لافتا إلى أنه بمتابعة هذا كله، نفهم باختصار أن أنقرة تقف إلى جانب القيادة السياسية الإيرانية في أزمتها هذه، مع ضرورة احترام ما يقوله الشارع وتفهمه. وترفض أنقرة أي تدخل خارجي في الأزمة، لكنها ترفض أيضا استخدام القوة ضد المتظاهرين. بحسب تعبير البروفيسور صالحة.
وأضاف: باختصار أوضح، اختارت غالبية القيادات السياسية، وصناع الرأي في الإعلام، ومراكز الأبحاث والجامعات التركية، الوقوف إلى جانب الحكم في إيران، والتضامن معه، في وجه موجة الاحتجاجات التي تعصف بالبلاد منذ أيام، شرط عدم اللجوء إلى العنف والقمع، ومحاورة المحتجين بأسرع ما يكون.
وتساءل الأكاديمي التركي،
هل يمكن القول إن هذه المواقف التي تدعو إلى تغليب الحكمة، للحيلولة دون تصاعد الأحداث، وتحذّر من التدخلات الخارجية، وتدعو إلى تهدئة الأجواء، ستكون كافية بالنسبة لأنقرة وسياستها الإيرانية؟ تقول أنقرة إنها "تولي أهمية كبيرة للسلم الاجتماعي، والاستقرار في إيران الصديقة والشقيقة"، فهل يعكس ذلك الموقف النهائي للقيادة السياسية التركية إزاء التطورات السياسية والأمنية في المدن الإيرانية؟.
واعتبر صالحة في مقاله أن تركيا لا تريد أن تعامل إيران بالمثل، حيث لم يتردد الإعلام الإيراني، أو المحسوب عليه، و"التزاما بنقل المعلومة والمتابعة الدقيقة" المباشرة لأحداث "غزي بارك" التي اندلعت في إسطنبول قبل أربع سنوات، في نقل معلومات غير صحيحة، عن سقوط قتلى، وانتقال "الربيع العربي" إلى تركيا. وأنقرة ملزمة برد الجميل إلى طهران، بسبب موقفها الداعم للحكومة بعد ساعات على اندلاع المحاولة الانقلابية في منتصف يوليو/ تموز 2016، والمبادرة بإرسال وزير خارجيتها إلى أنقرة، ليأخذ مكانه في الصف الأول للمهنئين والمؤيدين لحكومة "العدالة والتنمية" بعد إطاحتها بالمحاولة. على حد قول صالحة.
وتطرق البروفيسور التركي إلى التنسيق التركي الإيراني في الوقوف إلى جانب قطر في موضوع الأزمة الخليجية الذي قرب بينهما أكثر فأكثر. هذا إلى جانب التفاهمات التركية الإيرانية الجديدة في الملف السوري، تحت سقف أستانة، وفي إطار خطط مناطق تخفيض التوتر.
وقال: قد لا تعترض القيادة السياسية التركية على خضات سياسية في الداخل الإيراني، تضعف موقع إيران ودورها الإقليمي، وتدفعها إلى الشعور أكثر فأكثر بحاجتها إلى أنقرة، وسط هذه الظروف الصعبة، كما حدث مع تركيا في العامين الأخيرين. لكنها تعرف تماما أن عليها أن تأخذ في الاعتبار حسابات خط الرجعة في علاقاتها مع إيران، وعدم التسرع في تحديد موقفها، والانحياز إلى جانب الشارع الإيراني، خصوصا إذا ما فشلت في رهانها وتقديراتها، ما يعرض ما بنته من علاقات استراتيجية مع إيران في الأعوام الأخيرة للانهيار.
وأيضا،
القلق من تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في المناطق الحدودية التركية الإيرانية التي قد تفتح الطريق أمام موجات لجوء باتجاه الداخل التركي.
وكذلك، ارتباط الموقف التركي حيال ما يجري في إيران بمواقف إيران نفسها في التعامل مع ملف الأزمة السورية الذي يغضب المعارضة السورية، ويترك أنقرة أمام مشكلة إرضاء حليفها، وعدم تعريض علاقاتها بإيران إلى التراجع والتدهور في الوقت نفسه.
وهاجس مصير 20 مليار دولار من التعاون التجاري بين تركيا وإيران المعرض للتراجع أكثر فأكثر، في حال تبني أنقرة مواقف تغضب طهران.
إضافة لذلك، احتمال تدهور علاقات إيران بدول عربية عديدة، وتحديدا الخليجية التي ستتوحد مواقفها مرة أخرى، في دعم حراك الداخل الإيراني، ما قد يحاصر أنقرة في ضرورة اتخاذ مواقف تراعي ما تقوله هذه البلدان، إذا ما كانت تبحث عن حماية علاقاتها السياسية والتجارية معها.
وخلص البروفيسور صالحة في مقاله إلى أن أنقرة تدعو اليوم "إلى تغليب المنطق لمنع أي تصعيد"، لكنه غير معروف بعد إذا ما كانت ستقول شيئا آخر مغايرا، على ضوء تأزم المشهد الإيراني، وسير الأمور باتجاه لا تشتهيه تركيا.
وختم بالقول: قناعة تركية في صفوف قلة من المعارضين أن الأحداث ستكبر وتنتشر، وتتسع دائرتها، في الأيام المقبلة، لأن مصدرها هو أزمة اجتماعية اقتصادية سياسية، تنبعث من العمق، وتتحول تدريجيا إلى موجة جارفة، تكبر وتزداد خطورة.