وذكرت الوثائق، التي نشرتها "بي بي سي" حصريا، أن البريطانيين حاولوا جاهدين "تخليص مبارك من وسواس بي بي سي الذي كانوا يعتقدون بأنه سيطر عليه خلال سنوات حكمه الأولى".
وكشف سير مايكل وير، سفير بريطانيا في القاهرة آنذاك، عن مشكلة مبارك مع "بي بي سي" في برقية بعث بها إلى وزارته في 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 1984، مشيرا إلى أن سعيد حمزة، كبير الياوران في رئاسة الجمهورية المصرية في ذلك الوقت، سأل "هل لا يوجد حقا أي شيء يمكن لنا عمله بشأن بي بي سي".
ووفقا للوثائق التي نشرتها "بي بي سي"، فإن حمزة أبلغ السفير بأنه كان يتحدث مع مبارك بشأن رحلة مرتقبة إلى واشنطن عام 1984، واقترح عليه أن يدرج لندن في جدول الرحلة كما فعل في السابق، خاصة أنه زار باريس وبون أكثر من مرة أخيرا.
كما نقل السفير عن حمزة قوله إن "مبارك رد على الاقتراح بأنه لن يفكر في الذهاب إلى لندن نظرا لموقف بي بي سي تجاه مصر".
وكانت الحكومة البريطانية برئاسة مارغريت تاتشر حينها قد وجهت دعوة رسمية إلى مبارك لزيارة لندن عام 1984، غير أنه رفضها.
وذكرت "بي بي سي" أنه عندما "ألح السفير على حمزة، الذي وصفه بأنه كان يعرف الكثير للغاية عن مبارك، كي يبلغه بالأدلة التي يستند إليها الرئيس في رأيه تجاه بي بي سي، لم يسمع منه أدلة مقنعة".
وأضافت الوثائق، التي هي عبارة عن برقية من السفير البريطاني إلى الحكومة، "ما طرحه حمزة هو برنامج تلفزيوني شهير بث في بي بي سي باللغة الإنجليزية عن مصر خلال زيارة مبارك الأخيرة للندن، في شهر فبراير/ شباط 1983، بالإضافة إلى شيء ما عن التغطية الإذاعية للهيئة بشأن محاولة اغتيال رئيس وزراء ليبيا السابق عبد الحميد البكوش".
وأوضحت "بي بي سي" أن ما يتعلق بالبرنامج التلفزيوني، فقد كان المقصود هو حلقة من برنامج "نيوزنايت" الشهير تضمنت تحقيقا عن أخطار الأصولية الإسلامية في مصر.
وحسب برقية من السفارة البريطانية في القاهرة مؤرخة في 5 فبراير/ شباط 1983، فإن مبارك "وخلال تصريحاته في مطار هيثرو وأثناء حديثه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية على متن الطائرة في طريق العودة للقاهرة، أقدم على غير عادته على انتقاد البرنامج، ووصفه بأنه غير دقيق كليا، وأكد على استقرار مصر وتسامحها الديني، والفرص المبشرة التي توفرها البلاد للمستثمرين".
وقال السفير في برقيته إن الباز "أبدى فجأة ودون مقدمات ملاحظة قال فيها إن الرئيس استشاط غضبا من تعامل بي بي سي مع القصة".
ونقل السفير عن الباز قوله "لقد وصفوا الاغتيال بأنه إهانة مذلة لقوات الأمن المصرية، كما أنهم امتنعوا عن تصحيح أنفسهم أو الاعتذار عندما ظهرت الحقيقة".
وكان البكوش قد تعرض لمحاولة اغتيال في القاهرة عام 1982، وأحبطت السلطات الأمنية المصرية المحاولة، وأعلنت اعتقال الضالعين فيها ثم استعرض وزير الداخلية المصري تفاصيل المؤامرة في مؤتمر صحفي بثه التليفزيون الرسمي.
وأضاف السفير "مبارك مقتنع بأن بي بي سي تكن مشاعر عداء حقيقي واضح تجاه مصر"، مشيرا إلى أن الباز "قدم شواهد أو أدلة تزيد قليلا عما قدمه حمزة".
واقترح الباز، كما قال السفير، "ضرورة عقد جلسة مع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات الدكتور ممدوح البلتاجي لمناقشة الملف"، مضيفا "هذا قد يتبعه زيارة رفيعة المستوى ربما من جانب رئيس مجلس مديري بي بي سي للقاهرة.
وأشارت "بي بي سي" إلى أن إيريك باومان، رئيس الخدمة العربية في الهيئة آنذاك، في زيارة لمصر.
وبالفعل حدث اللقاء بين باومان والبلتاجي، إلا أن سير مايكل أكد أن المسؤول المصري "لم يتمكن من تقديم أدلة ملموسة أكثر مما قدمه الآخرون بشأن بي بي سي".
ورغم موقف الرئيس المصري السابق من المؤسسة الإعلامية الشهيرة، فإن حمزة أكد أن "مشاعر مبارك تجاه بي بي سي لا تؤثر بأي شكل على رؤيته للعلاقات الرسمية بين بلدينا"، مضيفا أن مبارك" تحدث دائما بحرارة بالغة عن هذه العلاقات وعن السيدة تاتشر على وجه الخصوص".
ونصح سير مايكل بضرورة أن "ينتهز البريطانيون أول فرصة لمحاولة التخلص من تلك الرؤية تجاه بي بي سي" التي وصفها بأنها "شيطان غريب استحوذ على رأس مبارك".
وقال إن مثل هؤلاء المسؤولين يرون أن رد فعل الرئيس تجاه إساءة البرنامج التلفزيوني لمصر مبالغ فيه.
ويضيف سير مايكل أن المتفق عليه هو أن "مبارك لديه ذاكرة كالفيل، خاصة فيما يتعلق بشكاوى الماضي"، في إشارة إلى أنه عادة لا ينسى بسهولة.
وختم السفير بنصيحة قال فيها "لا يمكننا حقا تحمل السماح باستمرار مثل هذا التصور الجامح في ذهنه للحظة أخرى دون أن نسعى لتخليصه منه".