تختتم الليلة (الأربعاء) احتفالات مولد الإمام الحسين بن علي، بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي بدأت هذا العام منذ 8 يناير الماضي، إذ تستمر الاحتفالات في العادة نحو 7 أيام، يتوافد خلالها الزائرون على حي الجمالية، حيث ضريح الإمام الحسين، (حيث يعتقد غالبية المصريين بأنه مكان دفن رأس حفيد النبي محمد والذي قتل في كربلاء العراقية) وتزين شوارع الحي بالأنوار والورود والزينات، وينشد المنشدون حتى صباح اليوم التالي، ومولد الحسين وإن كان من أشهر الاحتفالات الشعبية في مصر إلا أنه ليس الوحيد.
كم عدد الموالد في مصر؟
تنقسم الموالد في مصر لأكثر من فئة أولها المناسبات الدينية العامة مثل "مولد نبي الإسلام محمد، وأول العام الهجري، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، أما الفئة الثانية فهي موالد الأولياء مثل "مولد الحسين، السيدة زينب، وموالد مؤسسي الطرق الصوفية.
وفقا لكل الدراسات المتخصصة بالفنون الشعبية والتراثية لا يوجد عدد محدد للموالد في مصر، بينما تذهب "الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية" إلى أن عدد الموالد الإسلامية والمسيحية حوالي 2850 مولدا، يحضرها حوالي 40 مليون شخصا، وتنتشر هذه الموالد في كل المحافظات من الدلتا إلى الصعيد والقاهرة والإسكندرية، وما يتشابه فيه الموالد الإسلامية والمسيحية، إذ تنتشر هذه الموالد في مدن ومراكز وقرى مصر من جميع المحافظات بلا استثناء.
ما هي أشهر الموالد في مصر؟
وبحسب البحث الذي قامت بإعداده جمعية، فإن أشهر هذه الموالد "الحسين والسيدة فاطمة والسيدة زينب والسيدة عائشة في القاهرة، والسيد إبراهيم الدسوقي في مدينة دسوق (محافظة كفر الشيخ بدلتا مصر)، والسيد أحمد البدوي في طنطا (محافظة الغربية دلتا مصر)، وعبد الرحيم القنائي (القناوي) في قنا، وأبو الحجاج الأقصري بالأقصر (صعيد مصر).
وتشير الدراسة كذلك إلى احتفالات ببعض الأولياء بمحافظة الإسكندرية وأشهرهم أبو العباس المرسي وسيدي جابر، ويشارك فيهما الآلاف من المصريين والأجانب.
وتذهب الدراسة إلى أن من بين الموالد كذلك موالد الأقباط فيحتفلون بموالد كثيرة للسيدة مريم العذراء والشهيد مارجرجس في القاهرة وكفر الدّوار، وميت دمسيس، والقديسة دميانة بمحافظة الدقهلية، ومار مينا بالصحراء الغربية.
متى ظهرت الاحتفالات بالموالد؟
هناك خلاف بين الباحثين في التراث حول موعد ظهور الاحتفال بالموالد الشعبية، ففي الوقت الذي يذهب البعض إلى أن الموالد الموجودة حاليا ما هي إلا امتداد لاحتفالات فرعونية قديمة، و من أصحاب هذا الرأي المؤرخ سليم حسن صاحب "موسوعة مصر القديمة" ويذهب إلى أن الموالد ما هي إلا امتدادا تاريخيا لما كان يفعله قدامى المصريين في احتفالاتهم بموالد الفراعنة والآلهة، إذ كان يحتفل المصريون بمعجزات وخوارق تنسب للآلهة المصرية القديمة، وهي تشبه إلى حد كبير الكرمات التي يتحدث عنها المحتفلون حاليا.
بينما يذهب آخرون إلى القول بأن الاحتفالات بالموالد الشعبية بدأت منذ العصر الفاطمى، (909 — 1171) حيث حرص الخلفاء الفاطميين على الاحتفال بعدة مواسم وأعياد على مدار العام، كان من أشهرها في هذا الوقت هي احتفالات رأس السنة "الهجرية" و"يوم عاشوراء" و"المولد النبوي"، وعدد من الأولياء الصالحين، واستمرت تلك الاحتفالات لأكثر من قرنين ونصف القرن، وكانت مظاهر الاحتفال بسيطة حيث كان الناس يجتمعون قرب أضرحة الأولياء ويتناولون الطعام ويتم تعليق الزينات، واستمرت تلك الاحتفالات حتى دخول العثمانيين إلى مصر، قاموا بإلغاء الاحتفالات بالمولد.
كيف اهتم الحكام بالموالد؟
استغل غالبية من حكموا مصر هذه الموالد لتأسيس قاعدة شعبية لهم، وكذلك اهتم قائد الحملة الفرنسية على مصر نابليون بونابرت بعد احتلال مصر (1789) بالموالد وخاصة الاحتفال بالمولد النبوي، وأرسل لنقيب الأشراف في مصر نفقات الاحتفال.
وفى عهد الملك فؤاد، توسعت الاحتفالات، وكان يتم إقامة ساحات الاحتفال بالمولد النبوي في العباسية، وكذلك بقية الموالد الأخرى.
وأيضا أبدى روؤساء مصر منذ ثورة 23 يوليو اهتماما بالموالد بشكل عام، وخاصة المولد النبوي، بداية العام الهجري، إذ يحرصون على حضور هذه الاحتفالات وإلقاء الخطب بها. واعتبروا أن التنسيق مع الطرق الصوفية أحد أهم أسلحة محاربة الفكر المتطرف منذ السبعينيات.
ماذا يحدث في الموالد؟
وسواء كان المولد مسيحيا أو إسلاميا فهناك طقوس شبه ثابتة في الاحتفالات وهي زيارة الضريح، والسير في موكب كبيرة تحمل أعلام الطرق الصوفية، أو لبي الكهنة والشماسين في المواكب المسيحية.
وتقام في الموالد الإسلامية حلقات الذكر، التي يتجمع فيها المريدون ويشكلون دائرة أو عدة دوائر خلف بعضها ويتوسطها شيخ الطريقة أو قائد حلقة الذكر، ويهزون أجسادهم، في حركة نصف دائرية، ويرددون كلمة "الله" بشكل جماعي، أو يرددون الذكر نفسه ولكنهم يقفون في صفين متقابلين أو صفوف متراصة خلف بعضها البعض.
وعادة ما تستخدم الموسيقى فى الذكر وتلقى أغاني شعبية عبارة عن مقطوعات شعرية تحفظ عن طريق الرواية الشفاهية وتغنى بمصاحبة الموسيقى.
وفي الموالد تقام حلقات الحكايات الشعبية ومنها الأسطورة والحكاية الدينية (حكاية الولي)، والأسطورة التاريخية (أبو زيد الهلالي) وحكايات العفاريت، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات في مصر.
وتشهد تلك الموالد العديد من الألعاب الشعبية كون المولد مناسبة للترفيه، وتنتشر في الموالد الألعاب النارية وألعاب الحظ وألعاب الأطفال كالمراجيح.
وهناك عادات ارتبطت بالموالد بشكل عام، ففي الوقت الذي تشهد الموالد الإسلامية طقس الطهور للصبية، يوازيه في الموالد المسيحية طقس "التعميد"، وفي الموالد المسيحية والإسلامية تقام طقوس طرد الأرواح الشريرة.
لمن تنسب الموالد؟
وكما يذهب نيكولاس بيرخمان في كتابه الأشهر "الموالد والتصوف في مصر" (ترجمة وتقديم: رؤوف مسعد، الناشر: المركز القومي للترجمة)، فإن الموالد في مصر لا تقتصر على ديانة واحدة، وإنما "تذوب في الموالد كل الأديان.. فالمسيحي يحرص على زيارة أولياء الله المسلمين والمسلم يزور القديسين"، ويرصد بيرخمان، وكان سفيرا لهولندا فى القاهرة، في كتابه أشهر الموالد والأضرحة في مصر، إذ سجل موالد للأولياء المسلمين، وأشهرها موالد "السيدة زينب والحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي وعبد الرحيم القناوي" وكذلك رصد موالد مسيحية، ويقام أكثر من موالد لنفس القديس كمولد القديس "مارجرجس"، و"العذراء".
وللديانة اليهودية أيضا مولد بمصر، إلا أن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية أصدرت حكما قضائيا في ديسمبر/كانون الأول 2014، بمنع الاحتفال بمولد أبو حصيرة، الذي كان يقام سنويا بقرية دمتيوه، وشطب الضريح من سجلات الآثار.