يرى مراقبون أن سبب ارتفاع سعر الدولار وزيادة معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، جاء نتيجة سياسة سودانية غير محسوبة، جاءت نتيجة ضغوط صندوق النقد الدولي دون أن تصاحبها إجراءات داعمة، الأمر الذي لا يبشر باستقرار سعر الصرف أو انخفاض التضخم، بل إن الأمور مرشحة للتفاقم في ظل فوضى سعرية تعم البلاد، ولا يمكن التعويل على أي من مخرجات باريس في المدى القصير.
صندوق النقد
وحول الارتفاع غير المسبوق للدولار أمام الجنيه السوداني خلال الساعات الماضية قال الخبير الاقتصادي لـ"سبوتنيك"، قدمنا من قبل النصيحة للدولة بأن تخفيض قيمة العملة الوطنية والذي تم بتوجيهات صندوق النقد الدولي، قلنا لهم أن الأمر سيكون خطير إن لم يكن هناك احتياطي نقدي من الدولار يتراوح بين 4-5 مليار دولار، لكن الدولة أقدمت على هذا الأمر باعتبارها ملتزمة ببرنامج موقع مع الصندوق والمتعلق بالرقابة ومدته عام ينتهي في يونيو/حزيران القادم.
حيث تم تعديل سعر الصرف من 55 جنيه مقابل الدولار الواحد، إلى 375 جنيه مقابل الدولار الواحد، وتلك كانت قفزة كبيرة وتخفيض للعملة بنسبة غير مسبوقة على الإطلاق.
وتابع الناير، الآن ارتفع السعر في السوق الرسمي إلى 411 جنيه سوداني مقابل الدولار الواحد، فعندما تم تخفيض قيمة العملة وتوحد السعر مع السوق الموازي، يفترض أن الدولة تستفيد من هذا المناخ، لأن عدد كبير من السودانيين بالداخل لديهم أموال بالنقد الأجنبي ذهبوا إلى المصارف لاستبدالها، ولم تكن المصارف السودانية في هذا الوقت مهيأة لاستقبال تلك الأموال، حيث كان يفترض عليها تسهيل إجراءات من لديهم نقد أجنبي يريدون تحويله إلى العملة المحلية.
وأضاف الناير، نصحنا الحكومة قبل قرار تحرير سعر الصرف بفتح مكاتب صرافة تعمل طوال الـ 24 ساعة لاستبدال العملة، وهذا الإجراء يسهل أيضا استقطاب النقد الأجنبي، ونصحنا بعمليات وإجراءات تحفيز المغتربين بشكل جيد، ورغم أن الدولة أعلنت عن 24 حافز للمغتربين، لكن جميعها لا تعطي المغترب ما يريده من تسهيل امتلاك منزل في السكن الرأسي وسيارة، وهى كل أولويات المغترب في السودان، فإذا مكنته الدولة من فعل ذلك يمكنها أن تستفيد من النقد الأجنبي بصورة كبيرة، لكنها لم تفعل ذلك.
وأشار إلى أن السوق الموازي لسعر الصرف ظل لأكثر من شهر في حالة من الترقب لمعرفة الإجراءات الحكومية وهل استطاعت استقطاب النقد الأجنبي أم لا، وحينما شعروا أن الدولة لم تنجح في استقطاب النقد الأجنبي بدأ في العودة من جديد، ورغم أن الدولة أقدمت على تلك الخطوة دون احتياطي كافي، ما دفع السوق الموازي للعودة من جديد لرفع سعر الدولار مقابل الجنيه، وبالتالي يتحرك السوق الرسمي الآن مع السوق الموازي، وكل ما نخشاه هو استمرار تلك الحالة إن لم يتوفر النقد الأجنبي بصورة كافية.
مؤتمر باريس
وأكد الخبير الاقتصادي أن مخرجات مؤتمر باريس لن تنعكس على الاقتصاد في المدى القصير، أما ما يتعلق بزيادة نسبة التضخم، هذا الأمر يرجع إلى السياسات الحكومية بشكل رئيسي نتيجة تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي بصورة غير صحيحة، لأن ما يحدث الآن في السودان هو فوضى للأسعار وليس تحرير لها، بجانب وجود فئات من الوسطاء ليس لها علاقة بالاقتصاد "سماسرة"، كما أنه عندما قامت الدولة برفع أسعار المحروقات والسلع الرئيسية، كان لهذا الأمر دور كبير في زيادة معدلات التضخم بصورة كبيرة، ولا نتوقع استقرار سعر الصرف أو انخفاض معدل التضخم إذا استمرت الدولة بتلك الصورة، بأنها لم تنشأ بورصة للذهب وتحد من تهريبه، ولم تحفز المغتربين لجذب مدخراتهم، لكن الدولة لا تستمع لمثل تلك النصائح، لذا نتوقع المزيد من التضخم وارتفاع سعر الصرف.
من جانبه قال المحلل السياسي السوداني الدكتور ربيع عبد العاطي، إنه من غير المتفائلين بالوعود والقروض الدولية، لدينا تجربة عندما تم توقيع اتفاق السلام الذي أدى إلى انفصال الجنوب، كانت الوعود الدولية أكثر من ذلك بكثير من منح بمليارات الدولارات والإعفاء من الديون وتطبيع العلاقات ورفع اسم السودان من القائمة السوداء ورفع العقوبات، وقائمة طويلة من الإجراءات، ومع ذلك لم يكن هناء وفاء بأي من تلك الوعود، بل إن الأمر ازداد سوء بعد انفصال الجنوب إلى أن وصل لما نعيشه الآن.
وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن تلك الوعود إن لم تتحقق، تعني المزيد من المعاناة والضغوط على كاهل الشعب، وبدلا من أن الشعب "كان يقبع تحت قدم واحدة أصبح الآن تحت عدد الأقدام" حسب قوله، وبدلا من أن يكون هناك دائن واحد سيكون هناك عدد من الدائنين، فقد كانت مثل تلك المؤتمرات وبالا علينا اقتصاديا وسياسيا وحتى جغرافيا.
مزيد من المعاناة
وأشار عبد العاطي إلى أن مثل تلك الأمور تندرج ضمن الخطط الدولية لإثقال كاهل السودان بشكل كامل وحتى لا يستطيع التعافي بشكل مستقل وامتلاك قراره، ونحن لدينا تجربة مع المؤسسات الدولية، علاوة على ذلك هناك أمثلة في الدول العربية الغنية التي تنتج ملايين البراميل من النفط، لا تستطيع الإفلات، وبالتالي السودان سيظل تحت وطأة الديون.
وسجل سعر الدولار الأمريكي قفزة مفاجئة في نهاية تداولات أمس الأربعاء بالسوق الأسود مقارنة مع سعر التعاملات الصباحية.
حيث وصل سعر الدولار صباح الأربعاء 19 مايو/أيار 2021 في السوق الموازية وبحسب مصادر موقع "سودافاكس الإخباري" 415.00 جنيه ليرتفع عند المساء بنهاية التداولات إلى 422 جنيه كأعلى سعر تاريخي أمام الجنيه السوداني رغم ما تم الحديث عنه من نتائج إيجابية لمؤتمر باريس على اقتصاد البلاد.
ومنذ 21 أغسطس/ آب من العام 2019، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي والجبهة الثورية التي تضم عدد من الحركات المسلحة بعد توقيعها اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في جوبا.