وقال د. دميتري يديليف لشبكة تلفزيون القوات المسلحة الروسية "زفيزدا"، إن "التيفوس مرض خطير جدا يستعصي على العلاج، ويمكن أن تصل نسبة الوفيات بين المصابين به عندما يصيب الناس الكثيرين إلى 30 في المئة".
ويمكن أن يصيب التيفوس الوبائي أعدادا كبيرة من الجنود أثناء الحرب بواسطة القمل الذي لا يجد ما يمنع تكاثره في جبهة القتال. إلا أن استشراء هذا المرض الوبائي لوحظ بين المدنيين في الأراضي التي احتلتها قوات ألمانيا النازية بعد أن اعتدت على روسيا وغيرها من الجمهوريات السوفيتية المتحدة في عام 1941، حيث أصاب التيفوس الوبائي 70 في المئة من سكان بعض المناطق. فمثلا، ارتفع عدد المصابين بالتيفوس الوبائي في أوكرانيا 28 مرة، بينما ارتفع عدد المصابين في بيلاروسيا 44 مرة.
الحرب الجرثومية
وكشفت الوثائق الأرشيفية التي أميط اللثام عنها أخيرا أن ألمانيا النازية شنت الحرب الجرثومية على روسيا. ودلت على ذلك شهادات أدلى بها شهود العيان أثناء محاكمة مجرمي الحرب في مدينة نورنبرغ. فمثلا، كشف غينادي شيروكوف، ابن مدينة غلوبين التابعة لجمهورية بيلاروسيا السوفيتية، أن الغزاة الألمان نقلوا في 12 مارس/آذار، 200 من مرضى التيفوس من مستشفى المدينة إلى أحد معسكرات الاعتقال لاحتجاز المدنيين. ووفق زينايدا غافريلتشيك، ابنة مقاطعة غرودنو التابعة لجمورية بيلاروسيا، فإن الكثيرين من المحتجزين في معسكر الاعتقال توفوا بسبب التيفوس الوبائي في ليل 15/16 مارس.
وحاول الكثيرون مغادرة الأراضي المحتلة في بداية الحرب. وأوقفهم الألمان، عادة، وأعادوهم إلى الأراضي المحتلة ليعملوا لمصلحة ألمانيا. ولكنهم سمحوا لبعضهم أحيانا بعبور جبهة القتال بعدما ضمّوا مصابين بالتيفوس الوبائي إليهم، أي أن الغزاة استخدموا مرضى التيفوس لإدخال المرض إلى صفوف الجيش الأحمر الذي تصدى لجحافل الغزاة. وحققوا مرادهم إلى حد ما بدليل أن التيفوس أصبح في عام 1942 يتصدر قائمة الأمراض الوبائية التي تواجه الجيش الأحمر.
الجرائم المتعمدة
ولجأ الغزاة إلى طريقة أخرى لإصابة الجيش الأحمر بالتيفوس الوبائي من خلال إقامة معسكرات الاعتقال لاحتجاز المدنيين وأسرى الحرب في جبهة القتال وإدخال مرضى التيفوس إلى صفوف المعتقلين. وتركوا معسكر الاعتقال بعد أن يصيب المرض جميع نزلائه تقريبا لكي ينتقل المرض إلى محرري معسكر الاعتقال القادمين من الجيش الأحمر ويوقف بالتالي هجوم الجيش الأحمر لطرد الغزاة من البلاد.
وحمل أحد معسكرات الاعتقال هذه اسم أوزاريتشي. وأفادت وثائق عثر عليها الجيش الأحمر حين حرر معسكر الاعتقال أوزاريتشي في 14 مارس 1944، أن السجانين تعمدوا إصابة 30 ألف شخص بالمرض الوبائي.
اللقاح
ومن أجل احتواء الخطر المميت المخيم على البلاد والمدافعين عنها، أبدع علماء روسيا لقاحيْن ضد التيفوس الوبائي في عام 1942. وتم في عام 1943 تلقيح الجيش الأحمر.
وأصبحت روسيا أول دولة حصّنت رعاياها ضد التيفوس الوبائي.
واستمر الغزاة في ترك معسكرات الاعتقال التي تحتوي على مرضى التيفوس في المناطق التي انسحبوا منها، آملين أن يصيب المرض محرريها. إلا أن المحررين احتاطوا لهذا الاحتمال، فتقدمهم ممرضون محصّنون ضد المرض.
وكانت الإجراءات الاحترازية فعالة لدرجة أصبح معها التيفوس الوبائي في ذيل ترتيب الأمراض التي تواجه الجيش الأحمر، بنسبة 2 في المئة.