أبدى الأمير الشاب رغبته في نقل البلاد إلى عهد "الإسلام المعتدل"، وقطع شوطا كبيرا في سبيل فتح أبواب الترفيه والسياحة وجذب المستثمرين وتنويع مصادر دخل الاقتصاد الذي اعتمد كليا (تقريبا) على النفط لفترة طويلة.
وفي مؤتمر عقد بالرياض في يونيو/ حزيران عام 2017، قال: "نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة. 70% من الشعب السعودي دون 30 عاما، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا".
سلطات وتغيرات تاريخية
الأمير البالغ من العمر 35 عاما، وهو أب لولدين وبنتين، ارتقى إلى منزلة ولي العهد في 21 يونيو/ حزيران عام 2017، بدلا من ابنه عمه محمد بن نايف، والذي اعتُقل في مارس/ آذار من العام الماضي إلى جانب شقيق الملك، الأمير أحمد بن عبد العزيز، لاتهامهما بتدبير انقلاب ضده، حسبما ذكر تقرير لوكالة "فرانس برس".
إلى جانب كونه وليا للعهد، يشغل محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، ونائب رئيس مجلس الوزراء، وهي سلطات لم يحظ بها أمير من قبل، ويقال إنه يعمل 16 ساعة يوميا.
أطلق برنامجا واسعا للإصلاحات الاقتصادية في بلاده، لوقف الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، كما ساعد على إصدار القرار التاريخي بالسماح للنساء بقيادة السيارات وحضور الفعاليات الرياضية والمهرجانات والحصول على جواز سفر من دون موافقة "ولي الأمر".
كما عمل على تقليص نفوذ الشرطة الدينية في المملكة المحافظة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وسمح بالحفلات الموسيقية وإعادة فتح دور السينما.
أشرف كذلك، على تعديل دراماتيكي في وزارة الدفاع، شهد استبدال كبار الضباط بمن فيهم رئيس الأركان ورؤساء القوات البرية والدفاع الجوي بقادة أصغر موالين له، ما زاد من نفوذه داخل القوات المسلحة، بحسب ما ذكرته "فرانس برس".
انفتح ولي العهد على وسائل الإعلام، على عكس حكام السعودية المتحفظين عادة، ونال تغطية واسعة خلال جولة قام بها في 2018 لإقناع بريطانيا والولايات المتحدة بأن إصلاحات "العلاج بالصدمة" جعلت المملكة مكانا أفضل للاستثمار، وفقا لوكالة "رويترز".
كان بيع جزء من أسهم "أرامكو" محوريا في التحول الاقتصادي، واكتملت العملية عام 2019 بعد بدايات متعثرة، ووصلت قيمة الشركة لفترة وجيزة إلى مستوى تريليوني دولار الذي كان يطمح إليه ولي العهد. أشرف الأمير كذلك على عدد كبير من إجراءات للمساعدة في التحول الاقتصادي المرغوب.
السياسة الخارجية
اعتبر دبلوماسيون، الأمير المحرك الرئيسي لحرب اليمن، التي دخلتها المملكة بعد أسابيع من توليه منصب وزير الدفاع في 2015، كما أنه صاحب قرار احتجاز رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري لفترة وجيزة في المملكة عام 2017، بحسب تقرير "رويترز".
الموقف الأكثر تشددا، كان تجاه إيران في أعقاب ما اعتبره بعض المسؤولين السعوديين "سنوات من تنامي النفوذ الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط"، ووسط مخاوف من أن واشنطن غضت الطرف في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما عما تراه الرياض توسعا خبيثا للنشاط الإيراني في الدول العربية.
أكد الأمير أن السعودية لن تتهاون مع أي تدخل في شؤونها الداخلية. وقاد المقاطعة الخليجية مع قطر لمدة 3 سنوات، قبل أن يقود المصالحة بعد ذلك في قمة العلا الشهر الماضي.
وتمتع الأمير محمد بعلاقات قوية مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإدارته بشكل عام، الأمر الذي وفر له الحماية إلى حد كبير من الانتقادات الغربية. تعهد بايدن باتخاذ موقف أشد صرامة تجاه السعودية.
انتقادات وهجوم
عمل محمد بن سلمان على تهميش وإضعاف المعارضة وخصومه السياسيين في سبيل إحكام إدارته، ويرى بعض المعلقين والدبلوماسيين أن سياسة السعودية الخارجية كانت لا يمكن التنبؤ بها بخلاف المعهود، حسبما أشار تقرير لوكالة "رويترز".
وشمل ذلك تجميد أنشطة شركات ألمانية ومعاملات تجارية جديدة مع كندا في عام 2017، بسبب تصريحات علنية جرى تفسيرها على أنها تنتقد السياسة الخارجية السعودية واحتجاز الرياض لناشطات في مجال حقوق المرأة.
نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر على صلة بالعائلة الحاكمة في السعودية، قولها إن الأمير همش أعضاء بارزين في العائلة بعد عزل ابن عمه عام 2017، وعزز قبضته على أجهزة الأمن والاستخبارات، مما أثار استياء بعض فروع العائلة.
في ذلك العام، اعتقلت السعودية عددا من أفراد العائلة الحاكمة وغيرهم من الشخصيات السعودية البارزة، واحتجزتهم لأشهر في فندق ريتز كارلتون بالرياض، في حملة قالت إنها لمكافحة الفساد والتي أحدثت موجات صدمة في الداخل والخارج.
تقرير خاشقجي
أعلنت الاستخبارات الوطنية الأمريكية في تقرير، نشر أمس الجمعة، أن مكتب مدير المخابرات الوطنية يرجح أن يكون ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، وافق شخصيا على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
وجاء في التقرير: "وفقا لتقديراتنا، وافق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على عملية في اسطنبول بتركيا لاعتقال أو قتل الصحفي جمال خاشقجي". وأشار التقرير إلى أن ولي العهد السعودي اعتبر خاشقجي تهديدا للمملكة ووافق على إجراءات من شأنها إسكاته.
وردت السعودية على التقرير الأمريكي، بالقول إنها ترفضه "رفضا قاطعا"، وقالت الخارجية السعودية: "نرفض رفضا قاطعا ما ورد في تقرير الكونغرس بشأن مقتل المواطن جمال خاشقجي".
واعتبرت أن:
التقرير "تضمن استنتاجات غير صحيحة عن قيادة المملكة ولا يمكن قبولها"، مؤكدة استنكار السعودية لجريمة مقتل جمال خاشقجي.
التداعيات
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، اليوم السبت، أنه أبلغ العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أن واشنطن ستعلن عن تغييرات مهمة في السياسة تجاه السعودية يومي الجمعة والاثنين.
وقال بايدن في مقابلة مع شبكة "يونيفيجن" التلفزيونية الأمريكية: "تحدثت مع الملك أمس وليس مع ولي العهد، أخبرته بوضوح أن القواعد تتغير، وأن واشنطن ستعلن عن تغييرات كبيرة في العلاقات الأمريكية - السعودية يومي الجمعة والاثنين". وأضاف: "نحن بصدد تحميل السعودية المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان".
فيما كتبت، أجنيس كالامار، خبيرة الأمم المتحدة على "فيسبوك": "مع صدور التقرير الأمريكي، الذي يؤكد ضلوع مسؤولين سعوديين على أعلى المستويات، ينبغي على الولايات المتحدة الآن أن تأخذ زمام المبادرة في ضمان المساءلة عن هذه الجريمة ووضع الآليات الدولية لمنع مثل هذه الأعمال في المستقبل والمعاقبة عليها".
وتابعت: "ينبغي على حكومة الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على ولي العهد، كما فعلت مع الجناة الآخرين - باستهداف أصوله الشخصية وكذلك أنشطته الدولية"، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".
من جانبها قالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، في بيان: "يجب على حكومة الولايات المتحدة إعادة تقييم العلاقة مع المملكة العربية السعودية وضبطها، في ضوء نتائج هذا التقرير، والتي تعد جزءا من نمط مقلق لانتهاكات حقوق الإنسان من المملكة".
وتابعت: "نحن ندعم الخطوات التي تتخذها الإدارة لمحاسبة المملكة العربية السعودية، بما في ذلك ما يتعلق بقانون ماجنيتسكي ورفض منح التأشيرات لمنتهكي حقوق الإنسان".