متحديا التضييق على التعليم.. مدير مدرسة في ريف الحسكة السورية ينذر نفسه لإصلاح مقاعد تلاميذه بنفسه
14:19 GMT 13.12.2023 (تم التحديث: 15:02 GMT 13.12.2023)

© Sputnik . Atia Al atia
تابعنا عبر
حصري
اعتاد تلاميذ مدرسة "خربة جاموس المحدثة" في ريف محافظة الحسكة، رؤية معلمهم ومدير مدرستهم، محمد أحمد الحسن، وقد استل ما تيسر له من عدة "النجارة"، منكبا على إصلاح مقاعدهم الدراسية.
منطقة المدرسة التي يسيطر عليها الجيش الأمريكي، تعاني قلة في عدد المدارس الحكومية، وصعوبات بالغة في التواصل مع المؤسسات المختصة، الأمر الذي يجعل وصول ورش الإصلاح التي عادة ما تكون تلقائية في مناطق أخرى، مهمة شاقة تثقل كاهل كادر مدرسة "خربة جاموس المحدثة" كما هو حال الكثير من المدراس التي تقع خارج سيطرة الدولة السورية.
يضطلع محمد الحسن، وهو المعلم الوحيد في المدرسة التي تضم 12 معلمة فقط، بجميع الأعمال الإدارية وغير الإدارية، فهو المدير، وأمين السر، والموجه، وأمين المكتبة، وأحيانا معلم داخل الصف عند الضرورة، وفي أوقات الفراغ، لا يتوانى عن القيام بكل ما يستلزمه الأمر لصيانة مبنى مدرسته ومقاعدها وأبوابها.

متحديا التضييق على التعليم.. مدير مدرسة شرقي سوريا ينذر نفسه لإصلاح مقاعد تلاميذه بنفسه
© Sputnik . Atia Al atia
وقال المعلم محمد الحسن لــ "سبوتنيك": "تم افتتاح مدرسة "خربة جاموس" بداية العام الماضي، عبر ثلاث غرف للتخفيف عن التلاميذ الذين كانوا يقطعون مسافة 8 كم للوصول إلى أقرب مدرسة في منطقتهم نظرا لسياسة إغلاق المدارس الحكومية خارج سيطرة الدولة، والضغط الشديد على المدارس الواقعة تحت سيطرة مديرية التربية الحكومية في وسط الحسكة".
وتابع الحسن: "تعكس زيادة عدد التلاميذ عن العام الماضي بمقدار 104 تلاميذ جدد في الصف الأول لوحده، تمسك أبناء الجزيرة السورية بمناهج وزارة التربية الحكومية ورفضهم للمناهج المؤدلجة المفروضة عليهم، قمنا بالتعاون مع الموجهين التربويين وأهالي القرية، بتأمين شعبتين صفيتين بالقرب من المدرسة، ليرتفع عدد الشعب الصفية إلى خمس شعب".

متحديا التضييق على التعليم.. مدير مدرسة شرقي سوريا ينذر نفسه لإصلاح مقاعد تلاميذه بنفسه
© Sputnik . Atia Al atia
وتفرض زيادة عدد طلاب المدرسة، احتياجات جديدة يتوجب تأمينها، وقال الحسن: "حاولنا التغلب على الصعوبات التي سببتها الحرب، والتي انعكست على القطاع التربوي، عبر توفير نحو 50 مقعداً دراسياً إضافيا لضمان استمرار مسيرة التعليم لــ230 تلميذاً وتلميذة في المدرسة".
وأضاف الحسن: "تواصلنا مع المدارس الأخرى، وحصلنا على المقاعد الخمسين بحالة فنية مزرية، إذ كانت مجرد هياكل معدنية وبضع قطع متناثرة من الخشب، قمنا بإصلاحها، وبما توافر لدينا من عدة ومواد ومستلزمات، حتى أصبحت قابلة للاستخدام".
وتثير رؤية الأستاذ الحسن وهو يدق المسامير في فناء مدرسته، أو يضبط تعامد المنشار مع قطع الخشب حين يهم بإصلاحها، أسئلة جوهرية حول الطريقة التي تقاس بها المسؤولية تجاه الأجيال الجديدة، كما يتساءل المرء كيف يمكن للنزاهة وشغف المهنة، أن يجعلا من المدير نجارا ودهانا وحدادا، لئلا يتسلل تهالك المقاعد والأبواب إلى إهمال في نفوس تلاميذه تجاه دراستهم، ولربما يجد المرء ضالته في الإجابة عن السؤال حول دور التربية المدرسية في سوريا، تجاه أطفال سيصبحون رجالا في غضون سنوات قليلة.

متحديا التضييق على التعليم.. مدير مدرسة شرقي سوريا ينذر نفسه لإصلاح مقاعد تلاميذه بنفسه
© Sputnik . Atia Al atia
وأكد الحسن: "أشعر بسعادة غامرة حين أرى تلاميذي جالسون إلى مقاعدة نظامية في خمس شعب صفية، أشعر أن تعبي لم يذهب هدراً".
وأشار الحسن إلى أن مديرية التربية في الحسكة، بالتعاون مع مديرية الخدمات الفنية الحكوميتين، تعملان حالياً على تشييد بناء نموذجي حديث لمدرسته خربة جاموس، هو بناء مؤلف من ست شعب صفية وغرفتين إداريتين بقيمة تصل إلى نصف مليار ليرة سورية.
وبطبيعة الحال، حظيت مبادرة المعلم والمدير محمد أحمد الحسن، بالكثير من الصدى والترحيب الإيجابي لدى سكان الجزيرة السورية، ومن الجهات الحكومية في محافظة الحسكة، تجاه جهود استثنائية بذلت في هذه المنطقة التي يتحول فيها التعليم إلى مهمة وطنية محفوفة بالتعب والإخلاص.

متحديا التضييق على التعليم.. مدير مدرسة شرقي سوريا ينذر نفسه لإصلاح مقاعد تلاميذه بنفسه
© Sputnik . Atia Al atia
وقالت مديرة التربية الحكومية في الحسكة، إلهام صورخان، لــ"سبوتنيك": "مبادرة المعلم محمد الحسن يجب أن تكون نموذجاً وقدوة لكل الكوادر الإدارية والتدريسية لنشر هذه الثقافة بين الطلاب والتلاميذ والمجتمع المحلي، وتنمية الحرص والمسؤولية لديهم، لضمان تقديم كل ما هو مفيد للعملية التعليمية".
ولفتت صورخان إلى جملة صعوبات تواجه التعليم في محافظة الحسكة تتمثل "باستيلاء الاحتلال الأمريكي ومسلحيه الموالين له، على 95% من المدارس وتحويلها إلى مقرات عسكرية وسجون، إلى جانب صعوبات جمة تواجه نقل المستلزمات الخاصة بالعملية التعليمية إلى مدارس الريف".

متحديا التضييق على التعليم.. مدير مدرسة شرقي سوريا ينذر نفسه لإصلاح مقاعد تلاميذه بنفسه
© Sputnik . Atia Al atia
وأوضحت صورخان: "قوات قسد الموالية للجيش الأمريكي تحاول باستمرار فرض مناهج مغايرة للمناهج الحكومية، وهذا أدى إلى توجه غالبية التلاميذ والطلبة إلى المدارس التي تديرها مديرية التربية في الحسكة في مركز مدينتي الحسكة والقامشلي، وفي جزء من الريف الجنوبي للقامشلي، وجزء من ريف الحسكة الشرقي، الأمر الذي شكل ضغطاً بشرياً كبيراً عليها حيث يصل عدد الطلاب في الصف الواحد إلى أكثر من 100 طالب وطالبة".