ومع أيام العصر العباسي كانت حلب عاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت جغرافيا من حلب مرورا بالجزيرة السورية فالموصل كانت حلب ولم تزل واحدة من أقدم المدن المأهولة حول العالم وذلك منذ بداية الألفية السادسة قبل الميلاد.
من هذا المنطلق لم تتوقف الاكتشافات الاثرية في تلك المدينة حتى في سنوات الحرب العجاف وما بعدها من شهور وأسابيع. فاليوم وقبل أيام قليلة فقط أتت المفاجأة بينما كانت ورشات مؤسسة الكهرباء تقوم بعمليات حفر خدمية ضمن إحدى شوارع منطقة "باب النصر" في المدينة القديمة، حيث عثر على فتحة في الرصيف ضمن الشارع القريب من باب النصر الأثري كانت تبعد عنه حوالي 30 متر. وفيما تبين لاحقا أنها تؤدي إلى سقف رواق أثري مقبب يمتد باتجاه ما تحت إرضية باب النصر.
وبعد تلك المصادفة وعلى الفور وصلت الجهات الأثرية المختصة وقامت بالكشف الدقيق عنها كما قامت بتوثيقها بالصور العديدة تمهيدا لتنظيف الفتحة والكشف عن ماهيتها لاحقا توضيحا لكل ما سبق. وفي تصريح صحفي خاص أوضح الباحث التاريخي المحامي "علاء السيد" مؤسس مجموعة "أصدقاء باب النصر" ما يلي: "أثناء حفريات شركة الكهرباء ظهرت في الأرض فتحة صغيرة تبين أنها تنفذ إلى سقف رواق أثري مقبب يمتد باتجاه ما تحت ارضية باب النصر التاريخي، وبعد أن كشفت مديرية الآثار عنها قامت بإنزال كاميرا صغيرة إلى داخلها ليظهر هنا مبنى أثري جميل بعمق حوالي 1 متر تحت سطح الارض وبارتفاع داخلي يقارب 4 أمتار، بسقف حجري مقبب.
طريقة البناء وشكل الأحجار يدلان بتقدير مبدئي على أن هذا المبنى مغلق من حوالي 800 سنة ليعود تاريخه إلى العصر العباسي المتأخر، إلا أنه لا يمكن الجزم بشكل نهائي قبل نزول الفريق إليه ومعاينته بشكل فعلي من قبل مختصين في مديرية الآثار في المحافظة. فيما تُتخذ حاليا الاجراءات الاثرية اللازمة لهذا الكشف الاثري الهام ".
وأضاف السيد أن هذا الاكتشاف لم يكن الأول ضمن هذه الفترة موضحاً أنه و قبل بضعة أشهر تم الكشف أيضا عن درج أثري مغلق منذ مئات السنين داخل بناء باب النصر، ذاك الدرج الذي كان يؤدي بدوره إلى سطح البرج الدفاعي الخاص بالباب إضافة إلى ذلك تم حينها أيضا الكشف عن فتحة ذات شكل خماسي تقع في أرضية بناء باب النصر.
ولعل الغرابة في تلك الفتحة تكمن أنها تقع خلف الباب مباشرة إضافة الى كونها ذات شكل خماسي مضلع على خلاف شكل الفتحات المعتادة كالمربعة والدائرية التي كانت تؤدي إلى سراديب سرية أو آبار للمياه آنذاك!
من جهة أخرى لوحظ أيضاً أن الأحجار الداخلية المكونة لجدران لتلك الفتحة هي عبارة عن حجارة موغلة في القدم ومن المحتمل أن تكون سابقة للعهد الأيوبي الذي يعود إلى 800 عام مضى.
عزيزي القارىء تجدر الإشارة إلى أن باب النصر التاريخي أعاد بناءه الملك " الظاهر غازي" في الفترة الأيوبية عام 1212 م وهو واحد من الأبواب التسعة لتلك المدينة وهم:(باب الفرج، باب الجنان، باب انطاكية، باب الحديد، باب النيرب، باب الأحمر، باب قنسرين، باب المقام)
الجدير بالذكر أن السلطات الرسمية والجهات السياحية في المحافظة تسعى جاهدة إلى إعادة الألق إلى تلك المدينة كونها الأقدم عبر التاريخ. فها نحن اليوم نشهد أعمال ترميم في كل زقاق من أزقتها القديمة إضافة إلى إعادة إقلاع عدد من منشآتها السياحية الشهيرة، فأهل حلب لم يعرفوا يوماً إلا النشاط والعمل الدوؤب الجاد إيمانا منهم ويقينا بغد مشرق لهم وللوطن ومستقبل يحمل لهم مزيداً من الوئام والسلام والإعمار.