في الوقت الذي فشلت فيه كل الخيارات التفاوضية للوصول إلى حل نهائي مرضي لكل الأطراف في مسألة سد النهضة ، أعلنت إثيوبيا استعداد الجيش لحماية السد ضد أي تحرك عسكري من مصر.
وقبل أيام، أثارت التصريحات التي أطلقتها إثيوبيا فيما يتعلق بفشل الملء الثاني في سد النهضة ردود أفعال متضاربة حول الأهداف المرجوة من ذلك، ففيما يعتقد البعض أنها مناورة سياسية لإعطاء شرعية قانونية للسد، يجد البعض أنها فرصة تفاوضية جيدة في حال تم تعديل السد وتخفيض كمية المياه المخزنة.
إثيوبيا وسد النهضة
وقال وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي إن بلاده لم تتمكن من تعلية الممر الأوسط لسد النهضة لارتفاع 595 مترا، وإنه سيتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 مترا بدلا من 595 مترا"، موضحا أن بلاده تسابق الزمن من أجل إنهاء بعض الأعمال الهندسية بالبوابات الـ13 للسد، قبل الملء الثاني في 22 يوليو/ تموز.
وفي السياق ذاته، قال القائد العام للقوات الجوية الإثيوبية الجنرال يلمما مرداسا، إن جيش بلاده مستعد لحماية وحراسة سد النهضة من أي عدوان، مشيرا إلى أن القوات الجوية مستعدة أكثر من أي وقت مضى لحماية سيادة البلاد.
وحذرت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي مما أسمته تعنت إثيوبيا بشأن سد النهضة، مؤكدة إنه قد يجر المنطقة إلى مزالق لا تُحمد عقباها.
الحل الوحيد لمشكلة سد النهضة
اعتبر خبير المياه السوداني والعضو السابق في مفاوضات دول حوض النيل أحمد المفتي أن تعثر إثيوبيا في تعلية الممر الأوسط لسد النهضة للارتفاع المقرر أن يرجع إلى خلل فني في بناء السد، مؤكدا أن إثيوبيا تسعى من وراء هذه التصريحات إلى العودة مجددًا لطاولة المفاوضات.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك" فإن هذا الإعلان تحاول إثيوبيا استغلاله كحيلة لإكساب سد النهضة الشرعية المطلوبة، وذلك عن طريق قبول مصر والسودان بهذا القدر من الملء.
ووفق تصور المفتي، مفتاح المفاوضات في يد إثيوبيا، ولن تتم بشكل جاد وبطريقة مجدية وفعالة لجميع الأطراف إلا في حال أوقفت إثيوبيا الملء الثاني للسد، غير ذلك لن يجد نفعا، حيث فشلت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا وكل الدول التي حاولت التوسط في المفاوضات السابقة.
وعن العمل العسكري، قال إن كل الخيارات تبقى مفتوحة، لمناهضة السد، عدا العمل العسكري المباشر بالطيران، لأنه سيعد استنزافا لأرواح المدنيين، وسيؤدي إلى مشاكل أكثر من الفوائد التي سيوفرها.
أسس جديدة للمفاوضات حول سد النهضة
اعتبر نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة المصرية، أن عدم تمكن إثيوبيا من تعلية الحائط الأوسط للسد كما كان مخططًا، يرجع إلى تعثر وفساد مالي، اعتادت عليه منذ بناء سد النهضة، حيث انتحر مدير السد من قبل، واستقال رئيس الوزراء المنتخب قبل آبي أحمد بعد أشهر من توليه الحكم، وكذلك تم تحويل الشركة التابعة للجيش الإثيوبي المسؤولة عن تركيب قواعد التوربينات للمحاكمة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، حجم السد مبالغ فيه جدا، ولا يتناسب مع كمية الكهرباء التي ترغب إثيوبيا في توليدها، وحتى تتمكن إثيوبيا من تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه، لا بد أن يصل الحائظ الأوسط إلى 30 مترا، وإلى الآن لم ينجزوا منه سوى 6 أمتار، ومن المتوقع أن يصل بنهاية شهر يونيو الجاري إلى 13 مترا، يحجز كمية من المياه تقدر بـ 6.5 مليار متر مكعب.
ووفق حديث نور الدين، هناك من يعزي هذا الفشل إلى محاولة إثيوبية لتهدئة الأوضاع مع مصر والسودان من أجل استئناف المفاوضات، والبعض الآخر يقول إنه جاء بعد المناورات العسكرية القوية التي أجرتها القاهرة مع الخرطوم، والتي حملت رسالة واضحة بأن دول المصب لن تتنازل عن حقوقها في مياه النيل.
ويعتقد أستاذ الموارد المائية أن الفترة المقبلة قد تشهد تعديلات إثيوبية جديدة على سد النهضة، حيث جرى من قبل تقليل عدد التوربينات من 16 إلى 13، ومن الممكن أن يتم تخفيض السعة التخزينية للسد حتى تتجنب إثيوبيا صراع مع والسودان، وقد يكون هذا الصراع عسكريًا في مرحلة من المراحل.
ويرى نور الدين أن في حال قامت إثيوبيا بهذه التعديلات يمكن أن توفر مبالغ كبيرة قد تصل إلى 2 مليار دولار، وذلك ينقذها من التعثر المالي، خاصة أنها تحتاج إلى بناء محطة الطاقة الكهربائية وشبكة الضغط العالي التي ستنقل الكهرباء للداخل أو للتصدير للخارج والتي قد تكلف ما يزيد عن 2.5 مليار دولار.
ويشير إلى أن هذا السيناريو بات مطروحا وبقوة ومن شأنه أن يؤدي إلى استئناف مفاوضات قد ينتج عنها نتائج إيجابية، وتجنب إثيوبيا صدام وكراهية وعداء مع مصر والسودان، حيث تكون بذلك قد تفهمت أديس أبابا لمطالب القاهرة والخرطوم عبر هذه التعديلات.
الحل العسكري وسيناريوهات المواجهة لضرب سد النهضة
في السياق قال اللواء تامر الشهاوي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي السابق بالبرلمان المصري، إن إثيوبيا تماطل في أي مفاوضات منذ عام 2011، وتستمر في المماطلة ولا تريد الانتقال بالأمور إلى منطقة الحل، وكل المفاوضات التي أجرتها مصر برعاية الأمم المتحدة وأمريكا لم تسفر عن أي توقف لبناء سد النهضة أو للملء.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، إثيوبيا تتعامل مع ملف نهر النيل كأنه هبة ربانية، وتريد أن تصل بالأمر إلى سياسة الأمر الواقع، أنها تمتلك ثروة من المياه وستستغلها وتبيعها دون موافقة باقي الدول.
وعن إمكانية الاستعانة بحل عسكري، يعتقد الشهاوي أن الرئيس السيسي أكد من قبل أن كل الخيارات مطروحة، وأن المياه أمن قومي مصري، ولو وصلت الأمر لتهديد حياة 120 مليون مصري سيكون هناك حل بأي طريقة للحفاظ على شريان الحياة للمصريين.
ويذهب أيضا إلى أن مصر لم تتطرح بعد قضية اللجوء للحل العسكري، وأكدت أنها مستمرة في التفاوض والوساطة الدولية للوصول إلى حل نهائي للأزمة، ولا يتمنى أحد أن تصل الأمور لمرحلة الحل العسكري.
وفشلت حتى اليوم كل جولات المفاوضات بين إثيوبيا من جهة وكل من مصر والسودان في التوصل لاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الاثيوبي، وكان أبرز تلك الجولات تلك التي عقدت برعاية أمريكية، دون توقيع اتفاق بين الدول الثلاث، حيث رفضت إثيوبيا توقيع الاتفاق الذي توصلت إليه المفاوضات.
كما فشل الاتحاد الأفريقي على مدى ثلاث دورات، برئاسة كل من مصر وجنوب أفريقيا والكونغو على التوالي، في دفع الدول الثلاث لإبرام اتفاق.
وفي تصريحاته، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن بلاده لا يمكنها قبول سياسة فرض الأمر الواقع بخصوص سد النهضة، مؤكدا رفضه أي إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب، مصر والسودان.
تعرف ايضا علي مخاطر ملئ سد النهضة علي مصر والسودان