشكاية إلى الاتحاد الأوروبي والضغط دبلوماسيا على الجانب الإيطالي من أجل فرض إعادة هذه النفايات إلى بلدها الأصلي، مشيرا إلى أنه بإمكان تونس أن تستند إلى قوانين اتفاقية بازل التي تنظم نقل النفايات من بلد إلى آخر، وتحدد الإجراءات التي يتوجب اتخاذها في حال حدوث إشكال مماثل لقضية النفايات الإيطالية.
تأخر في التحرك الدبلوماسي
من جانبه انتقد الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، تأخر التحرك الدبلوماسي التونسي من أجل إجبار الجهة الإيطالية على إرجاع نفاياتها، قائلا:
يجب أن تضغط تونس بكل قوتها وأسلحتها الدبلوماسية وحتى الشخصية بين رئيس الجمهورية التونسية ونظيره الإيطالي بغية التوصل إلى اتفاق لمعالجة ملف النفايات الإيطالية.
وتساءل الهنتاتي "لماذا لم تُردم هذه النفايات في إيطاليا، والحال أنها تمتلك أحدث التقنيات في مجال معالجة النفايات والتخلص منها؟"، معتبرا أن القضية هي قضية أخلاقية بالأساس وأن مكانة تونس أصبحت على المحك بتحولها إلى مزبلة لإيطاليا.
حلول عاجلة
وقال الهنتاتي "إذا لم تتمكن تونس من كسب هذه القضية وفرض إعادة النفايات إلى إيطاليا في ظرف شهر من اليوم، فإنه سيتوجب عليها حينها القبول بها على الأراضي التونسية، وعلى السلطات التونسية أن تفكر من الآن في حل للتخلص من هذه النفايات الخطرة".
وبيّن أن هذا الحل لا يمكن أن يتأتى من ردمها أو حرقها بالنظر إلى خطورة الغازات التي ستنبعث منها، مضيفا أن المنفذ الوحيد للتخلص من هذه النفايات هو حرقها في أفران مصانع الإسمنت.
وأكد الهنتاتي على ضرورة أن تتولى وزارة البيئة من الآن إعداد دراسة متكاملة تضبط الإجراءات الوقائية الضرورية حتى يتم نقل هذه النفايات إلى أفران الأسمنت دون إحداث أي خلل، مع ضمان حرقها بطريقة تحمي تسمم الهواء.