في غضون ذلك، وأثناء احتفال المتمردين بالنصر، احتشد آلاف الأشخاص في مطار المدينة في محاولة للفرار من حكم الجماعة المتشددة، أو ربما الفتك بكل من تعاون مع التحالف العسكري الغربي طوال العقدين الماضيين، حسبما أفاد تقرير لوكالة "فرانس برس".
وكان رئيس البلاد، أشرف غني، قد فرّ من البلاد فجأة، مساء الأحد، بعدما حاصر المسلحون العاصمة ورغم دخوله في مفاوضات معهم، لتحتفي حركة طالبان بنصر عسكري غالي حيث سيطروا على جميع المدن في غضون 10 أيام فقط.
وعلّق غني بعد ذلك بالقول: "لقد انتصرت حركة طالبان بالسيوف والبنادق، وهي الآن مسؤولة عن شرف وممتلكات مواطنيها والحفاظ على أنفسهم"، مؤكدا أنه جنّب البلاد صدامًا دمويًا بقرار مغادرته على الفور.
كشفت السفارة الروسية في كابول لوكالة "سبوتنيك"، أن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، هرب من كابول مع سيارات مليئة بالأموال، بقي بعضها في المطار لعدم تمكنه من نقل الأموال كلها.
وقال السكرتير الصحفي للبعثة الدبلوماسية، نيكيتا إيشينكو: "أما بالنسبة لسقوط النظام، فتميز بطريقة هروب غني من أفغانستان، حيث صاحبته أربع سيارات كانت مليئة بالمال، وجزء آخر من الأموال حاولوا وضعه في مروحية، لكنها لم تستوعبها، فبقي جزء من الأموال ملقى على أرض مدرج الإقلاع".
فشل وسقوط
انهارت القوات الحكومية دون دعم من الجيش الأمريكي الذي غزا البلاد في عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول وأطاح بحركة طالبان لدعمها تنظيم القاعدة الذي ألقت واشنطن عليه باللوم في الهجمات.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في نهاية المطاف في بناء حكومة ديمقراطية قادرة على الصمود أمام طالبان، على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات وعقدين من الدعم العسكري.
بعد أن تخلت الشرطة والقوات الحكومية الأخرى عن مواقعها في كابول يوم الأحد، سيطر مقاتلو طالبان على نقاط التفتيش في جميع أنحاء المدينة ودخلوا القصر الرئاسي. كما سار مسلحون يحملون بنادقهم على أكتافهم في شوارع المنطقة الخضراء، وهي المنطقة التي كانت في السابق شديدة التحصين وتضم معظم السفارات والمنظمات الدولية.
وسعت طالبان إلى طمأنة المجتمع الدولي بأنه لا ينبغي للأفغان أن يخافوا منها، وقالت إنها لن تنتقم من أولئك الذين دعموا التحالف الأمريكي. وفي رسالة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا المؤسس المشارك لحركة طالبان، عبد الغني برادار، مقاتليه إلى البقاء منضبطين بعد السيطرة على المدينة.
وقال: "حان الوقت الآن للاختبار والإثبات، وعلينا الآن أن نظهر أنه يمكننا خدمة أمتنا وضمان الأمن والراحة في الحياة".
الخوف يسيطر
حدث استيلاء "طالبان" على العاصمة، كما هو الحال في العديد من المدن الأخرى، دون إراقة الدماء التي كان يخشى الكثيرون. لكن كانت هناك مشاهد يائسة في مطار كابول، اليوم الاثنين، حيث حاول الناس الصعود على متن الرحلات القليلة المتاحة.
وقال جندي سابق يبلغ من العمر 25 عاما لوكالة "فرانس برس" بينما كان يقف وسط حشود ضخمة على المدرج: "نخشى العيش في هذه المدينة. منذ أن خدمت في الجيش، كانت طالبان تستهدفني بالتأكيد".
أرسلت الولايات المتحدة 6000 جندي إلى المطار لضمان الإخلاء الآمن لموظفي السفارة، وكذلك الأفغان الذين عملوا كمترجمين أو في أدوار دعم أخرى. كما نظمت حكومات أخرى، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وأستراليا، رحلات طيران للإجلاء.
وقالت الحكومة الأمريكية، يوم الاثنين، إنها قامت بتأمين المطار، لكن الفوضى لا تزال قائمة حيث أفاد شهود بسقوط قتلى بعدما أطلق الجنود أعيرة نارية لدرء الحشود. ثم ألغت السلطات جميع الرحلات الجوية التجارية المتبقية، بحجة تهديد اللصوص.
الأكثر من ذلك، كان حادث سقوط مواطنيين أفغان عن الطائرات الأمريكية بعد أن حاولوا الفرار من البلاد. تشبث المواطنون بإحدى الطائرات الأمريكية أثناء إقلاعها، لكنهم سقطوا في النهاية مع تسارعها وبدء الطيران.
أصدرت الولايات المتحدة في وقت سابق بيانا مع أكثر من 65 دولة حثت فيه طالبان على السماح للأفغان بمغادرة البلاد، محذرة من مساءلتها عن أي انتهاكات. وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حركة طالبان وجميع الأطراف على "ضبط النفس" وقال إنه يجب حماية حقوق النساء والفتيات.
فرضت طالبان تفسيرا شديد الصرامة للشريعة الإسلامية خلال حكمها بين عامي 1996-2001، وشمل ذلك منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس والنساء من العمل، بينما كان الناس يُرجمون علنا حتى الموت بتهمة الزنا.
وقالت موسكا داستاغير، المحاضرة في الجامعة الأمريكية في أفغانستان، التي افتتحت بعد خمس سنوات من الإطاحة بطالبان، إن سكان كابول شعروا "بالخوف والعجز". وكتبت على "تويتر": "الخوف يجلس داخل صدرك مثل طائر أسود. يفتح جناحيه ولا يمكنك التنفس".
الموقف الدولي
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بشأن أفغانستان، يوم الاثنين، حيث تسعى طالبان للحصول على اعتراف رسمي. كانت الصين أول دولة كبيرة تعرب عن دعمها لطالبان، قائلة إنها مستعدة لـ"علاقات ودية".
قال مسؤول بوزارة الخارجية في موسكو، إن سفير روسيا في أفغانستان يعتزم الاجتماع مع طالبان يوم الثلاثاء، على أن يتم تحديد كيفية حكمهم للبلاد في المستقبل القريب.
وأعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، ومدير الإدارة الثانية لآسيا في وزارة الخارجية الروسية، زامير كابولوف، أنه لا يمكن الحديث حاليا عن استبعاد حركة طالبان (المحظورة في روسيا) من قائمة المنظمات الإرهابية، مشيرا إلى أن هذا الاجراء يجب أن يبدأ بقرار من مجلس الأمن الدولي.
أصرت حكومة الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة على أن الحرب التي دامت عقدين من الزمن في أفغانستان كانت ناجحة، حيث كان هدفها القضاء على تهديد تنظيم القاعدة.
قال الرئيس جو بايدن إنه لا يوجد خيار سوى سحب القوات الأمريكية وأنه لن "ينقل هذه الحرب" إلى رئيس آخر. لكن واشنطن أعربت عن صدمتها من الانهيار السريع للحكومة الأفغانية، وقال النقاد إن سمعة الولايات المتحدة كقوة عالمية قد تلوثت بشدة.