وتقول جمعية معهد النساء الأردني (تضامن) إن القانون لم يعد يتوائم ومجريات الحياة وتطورها خاصة وأن آخر تعديل عليه كان منذ عام 1954، وتؤكد على أنه وبشكل غير مقبول تم استخدامه على نطاق واسع لحجز حرية الفتيات والنساء لفترات طويلة بذريعة الحماية من إمكانية التعرض للإيذاء والقتل.
ويستند الحكام الإداريون (المحافظ أو المتصرف) في تنفيذ التوقيف الإداري إلى قانون منع الجرائم رقم (7) لسنة 1954، ويحق لهم بحسب القانون توقيف النساء واحتجازهم إداريا بهدف حمايتهن.
مطالب حقوقية
دعت "تضامن" إلى الوقف الفوري لتوقيف الفتيات والنساء إداريا، وإخلاء سبيل جميع الموقوفات إداريا مع تأمين وسائل حماية لهن، وإصدار توجيهات وتعليمات تفيد بأن المادة 3 من قانون منع الجرائم لا تسمح بتوقيف النساء أو أي أشخاص آخرين لأسباب تتعلق بحمايتهم.
كما تطالب بضرورة العمل على إنشاء نظام قانوني وإجراءات وقاية وحماية ذات كفاءة وفعالية للحماية من العنف ضد النساء، وإشراك منظمات المجتمع المدني لمنع العنف وجميع أشكال التمييز ضد النساء، وإشراكها في تحسين مستويات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وبحسب الجمعية النسائية النسبة الأكبر من النساء الموقوفات والمفرج عنهن من مراكز إصلاح وتأهيل النساء هن موقوفات ومفرج عنهن إداريا، بموجب قانون منع الجرائم رقم 7 لعام 1954 والذي يعطي الحكام الإداريين من محافظين ومتصرفين صلاحية توقيف الأشخاص إداريا، وقد شكلت النساء الموقوفات إداريا ما نسبته 37.5% من مجمل نزيلات المركز خلال شهر آب 2019.
وتقول تضامن إن الأرقام التي حصلت عليها سابقا من إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بأن 3073 امرأة أوقفن في مركزي الإصلاح والتأهيل للنساء (إم اللولو والجويدة) خلال عام 2016، تظهر أن 448 امرأة صدرت بحقهن أحكاما قضائية وبنسبة 14.6%، و904 امرأة تم توقيفهن قضائيا وبنسبة 29.4%، فيما تم توقيف 1721 امرأة إداريا وبنسبة 56%.
انتهاك دستوري
يقول الخبير الدولي القانوني الأردني، حمادة أبونجمة، إن بموجب قانون منع الجرائم 1954 يقوم الحاكم الإداري "المحافظ أو المتصرف" بتوقيف النساء والفتيات في عدة حالات منها التغيب عن المنزل وتعرضهن للتهديد من أسرهن؛ حفاظا على سلامتهن وبغرض الوقاية من وقوع جريمة شرف كما يتم احتجاز العاملات الأجنبيات إداريا في حال تجاوزهن الإقامة أو الهرب من مكان العمل.
احتجاز الضحية، بحسب أبونجمة يتم وفقا للمادة (3) من قانون منع الجرائم فتحتجز فتيات ونساء في مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون) بحجة منع ارتكاب جرائم بحقهن، ولا يسمح لهن بمغادرة السجن إلا عندما يتعهد الأهل بعدم التعدي عليهن وضمان سلامتهن.
ويرى أن قضية التوقيف والاحتجاز لبعض الحالات من النساء والفتيات بحجة حمايتهن والحفاظ على أرواحهن واللواتي هن بالأغلب ضحايا جرائم عنف لا يتماشى مع منطق الحماية، فالقضية جدلية وعليها شبهة دستورية لأن الأصل في التوقيف الإداري أن يكون قضائيا وليس بسلطة الحاكم الإداري.
وأشار إلى أن القانون تضمن عددا من المصطلحات التي لم تعد مستخدمة في الوقت الحالي وغير منسجمة مع المنظومة التشريعية الأردنية وتتنافى مع مبدأ فصل السلطات ومنها صلاحية الحاكم الإداري، وفي ذلك مخالفة للدستور.
واعتبر أن إنشاء دار لإيواء النساء المهددات بالخطر يستهدف تأمين حمايتهن، وتقديم الرعاية الاجتماعية والخدمات المعيشية والنفسية والصحية والإرشادية والثقافية والقانونية للمقيمات في الدار إلى حين انتفاء الخطورة عنهن.
وتمثل الدار استحقاقا حقوقيا يقدمه الأردن أمام مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظومة الأمم المتحدة جراء الانتقادات المتواصلة من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، حيث يشكل التوقيف الإداري للنساء انتهاكا للاتفاقيات والمذكرات التي صادق عليها الأردن، وفقا للخبير الأردني.
بدائل مطلوبة
اعتبرت صباح سهو، النائبة في البرلمان الأردني، أن التوقيف الإداري جاء لحماية السيدات من خطر ما أو لارتكابها جريمة حسب قانون منع الجرائم.
وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، أكدت أن في الآونة الأخيرة تم فتح دور إيواء لمثل تلك السيدات ولكنها لا تكفي.
وطرحت النائبة الأردنية تساؤلات بشأن رغبة البعض في التوقيف الإداري أو القانوني، وتتساءل ما البديل إذا في ظل ارتكاب بعض السيدات جرائم مختلفة، سواء تتعلق بالشرف أو القتل أو السرقة.
وحول مطالب بعض البرلمانيين بإلغاء القانون، قالت إن من يطالب في مجلس النواب الحالي بوقف العمل بالقانون، عليه إذا تقديم حلول وبدائل لحل مشكلة التوقيف الإداري، وكل ما يترتب عليه.
مخاوف متكررة
من جانبه يرى الدكتور عبدالله الناصر، المدير التنفيذي لجمعية الرعاية اللاحقة للسجناء وأسرهم، أن فكرة النساء الموقوفات إداريا تتعلق غالبا بالحماية، بسبب الخوف عليهن من البطش.
وأضاف في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك"، أنه على الرغم من إنشاء مركز خاص للموقوفات إلا أن بعض الحالات يضطر الحاكم الإداري وضعها بالسجن، بغرض الحماية، وهذا الأمر يختلف عن الرجال والذين دائما يحجزون إداريا بسبب خطورتهم، أو الخوف من تصرفاتهم.
وتابع:
"تعرضنا للعديد من القضايا التي تعرضت فيها سيدات للاحتجاز الإداري، إحدى هذه الحالات كانت بسبب قضية شرف، وبعد احتجازها وقع الأهل على تعهد بـ 10 آلاف دينار، ثم قتلوها أمام المنزل".
وبشأن اعتبار الاحتجاز الإداري تقييد للحريات أم حفاظ للنساء، قال: "نحن اعترضنا على التوقيف بشكل عام وطالبنا بحلول بديلة، وأعتقد أن بالنسبة للسيدات يكون الاحتجاز بهدف الحماية، أما للرجال يمكن أن يكون تقييدا للحريات".
وأشار إلى أن احتجاز السيدات بالسجن بغرض حمايتهن، قضية ليس من السهل حلها، الفتاة يمكن أن تكون معرضة للخطر، والحاكم قد يخشى أن يتعرض للمساءلة في حال تم قتل الفتاة، إلا أن الخطورة هنا مخالطة النساء للسجينات، واكتساب السلوكيات الإجرامية، والتي تترك انطباعها على الشخص.
وفي حين أن الدستور الأردني يعطي لرجال القضاء الحق المطلق في تقييد حريات الأشخاص وسجنهم، يعطي قانون منع الجرائم لسنة 1954 -ساري المفعول إلى الآن- الحق لما يطلق عليه "الحاكم الإداري" بوقف النساء إداريا ووضعن بالسجون لغرض حمايتهن.
ويقول تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية: "تتعرض النساء المتهمات بمغادرة المنزل من دون إذن، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج لخطر الاعتقال و"فحوصات العذرية" المهينة إذا اشتكى أفراد الأسرة الذكور إلى السلطات، كما تتعرّض النساء الحوامل خارج إطار الزواج لانتزاع أطفالهن الحديثي الولادة منهن قسرا.
والتوقيف على ذمة المحافظ من الناحية التطبيقية، يأتي إعمالا للسلطة الإدارية الممنوحة للمحافظ التي منحته إجراءات استثنائية، تتيح له عمليا سلب الحرية الشخصية للفرد بهدف الحفاظ على الأمن العام والنظام العام، استنادا لنص قانون منع الجرائم الأردني رقم (7) الذي يمكّن المحافظ من اتخاذ إجراءات وتدابير غير قضائية تباشرها الإدارة وتتخذ الطابع الوقائي للحيلولة دون وقوع الجريمة أو حدوثها.
والحاكم الإداري في الأردن ينقسم إلى ثلاثة وظائف، (المحافظ) وهو يرأس المحافظة ويعين بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير على أن يقترن القرار بالإرادة الملكية السامية، وهو رئيس الإدارة العامة في محافظته وأعلى سلطة تنفيذية فيها ويتقدم على جميع موظفي الدولة في المحافظة.
و(المتصرف) وهو رئيس الإدارة العامة في اللواء وأعلى سلطة تنفيذية فيه، ويتقدم على جميع موظفي الدولة في اللواء. وهو يتمتع بصلاحيات مماثلة لصلاحيات المحافظ في منطقته، و(مدير القضاء) وهو رئيس الإدارة العامة في القضاء وأعلى سلطة تنفيذية فيه، ويتقدم على جميع موظفي الدولة في القضاء.