معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
11:00 GMT 05.11.2024 (تم التحديث: 11:09 GMT 05.11.2024)
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
تابعنا عبر
حصري
مضت قرابة ثمانية عقود على نكبة فلسطين عام 1948، إلا أن مآسي التهجير لا تزال محفورة في نفوس الفلسطينيين، وخاصة ممن عاش تفاصيلها المؤلمة من تشريد ونهب لبيوت الفلسطينيين وأراضيهم من قبل مجاميع صهيونية مسلحة.
مشهدية الموت القادمة من الأراضي الفلسطينية اليوم، ما فتئت تجدد أجيج الألم مع معاينة الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق شعوب المنطقة، ولا سيما حرب الإبادة الجماعية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني.
الفلسطينيون الذين عاشوا التهجير الداخلي على مدى السنوات وصولا إلى نكبة التهجير الكبرى عام 1948 يرمقون اليوم بحرقة، التطهير العرقي الذي يلاحق مواطنيهم تحت عسف الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ذاته، لكن مع جرعة أكثر بطشاً.
بأريحية زمنية وكأنها حدثت أمس، وبكثير من الحرقة، يستذكر الشيخ الفلسطيني أحمد حسين ساعد، المقيم حاليا في مدينة حلب شمالي سوريا، اللحظات الموجعة التي عاشها لحظة تهجيره وعائلته من قريته في فلسطين عام 1948: "هاجموا قريتنا.. أرغمونا على مغادرة بيتنا.. لقد كنت طفلا آنذاك..".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
طفولة تطاول قرن
ثمة حفر عميقة تقابل كل منها ذكرى مؤلمة ترسخت على وجه الشيخ (ساعد) الذي ولد عام 1927 ميلادي، إلا أن آلامه وآماله ما زالتا عالقتين عند تلك اللحظة من عمره الصغير، حين أخرجته عصابات (الهاغاناه وشتيرن) من منزله في مدينة (صفد).
يسترجع الشيخ ساعد شريط ذكرياته الممزّق محاولا استحضار طفولته القصيرة قبيل احتلال قريته التي لطالما عاش فيها أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية على قلب رجل واحد: كانت أياما جميلة.. كنت أعيش في دفء عائلتي.. درست التعاليم الدينية على أيدي شيخ القرية، حفظت القرآن الكريم عن ظهر قلب.. وتابعت تعليمي في سوريا بعد وصولي إليها".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
يواصل الشيخ المئوي حديثه لـ "سبوتنيك" بإسهاب مضمخ بالمرارة المعهودة التي تعتمل نفوس فلسطيني مأساة التهجير الأولى بعد "سرقوا منا بيوتنا وأراضينا الخيرة، احتلوها بالقوة تمهيدا لجلب المستوطنين من أصقاع العالم كافة، وإقامة دولة إسرائيل".
ويضيف الشيخ ساعد: "في ليلة ماطرة.. باردة، غادرنا بيتنا على عجل على أمل العودة.. أثناء خروجي نظرت إلى بيتي وكأنها النظرة الأخيرة، لا زلت أتذكر طعم النار التي اشتعلت داخلي رغم أنه قيل لنا بأننا سنعود قريباً!..".
آلام التهجير لا تتوقف عند انتزاع البشر من منازلهم وأرضهم، إذ ان الشيخ ساعد، كما الآلاف من الفلسطينيين، ضاع في غياهب التشريد بعدما فقد الاتصال بأهله: رغم صغر سني، بقيت وحيداً لمدة ستة أشهر قبل أن يجدني أحد المطارنة ويخبأني في الكنيسة، ليودعني بعد فترة مع أعداد المهجرين الذين تم ترحيلهم إلى لبنان".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
يضيف الشيخ الفلسطيني: "في بنت جبيل اللبنانية، التقيت بأخي محمد، احتضني بقوة العارف بحالي حينها، إلا أنني لم أجد أهلي إلا عند الوصول إلى سوريا في بلدة (بنش) ريف إدلب الشمالي.
يلتقط الشيخ شهيقا مرتجفا قبل أن يكمل: "خلال الأعوام الـ 75 التي مرت، لا زالت الأراضي الفلسطينية تقضم قطعة وتوزع على المستوطنين، تماما كما يحاولون أن يفعلوا اليوم في غزة".
يمكن للمرء لمح التجاعيد الأعمق التي خطتها موجات التهجير المتتالية التي حاولت اقتلاع جذور الفلسطينيين من أرضهم طوال قرن من الزمان، كما الشيخ أحمد ساعد، ولعل العارف بقراءة الوجوه يوقن بسهولة بالغة مغزى تلاقيها عند طرفي ثغره المتكور عطشا إلى وطنه.. فلسطين "التي لا يوجد أجمل منها في العالم" كما يقول، قبل أن يختم: "بتمنى العودة إلى فلسطين، أريد أن أدفن تحت ترابها ملفوفاً بالعلم الفلسطيني".
ترشيحا.. آخر قلاع فلسطين
في كل عام، يقام في مدينة حلب السورية، مهرجانا خاصا للاحتفال بيوم (ترشيحا) العالمي.
قرية (ترشيحا)، تكتسي أهمية خاصة في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، إذ أنها كانت آخر القلاع الفلسطينية التي سقطت بيد القوات الإسرائيلية.
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
بعد ظهر يوم 28 تشرين الأول عام 1948، ارتكبت طائرات ومدفعية القوات الإسرائيلية مجزرة دموية قادها الضابط الشهير في الجيش البريطاني (إبا إيبان)، لتنتهي مقاومة سكان (ترشيحا)، ومع استحالة بقاء المدنيين، انتقل سكانها إلى (بنت جبيل) اللبنانية، ومن ثم إلى مخيمي (برج البراجنة) في بيروت، و(النيرب) في حلب، فيما تم نقل آخرين إلى دمشق وحماة وحمص.
وبعد ثلاثة أيام، غادرت الكتيبة (اليمنية) المكلفة بالدفاع عن القرية، ليسطر التاريخ احتلال آخر قلاع فلسطين التاريخية على الحدود مع لبنان.
لمهرجان (ترشيحا) هذا العام وقع خاص في ظل ما تعانيه غزة والمدن الفلسطينية الأخرى من عمليات إبادة جماعية مشهودة، الأمر الذي دفع بالقائمين عليه إلى إحيائه تحت عنوان "من ترشيحا إلى غزة" إحياءً للتراث الفلسطيني والتأكيد على حق العودة ودعم المقاومة.
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
يتحدث (روحي فاعور) الذي ولد في (ترشيحا) عام 1935، لـ "سبوتنيك" بلغة عربية فصيحة مجبولة بالحب عن قريته التي اضطر إلى تركها بعد تهجيره وأهله من هذه القرية الجميلة وهو بعمر الـ 16 عاماً: "لا يوجد في العالم مكان كترشيحا، قرية نموذجية بكل ما تعانيه الكلمة، عشت فيها أجمل أيام حياتي، وتلقيت فيها تعليمي في المراحل الابتدائية والإعدادية".
فاعور الذي يقطن حاليا في حلب، يؤكد أن ترك القرية لم يكن خيارا: "قاومنا حتى آخر لحظة، قبل أن اضطر إلى مغادرتها تحت القصف الإسرائيلي لأهالي القرية".
حق العودة والمقاومة
يفضل فاعور التغزل بترشيحا، التي لا تغيب عن باله يوماً بدل استرجاع تفاصيل التهجير المؤلمة: لو خيروني بين أفضل مكان في العالم وبين ترشيحا، فلن اختار سوى الرجوع إليها وعيش ما تبقى من عمري على أرضها المباركة".
يسترسل الرجل المئوي في استعراض ما بقي له من ذكريات عن مسقط رأسه: قبل النكبة، كانت تمتلك ترشيحا كل مقومات العيش الكريم، أغلب سكانها كانوا أغنياء ومالكي أراضي، لا يوجد فقراء، ولا يمكن بأي حال رؤية وحل أو طين، فأغلب شوارعها معبدة ومبلطة، كما أن نسبة التعليم فيها كانت من أعلى المستويات، فالمدارس فيها كانت الأفضل للذكور والإناث".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
في تلك الأيام لم تكن قد وفدت بعد مفخخات (الشرق الأوسط الجديد) إلى المنطقة، الأمر الذي يترجمه الواقع الاجتماعي في بلاد الشام، وهو ما يؤكده فاعور بان قرية ترشيحا، ككل المدن والقرى الفلسطينية: "كانت ترشيحا تعيش تكاتفا ووحدة اجتماعية مطلقة بين المسيحيين والمسلمين، الذين يتشاركون معاً في الأفراح والأتراح.. لربما كان هذا الأمر محل طمع من الاحتلال".
رغم كبر سنه، لا زالت كلمات فاعور المتزنة مفعمة بعنفوان المقاومين، داعيا بكل صلابة وبصوت جهوري إلى "مقاومة الاحتلال وردع ممارساته العدوانية المستنسخة خلال النكبة وحتى حرب الإبادة ضد غزة"، مضيفا: "رغم التضحيات الجسام، أنا متفائل بتحقيق النصر على أيدي المقاومين في فلسطين ولبنان".
ذكريات مؤلمة
يحافظ الحاج يوسف خضير على ارتداء الزي الشعبي لأهل فلسطين لدى حضور مهرجان (ترشيحا) السنوي، في تأكيد منه على حق العودة إلى وطنه.
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
وكما مواطنه فاعور، فإن خضير الذي ولد في قرية (عين غزال) قضاء حيفا عام 1940، يؤكد أن "الاحتلال الإسرائيلي لم يتغير سوى أنه ازداد حباً بالقتل والإجرام" مستدركا قوله لـ "سبوتنيك": "لكن المقاومة لهم بالمرصاد، سنظل نقاوم حتى تحرير كامل فلسطين، فقضيتنا عادلة ولن تموت، وسيظل الأبناء والأحفاد يقاتلون ولن ترهبهم آلة القتل الصهيونية".
عن لحظات مغادرته أرض فلسطين، يقول خضير لـ "سبوتنيك": "عشت في قريتي 8 سنوات، أذكر منها تفاصيل كثيرة وجميلة، أذكر بيتنا الواقع قبالة البحر، فحينما نصعد على سطحه نشاهد منظر قل نظيره..."وبعد وقفة كأنها انقطاع النفس، الأحرف تدفقها من فم خضير محفوفة بالحنين: "حينما تهجم هذه الذكريات أشعر بغصة تشق قلبي، قبل أن ينتابني الأمل بالرجوع إلى منزلي وعيش ما تبقى من أيامي بين جدرانه".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
يتبرأ الرجل الثمانيني من أقاويل تناهت إلى مسامعه خلال سني عمره الطويلة، مؤكدا: "قريتي قاومت الاحتلال حتى آخر لحظة، لم نخرج من أرضنا بسهولة كما يروج، أتذكر كيف كان والدي أستاذ المدرسة يقاوم الاحتلال، ولا تزال بعض كلمات جنود العدو عند دخولهم بيتنا عنوة، عالقة في ذاكرتي، ولكن بعد فقدان الأمل بالبقاء نتيجة القصف العنيف بالطائرات انضممنا إلى جموع المهجرين".
وحول رحلة النزوح، يضيف خضير: "وصلنا إلى دمشق عن طريق الأردن، ومنها إلى حلب، لكننا لم نستقر في مكان واحد بداية الأمر، فقد انتقلنا إلى مدينة (الباب) ثم (منبج) فـ (جرابلس) قبل أن نستقر في مخيم (النيرب) في محيط حلب".
"قالوا يومين.. ونعود"..
تتحدر السيدة خديجة فضة التي ولدت عام 1935 من إحدى العائلات الغنية في مدينة (عكا) الفلسطينية على ساحل المتوسط، ورغم ذلك فهي عاشت ظروف التهجير الصعبة، حيث اضطرت إلى ترك بيتها بعد ما أكدوا أن ذلك لن يستمر سوى فترة قصيرة.
تضيف فضة بأسى: "(اليومان) امتدا لأكثر من 75 عاماً".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
تتحدث فضة عن قريتها في قضاء عكا: "كانت أجمل قرية في المنطقة، وحينما وصل الاحتلال إليها قصدنا صيدا بحراً على أمل العودة في وقت لاحق، وبالفعل، قضينا عدة أيام وعدنا إلى عكا، لنضطر بعدها إلى الهجرة مجدداً، فعدنا إلى صيدا متجهين إلى بيروت، ومن ثم إلى دمشق فحلب".
فلسطين لأهلها
ككل الفلسطينيين في الشتات، تعبر السيدة فضة عن أمنيتها الأخيرة بالعودة إلى بيت أهلها في عكا.
وفي لحظة إدراك مريرة، تمر السيدة فضة بيمينها على تجاعيد وجهها، قبل أن تكمل حديثها لـ "سبوتنيك": "لم يعد العمر يسمح بتحقيق هذه الأمنية، أرجو أن يحققها أولادي وأحفادي، أنا متفائلة بعودة فلسطين إلى أهلها مهما طال الزمان، فهم أصحاب الأرض".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
ذات الأمنية يتحدث عنها السيد التسعيني حسن المصري الذي لم يقوى على الحديث مطولاً بسبب تقدمه بالعمر.
يقول المصري لـ "سبوتنيك": "لن أجد أجمل من وطني الذي أتمنى الرجوع عليها، هذه الأمل هو ما ينسيني مرارة التهجير"، مضيفا: غادرت فلسطين يوم 15 حزيران عام 1948، لن أنسى تفاصيل هذا اليوم ما حييت، أنا أؤمن بان المقاومة في فلسطين ولبنان ستكسر شوكة الاحتلال وتحطم أحلامه التوسعية، ولربما استطيع أن أموت هناك".
دافعنا عن سوريا لنعود إلى فلسطين
لم تعش السيدة نظمية رفيق الماز في ترشيحا سوى أربع سنوات في بداية حياتها، إلا أنها لا زالت أطياف منزل والديها وحديقته راسخة في ذاكرتها.
تضيف السيدة الماز التي ولدت عام 1944: "غادرته وأنا طفلة مع أخي الصغير أيضاً، تركت ورائي أمي وجدي"، وبزفرة تكاد تحاكي جمرة متقدة، تكمل حديثها لـ "سبوتنيك": "كل يوم منذ 70 عاما تتردد صورة أمي ترمقني نظرتها الأخيرة.. بعدها عشنا أصعب الأيام التي لا يتحملها الكبار، فكيف بالصغار، لم نجد ما نأكله لفترات طويلة، وصلنا بعد مشقة إلى مدينة حلب، وحصلنا على غرفة يقطنها البرد القارس في أيام الشتاء القارسة".
© Sputnik . Suhaib Omarayaمعمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
معمرون فلسطينيون في حلب يبوحون لـ"سبوتنيك" عن احتلال إسرائيل لآخر قرية فلسطينية عام 48
© Sputnik . Suhaib Omaraya
تقسم السيدة ألماز عواطفها بالتساوي بين وطنيها فلسطين وسوريا، وهذا ليس سردا عابرا كما في الروايات المنمقة، فقد قدمت ثلاثة من أبنائها الأربعة "شهداء دفاعا عن حلب، أثناء تصديهم للعصابات الإرهابية المسلحة التي حاولت اجتياحها".
تؤكد السيدة التي دخلت عقدها التاسع من العمر، أن أبناءها أهرقوا دماءهم على طريق القدس الذي يمر من هذا المكان، وأنها ترى سوريا بلدها كما فلسطين، متمنية أن يعود إليها أمانها ما قبل الحرب، لتتمكن كما في السابق من مد عناصر المقاومة بالقوة والثبات لتحقيق النصر الموعود على نحو يعيد كل فلسطينيي الشتات إلى ارضهم، وإفشال مخططات الاحتلال بنسيان القضية، وهو ما لن يكون لأن أبناءها سيواصلون حمل الراية حتى استرجاع الحقوق".