بعد غرق قارب مهاجرين… استمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
19:32 GMT 08.11.2022 (تم التحديث: 20:56 GMT 08.11.2022)
© AFP 2023 / MV PINAR E CREW / UNHCRقارب مهاجرين
© AFP 2023 / MV PINAR E CREW / UNHCR
تابعنا عبر
في حلقة جديدة من مسلسل الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي إلى اليمن كبوابة عبور إلى الدول العربية والخليج، قالت المنظمة الدولية للهجرة، إن نحو 30 مهاجرا إثيوبيا في عداد المفقودين بعد تحطم قارب قبالة الساحل اليمني.
وقالت المنظمة في بيان صحفي، أمس الاثنين، إنها تحققت خلال الأيام الماضية من أن خفر السواحل اليمني استعاد ثلاث جثث، بينما يستمر في البحث عن المهاجرين المتبقين.
وحذرت المنظمة من خطر الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي إلى اليمن، مؤكدة أن اليمن بات أحد أكثر ممرات الهجرة ازدحاما وأكثرها خطورة في العالم.
وقال التقرير، إن مئات الآلاف من المهاجرين، معظمهم بطريقة غير نظامية، يسافرون عبر اليمن، ويعتمدون في كثير من الأحيان على المهربين في رحلات محفوفة بالمخاطر يتعرضون خلالها لأشكال متعددة من استغلال شبكات التهريب.
فما هي الأسباب، التي تدفع هؤلاء للهروب من الموت في بلادهم إلى الموت في بلد تشتعل فيها الحروب منذ سنوات، وما هي وجهتهم، ولماذا اختاروا اليمن، وهل يشكلون خطورة على الأوضاع المتأزمة بالفعل سياسيا وعسكريا وأمنيا؟.
بداية يقول، عضو اللجنة الإعلامية للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، أمجد صبيح، إن اليمن يعيش حالة حرب منذ سنوات، والمهاجرين الآتين من القرن الأفريقي يعتبرونه بوابة عبور نحو دول الخليج والدول العربية الأخرى، بصورة غير شرعية عبر البحر أو الطريق البري، حيث يمر هؤلاء عبر طرق معينة من أجل الوصول إلى وجهتهم.
دعم المنظمات
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "عندما يعبر هؤلاء الأفارقة من المحافظات الجنوبية ويصلون إلى الشمال يجدون أمامهم الحوثيين، الذين يقومون باستغلالهم وتجنيدهم كمرتزقة ضد الشرعية بأجور زهيدة في مواجهة الشعب اليمني، مشيرا إلى أن الآلاف من هؤلاء المهاجرين يبقون في المحافظات الجنوبية بدعم من منظمات خارجية وغربية، ولا يعرف أحد حتى الآن سبب دعم هؤلاء المهاجرين للاستيطان في المحافظات الجنوبية، في عدن وشبوة وحضرموت.
وأشار صبيح إلى أن أزمة المهاجرين في اليمن تعود إلى حالة الحرب التي تعيشها البلاد رغم أن المحافظات الجنوبية تشهد حالة من الاستقرار الأمني سواء في عدن أو حضرموت وبعض مناطق شبوة، علاوة على أن قلة الإمكانيات العسكرية لتأمين الشواطئ ساهمت في زيادة الأعداد بشكل كبير، علاوة على أن ظروف الحروب في القرن الأفريقي زادت من عمليات النزوح نحو اليمن.
رحلة الموت
من جانبه يقول رئيس المركز العالمي للسلام وتنمية حقوق الإنسان، عضو منظمة العفو الدولية في اليمن، رائد الجحافي: "يصل هؤلاء المهاجرين في الغالب على متن قوارب كبيرة، وأحيانا يستخدمون سفن تهريب بمقابل مادي يصل أحيانا إلى 500 دولار عن كل مهاجر، والمحظوظين من يصلون إلى السواحل اليمنية بأمان، حيث تستقبل السواحل اليمنية وبالذات سواحل عدن، والسواحل الواقعة على الشريط الساحلي الممتد من عدن مرورا بأبين، ثم شبوة إلى حضرموت مئات المهاجرين الأفارقة يوميا".
© Sputnikاستمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
استمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
© Sputnik
وأضاف لـ"سبوتنيك": "الكثير من المهاجرين يتعرضون للضرب أثناء تلك الرحلة "رحلة الموت"، وأحيانا تقوم عصابات التهريب بإرغامهم على مغادرة السفينة أو القارب على مسافات بعيدة من السواحل خوفا من تعرض السفن للاحتجاز، لذلك يسقط العديد من الضحايا غرقا إذ أنهم لا يستطيعون السباحة كل تلك المسافات".
وعن معاناة المهاجر في تلك الرحلة التي تمثل النجاة منها النسبة الأقل يقول: "لا تتخيل أن وصول المهاجر حيا إلى السواحل اليمنية يعني إنتهاء رحلة الموت، فلا تنتهي معاناتهم عند هذا الحد، إذ تنتظرهم رحلة قاسية وشاقة، وعليهم الاستعداد لرحلة أخرى أشد عذابا، إذ أمامهم أكثر من ألف كيلو متر يقومون بقطعها مشيا على الأقدام، من أبين أو شبوة وغيرها إلى عدن، ومنها حيث يتجمعون ثم يتسلم أمرهم مرشدين من أبناء جنسهم يقومون بتوزيعهم على شكل مجاميع، كل مجموعة يتراوح عددها من عشرة إلى عشرين مهاجر يفصل بين كل مجموعة وأخرى مسافة أقل من نصف كيلومتر".
الطريق إلى الخليج
وأردف الجحافي: "بعد وصول المهاجرين إلى السواحل وخروجهم لليابسة واستقرارهم بعض الوقت يبدأون المرحلة الثانية من تلك الرحلة القاسية سيرا على الأقدام دون توقف بالمشي دون توقف بمحاذاة الطريق الرئيسي الذي يربط بين عدن وصنعاء، إذ يعبرون محافظات لحج والضالع وأجزاء من محافظة إب شمالا، حتى يصلون محافظة البيضاء الواقعة وسط اليمن، وهناك يتجمعون استعدادا لرحلة جديدة باتجاه السعودية بحثا عن عمل، لكن الكثير من المهاجرين يستقرون في بعض مناطق محافظة البيضاء مثل مديرية "رداع" ويعملون في جمع وحمل حزم القات وآخرين يعملون في المزارع وغيرها".
© Sputnikاستمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
استمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
© Sputnik
وأوضح رئيس المركز العالمي للسلام وتنمية حقوق الإنسان، أنه رغم مرور سنوات طويلة من عمر الحرب قاربت 8 سنوات، إلا أن الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن لم تتوقف وتخطى معدلها خمسون ألفا خلال العام الجاري 2022 ، ولم تقلل الأوضاع المعيشية والأمنية التي تعيشها اليمن من الهجرة غير الشرعية للأفارقة بل تتزايد أعدادهم، ومن أهم الأمور المتعارف عليها عند اليمنيين، أن السلطات الأمنية اليمنية تمنع أي سائق من حمل أولئك المهاجرين على سيارته مهما كانت المبررات.
وتابع: "من يلقى القبض عليه متلبسا وفي سيارته أحد المهاجرين يتم حجزه بسيارته، وحبسه لأيام وتعرضه لخسائر مادية طائلة، لذلك يرفض جميع سائقي السيارات سواء سائقي سيارات الأجرة أو غيرهم السماح للمهاجرين الأفارقة صعود سياراتهم".
مرتزقة حرب
وحول استخدام هؤلاء المهاجرين في الحرب الدائرة يقول الجحافي: "استبعد أن يتم استخدام هؤلاء المهاجرين في الحرب التي تشهدها اليمن سواء عن طريق تجنيدهم أو غيرها من صور الاستخدام، هذا الأمر غير وارد، والدليل أن الآلاف الذين يدخلون البلاد، ورغم كثافة أعدادهم لم يشهد في يوم من الأيام وجود جثة مهاجر سقط في جبهات القتال، أو وجود أسير وقع في الأسر مع أي من أطراف الصراع".
وتابع: "علاوة على أنه من الناحية الأمنية لا يوجد للمهاجرين أي قضايا أمنية مقيدة في سجلات الأمن في جميع المناطق التي يسلكونها عابرين، أو المناطق والمدن التي يتجمعون أو يقيمون بها، بالذات المهاجرين من ذوي الأصول الأثيوبية (الاورومو)، هؤلاء تجدهم مسالمين خائفين، ولا يجيدون حتى التخاطب مع اليمنيين، وبإمكان أي طفل يمني صغير منعهم من عبور الطريق أو أمرهم بالسير في طريق آخر، ولن يخالفوا أوامره، عكس المهاجرين القادمين من الصومال ومن دول إفريقية أخرى، فهؤلاء أكثر ذكاء ويستطيعون التحدث بعدة لغات بينها اللغة العربية واللغة الإنجليزية".
وأوضح أنه بمجرد وصولهم مدن مثل عدن وغيرها، يشرعون في الانخراط داخل صفوف المجتمع والعمل الحر ومتابعة مكاتب المنظمات الإنسانية الدولية ومكاتب الأمم المتحدة، علاوة على أن السلطات المحلية تحاول حاليا الاستفادة من المهاجرين خصوصا في عدن، حيث يتم تشغيلهم كعمال نظافة مقابل أجور زهيدة جدا.
أجندات خطيرة
من جانبه، قال القيادي في الحراك الجنوبي اليمني عبد العزيز قاسم إن هناك تداعيات خطيرة للهجرة غير الشرعية والتي تمثل إثيوبيا الجانب الأكبر منها نظرا لقربها من عدن ونتيجة الصراعات الداخلية بها، لكن اليمن أيضا يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وحرب ممتدة منذ سنوات، لذلك نحن نتخوف من استغلالهم لتنفيذ أجندات خطيرة نتيجة وضعهم المادي الصعب.
وأضاف لـ"سبوتنيك" أن: الهجرة من إثيوبيا إلى اليمن وتحديدا جنوب اليمن أو المحافظات الجنوبية التي تشهد حروب وغيرها برزت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حيث ازداد تدفق الأعداد بصورة ملفتة للنظر على جانب الطريق الرابط بين عدن وصنعاء، يمشون على أرجلهم ولا يتم اعتراضهم في النقاط الأمنية.
وأوضح قاسم أن بعض القوى السياسية داخليا وخارجيا أو قوى الصراع المسلح، قد تلجأ لتوظيفهم لصالح أجندتها السياسية والتي بمقدورها منحهم مبالغ مالية لاشراكهم بالحرب، هنا ينبغي إدراك هذه المسألة، لأن كل القوى معتمدة على ما يقدمه لها المحيط الإقليمي أو التحالف وعلى ذلك يمكن إسقاط المسألة بالنسبة لإمكانيات أنصار الله، خاصة وأن عدد السكان يمثل ثمانين بالمئة مقارنة بسكان الجنوب الخاضع لسيطرة التحالف والشرعية وبعض القوى الجنوبية مثل الانتقالي.
عمليات تهريب دولية
بدوره يقول المدير التنفيذي لمؤسسة إنقاذ للتنمية المستدامة بجنوب اليمن، د.علي البحر، على مدى السنوات الماضية كنا نشاهد العديد من المهاجرين الأفارقة يسيرون بجانب الطريق مشيا على الأقدام، وما أثار استغرابنا هو أن وجهات هؤلاء إلى مناطق الصراع في اتجاه الشمال.
وقال في حديثه لـ "سبوتنيك": لا استبعد استخدام هؤلاء من جانب "أنصار الله" في المناطق الشمالية في الحرب، ومن أكثر الجنسيات عددا والتي تمثل الغالبية من هؤلاء المهاجرين هى الجنسية الإثيوبية ثم الصومالية والاريترية، حيث يتم جلبهم عبر عمليات تهريب دولية غير شرعية، وفي أحد المرات سألناهم عن وجهاتهم قالوا: إنهم يبحثون عن عمل، ويبدو أن هناك عصابات وخلايا معينة هى التي تنظم عملية دخولهم إلى المحافظات اليمنية وتحدد وجهاتهم ونخشى أن يتم استخدامهم في الصراع العسكري الدائر في البلاد.
وأشار المدير التنفيذي لمؤسسة "إنقاذ" إلى أن الجهات الأمنية في المنافذ بين المحافظات إذا وجدت هؤلاء داخل وسائل المواصلات تقوم بإنزالهم، لكن تلك الجهات تسمح لهم بالعبور مشيا على الأقدام دون توقيف أو مساءلة واعتراض، فهم يمرون عبر عشرات النقاط من محافظة عدن إلى لحج ومن لحج إلى الضالع وصولا إلى يافع ومنها إلى محافظة البيضاء.
© Sputnikاستمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
استمرار مآسي رحلة الموت من القرن الأفريقي إلى سواحل اليمن
© Sputnik
وأكد مدير مؤسسة "إنقاذ" على "خطورة هؤلاء على الحالة الأمنية في البلاد نظرا لأنهم لم يأتوا بطريقة شرعية ولا هم لاجئون معروفة هويتهم، فلو ارتكب هؤلاء أي جريمة لن تستطيع تحديد الجاني الحقيقي، مضيفا: "الغريب في الأمر أن هؤلاء وجهتهم إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الجنوبيين، ومنذ ما يقرب من عام لم تنقطع تلك المجموعات التي تأتي لليمن بصورة شبه يومية".
وكان القارب الذي يقل المهاجرين قد غادر مدينة أوبوك بجيبوتي في منتصف الليل لعبور مضيق باب المندب متجها إلى نقطة وصول معروفة في اليمن وعلى متنه نحو 30 شخصا قبل أن يتعرض للغرق.
© Sputnik8 سنوات من الحرب في اليمن
8 سنوات من الحرب في اليمن
© Sputnik