في الحقيقة هذه الأنماط الثلاثة السالف ذكرها ليست واحدة، وأخيرا، مع استمرار تفشي وتطور الفيروس الذي ظهر أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية، أطلقت بعضها بشكل غير دقيق في مناسبات مختلفة.
ما هي الطفرة؟ وما هو المتغير؟
تسمى المادة الوراثية لفيروس "سارس كوف 2" المسبب لمرض "كوفيد 19"، بالحمض النووي الريبي، ومن أجل عملية التكاثر التي تسبب العدوى داخل جسم الإنسان، يجب أن يسيطر هذا الحمض على خلية مضيفة ويستغل آلية النسخ الخاصة بها لتكرار الفيروس.
غالبا ما تحدث أخطاء في أثناء عملية تكرار الحمض النووي الريبي الفيروسي، وينتج عن ذلك فيروسات متشابهة ولكنها ليست نسخا طبق الأصل من الفيروس الأصلي، بحسب تقرير لموقع "ذا كونفرزشن".
وتسمى هذه الأخطاء في الحمض النووي الريبي الفيروسي "الطفرات"، وتسمى الفيروسات التي تحمل هذه الطفرات "المتغيرات". يمكن أن يختلف المتغير بطفرة واحدة أو طفرات عدة، لكن ليس لكل الطفرات نفس التأثير.
ولفهم هذا بشكل أفضل، يجب معرفة أساسيات الشفرة الجينية (الحمض النووي العادي للبشر "DNA"، والحمض النووي الريبي "RNA" لفيروس "سارس كوف 2").
هذا الرمز يشبه المخطط الذي بنيت عليه جميع الكائنات الحية، وعندما تحدث طفرة في نقطة واحدة، فإنها لن تغير بالضرورة أيا من اللبنات الأساسية (تسمى الأحماض الأمينية)، وفي هذه الحالة، لن يغير طريقة تكوين الكائن (الإنسان أو الفيروس).
لكن في بعض الأحيان، تحدث هذه الطفرات المفردة في جزء من الحمض النووي الريبي الفيروسي الذي يتسبب في حدوث تغيير في لبنة بناء معينة، وفي بعض الحالات، يمكن أن يكون هناك العديد من الطفرات التي تغير معا لبنة البناء.
كيف ينشأ المتغير الجديد؟
تقول منظمة الصحة العالمية إنه عندما ينتشر الفيروس على نطاق واسع بين السكان ويسبب العديد من الإصابات، تزداد احتمالية تحور الفيروس، وكلما زادت فرص انتشار الفيروس، زادت عملية تكراره (النسخ داخل الخلايا البشرية) وزادت فرص تعرضه للتغييرات.
معظم الطفرات الفيروسية لها تأثير ضئيل أو معدوم على قدرة الفيروس على التسبب في العدوى والمرض. ولكن اعتمادا على مكان وجود التغييرات في المادة الوراثية للفيروس، فقد تؤثر على خصائص الفيروس، مثل الانتقال (على سبيل المثال، قد ينتشر بسهولة أو صعوبة) أو شدته (على سبيل المثال، قد يتسبب في مرض أكثر أو أقل خطورة).
وما السلالة إذن؟
يشار إلى المتغير على أنه "سلالة" عندما يُظهر خصائص فيزيائية مميزة. ببساطة، السلالة عبارة عن متغير تم إنشاؤه بشكل مختلف، وبالتالي يتصرف بشكل مختلف، عن الفيروس الأصلي، ويمكن أن تكون هذه الاختلافات السلوكية دقيقة أو واضحة.
على سبيل المثال، يمكن أن تتضمن هذه الاختلافات ارتباط متغير بمستقبل خلوي مختلف، أو الارتباط بقوة أكبر بمستقبل، أو التكاثر بسرعة أكبر، أو الانتقال بشكل أكثر كفاءة، وما إلى ذلك. وبشكل أساسي، فإن جميع السلالات هي متغيرات في الأساس، لكن ليست كل المتغيرات سلالات.
متغيرات أصبحت سلالات
هناك ثلاثة من المتغيرات الأكثر شيوعا لفيروس "سارس كوف 2"، وهي ما عرف باسم المتغير البريطاني (B.1.1.7)، والمتغير الجنوب أفريقي (B.1.351) والمتغير البرازيلي (P.1). يحتوي كل منها على طفرات عديدة مختلفة.
بالنظر على المتغير البريطاني كمثال، فإنه يحتوي على عدد كبير من الطفرات في بروتين سبايك، والذي يساعد الفيروس في جهوده لغزو الخلايا البشرية.
يُعتقد أن الانتقال المتزايد لمتغير المملكة المتحدة مرتبط بطفرة تسمى "N501Y"، والتي تسمح للفيروس بالارتباط بسهولة أكبر بالمستقبل البشري "ACE2"، والذي يشكل نقطة دخول "سارس كوف 2" إلى مجموعة واسعة من الخلايا البشرية.
هذه المتغيرات رغم أن أسمائها ارتبطت ببعض الدول (تغيرت بعد ذلك إلى أسماء مستقلة مثل ألفا ودلتا وغيرها)، فإنها انتقلت بسرعة إلى عشرات الدول، ورغم أنه عُرفت كمتغيرات، فإنها أيضا سلالات جديدة من الفيروس نظرا لاختلافها في السلوك عن السلالة الأصلية.
فض الالتباس
هناك بعض الالتباس حول أفضل طريقة لاستخدام هذه المصطلحات. نظرا لأن جميع السلالات متغيرات (ولكن ليست كل المتغيرات سلالات)، فمن المنطقي أن يكون مصطلح "المتغير" أكثر شيوعا.
ولكن عندما يُظهر العلم أن هذه المتغيرات تتصرف بشكل مختلف، فسيكون من الأكثر دقة تسميتها سلالات. يكشف المجتمع العلمي عن مزيد من المعلومات حول الطفرات الناشئة والمتغيرات والسلالات طوال الوقت، ويقوم مطورو اللقاحات الرائدون باختبار وتقييم فعالية لقاحاتهم في ضوء ذلك.
متغيرات مقلقة
تضع منظمة الصحة العالمية 4 متغيرات حديثة لفيروس "سارس كوف 2" ضمن ضائمتها للمتغيرات المثيرة للقلق، وذلك لخصائصها التي تشكل تهديدا أكبر من غيرها.
وهذه المتغيرات هي:
- ألفا: ظهر أولا في بريطانيا
- بيتا: ظهر أولا في جنوب أفريقيا
- غاما: ظهر أولا في البرازيل
- دلتا: ظهر أولا في الهند
ما تأثير المتغيرات على اللقاحات؟
من المتوقع أن توفر لقاحات كورونا التي هي قيد التطوير حاليا أو تمت الموافقة عليها، بعض الحماية على الأقل ضد المتغيرات الفيروسية الجديدة، لأن هذه اللقاحات تثير استجابة مناعية واسعة تشمل مجموعة من الأجسام المضادة والخلايا، بحسب منظمة الصحة العالمية.
لذلك، لا ينبغي أن تؤدي التغييرات أو الطفرات في الفيروس إلى جعل اللقاحات غير فعالة تمامًا، وفي حال ثبت أن أيا من هذه اللقاحات أقل فعالية ضد متغير واحد أو أكثر، سيكون من الممكن تغيير تركيبة اللقاحات للحماية من هذه المتغيرات.
يحتاج البشر إلى بذل كل ما في وسعهم لوقف انتشار الفيروس من أجل منع الطفرات التي قد تقلل من فعالية اللقاحات الموجودة، وبالإضافة إلى ذلك، قد يتعين على الشركات المصنعة والبرامج التي تستخدم اللقاحات التكيف مع تطور فيروس.
على سبيل المثال، قد تحتاج اللقاحات إلى التركيز على أكثر من سلالة واحدة أثناء تطويرها، وقد تكون هناك حاجة لجرعات معززة يحصل عليها الناس.
كيف يمكن منع الفيروس من التطور؟
لا يزال إيقاف الانتشار من المصدر أمرا أساسيا، والتدابير الحالية للحد من انتقال العدوى - بما في ذلك غسل اليدين المتكرر، وارتداء القناع، والتباعد الجسدي، والتهوية الجيدة، وتجنب الأماكن المزدحمة أو الأماكن المغلقة - تساعد في العمل ضد ظهور متغيرات جديدة عن طريق تقليل فرص انتقال العدوى وبالتالي تقليل فرص الفيروس في التحور.
أيضا، توسيع نطاق تصنيع اللقاحات ومنحها بأسرع ما يمكن وعلى نطاق واسع سيكون وسيلة مهمة لحماية الناس قبل تعرضهم للفيروس وخطر المتغيرات الجديدة. كلما تم تطعيم المزيد من الناس، سينخفض انتشار الفيروس، مما سيؤدي بعد ذلك إلى حدوث طفرات أقل.