وقال الرئيس السابق للجنة ترسيم الخط الأزرق (الحدود البرية المؤقتة بين لبنان وإسرائيل) العميد المتقاعد أنطوان مراد لوكالة "سبوتنيك" إن "مشكلة الحدود البحرية بدأت منذ العام 2006، حين وقّع لبنان اتفاق الترسيم مع قبرص، حيث انطلق خط ترسيم الحدود حينها من النقطة (1) جنوباً، وتراجع فيها إلى الخلف (لناحية الجنوب)، بانتظار النقاش بشأنها مع إسرائيل في المستقبل، وهنا كان الخطأ الأول المتمثل في أن لبنان انطلق من هذه النقطة وتراجع فيها شمالاً، بدلاً من أن يأخذها نحو الجنوب، مفترضاً أن هذا الإجراء ينطلق من مبدأ حسن النية، وهو أمر غير منطقي حين يتعلق الأمر بمفاوضات مع عدو".
يضاف إلى ما سبق، بحسب مراد، خطأ آخر وهو أن "لبنان لم يتواصل مع قبرص بشأن النقطة 23 (أي أنه قام بترسيم من طرف واحد)، وقد استغلت قبرص هذا الأمر في مفاوضاتها لترسيم الحدود مع إسرائيل عام 2010، والتي انتهت بتوقيع اتفاق انطلقت فيه من النقطة رقم 1".
ويشير مراد إلى خطأ رابع حدث في العام 2011، ويتمثل في أن الحكومة اللبنانية شكلت لجنة لرسم الحدود البحرية في العام 2008 فحددت هذه اللجنة النقطة الحدودية الجنوبية بالنقطة 23 والتي تبعد نحو 17 كلم عن النقطة رقم 1، وقد كرّست ذلك بالقانون رقم 163 تاريخ 18/ 8/ 2011 وبعدها مرسوم رقم 6433 تاريخ 1/ 10/ 2011، اللذين حددا المنطقة الاقتصادية الخالصة، واللذين تم إيداعهما لدى الأمم المتحدة.
إثر ذلك، برزت وساطة الموفد الأمريكي فريديرك هوف، والتي انتهت بترسيم خط بات يحمل اسمه (خط هوف)، والذي تم اعتماده بالتنسيق مع لبنان واسرائيل، لكن الجانب اللبناني عاد ورفض هذا الخط، بسبب الخلافات الداخلية، وفق ما يشير العميد مراد، الذي يشير إلى أن ثمة معلومات تفيد بأن الوساطة الأمريكية وصلت إلى حد إمكانية إعطاء لبنان 90 في المئة من مساحة 860 كيلومتراً مربعاً التي يطالب بها، ولكن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تولى هذا الملف بين العامين 2012 و2020، ظل مصراً على كامل المساحة، وفقاً للخط 23.
ووفقاً لمراد، فإنه بعد انتقال الملف إلى الرئيس اللبناني ميشال عون في العام 2020، ومن ثم بدء المفاوضات غير المباشرة، كانت هناك مفاجأة تمثلت في انطلاق الوفد المفاوض من النقطة 29، وهي نقطة جديدة نسبياً، تستبعد تأثير صخرة تيخليت، ويسمح للبنان بالحصول على مساحة بحرية تقدر بنحو 1430 كيلومتراً مربعا.
ويشير مراد إلى أن الجولات الأربع الماضية من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لم تشهد تفاوضاً فعلياً.
ويوضح مراد أنه طوال الجلسات السابقة كان لبنان يشرح موقفه المتمسك بالنقطة 29، في حين أن إسرائيل استمرت في رفض هذا الطرح، لا بل ذهبت إلى حد المطالبة بترسيم الحدود وفق خط جديد ينطلق من النقطة 310، التي تقع قبالة مدينة صيدا، وهي نقطة لا تجد ما يدعمها في القانون الدولي، وهو بالتالي "ليس خطاً جدياً، وإنما هو مطروح من قبل إسرائيل فقط للمساومة".
واستأنف لبنان وإسرائيل المفاوضات غير مباشرة لتعيين الحدود البحرية بينهما بعد توقف دام عدة أشهر بسبب خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن "مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة في جولتها الخامسة بين لبنان وإسرائيل، برعاية الأمم المتحدة، وبوساطة أميركية، انطلقت عند العاشرة من صباح اليوم في رأس الناقورة، للبحث في ترسيم الحدود البحرية، حيث يؤكد لبنان حقه في كامل ثروته البحرية"، قبل أن تعلن عصر اليوم عن انتهاء هذه الجولة، من دون الكشف عن مخرجاتها.
وفي أعقاب انتهاء الجولة الخامسة التقى الرئيس اللبناني ميشال عون، أعضاء الوفد المفاوض اللبناني، حيث نقل عنه بيان صادرة عن الرئاسة اللبنانية القول إن "استمرار المفاوضات لا يجب أن تكون مرتبطة بشروط مسبقة، بل يكون القانون الدولي هو الأساس لضمان استمرار المفاوضات".
وبحسب البيان الصادر عن الرئاسة اللبنانية: "أطلع أعضاء الوفد الرئيس عون على المداولات التي تمت خلال الاجتماع بمشاركة الوفد الأمريكي الذي طلب رئيسه أن يكون التفاوض محصوراً فقط بين الخط الإسرائيلي والخط اللبناني المودعَين لدى الأمم المتحدة، أي ضمن المساحة البالغة 860 كيلومتراً مربعاً، وذلك خلافاً للطرح اللبناني من جهة ولمبدأ التفاوض من دون شروط مسبقة من جهة ثانية".
وفي سياق متصل، قال أوفير غندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي: "بعد مهلة زمنية استغرقت حوالي ستة أشهر عقد اليوم لقاء بين البعثتين الإسرائيلية واللبنانية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين".
وأضاف غندلمان في بيان: "استمرت المحادثات لمدة ست ساعات واطلع أعضاء البعثة في ختامها وزير الطاقة الدكتور يوفال شتاينتس على تفاصيل اللقاء حيث أجرى الوزير مشاورات حول مواصلة العملية التفاوضية".
يذكر أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي تتم بوساطة أمريكية وأممية، قد توقفت في أواخر العام الماضي بسبب خلافات طرأت بين بيروت وتل أبيب حول المعايير التقنية الواجب اتباعها لإتمام هذه العملية.
وكان من المفترض أن تقتصر المفاوضات على مساحة بحرية من نحو 860 كيلومتراً مربعاً، بناء على خريطة أرسلت في 2011 إلى الأمم المتحدة، لكن لبنان أعاد، في وقت لاحق، تعديل هذه المساحة باعتبار أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، ويطالب اليوم بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً وهو ما رفضته تل أبيب، خصوصا أن هذه المساحة تشمل أجزاء من حقل كاريش الذي تعمل فيه شركة يونانية لصالح إسرائيل.