لافتا إلى أنه أخيرا وليس آخرا الرؤية التي حملها كل من الرئيسين يلتسين وغورباتشوف، والتي تدعو إلى الانفتاح على الغرب، والانتقال التدريجي من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر، والكلام عن التعاون الأمريكي في هذا المجال، بحسب قول الكاتب اللبناني.
وأضاف قاسم: بعد ذلك، تفلتت أمريكا من القيود الدولية — بعد أن كان الاتحاد السوفياتي رأس حربة لها، وله نفوذه في العديد من الدول، وفي منطقة الشرق الأوسط، وله وجهة نظر مختلفه عن أمريكا في الكثير من القضايا الهامة والحساسة، ومنها القضية الفلسطينية — وكانت صاحبة القول الفصل في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وإن جاءت مخالفة لقرارات مجلس الأمن، وأنشأت التحالفات الدولية خارج هذا الإطار الدولي، كما فعلت بعد قرارها بالحرب ضد العراق في العام 2003.
ومضى الكاتب قائلا: لم تدم أحادية السيطرة الأمريكية على العالم طويلا، حيث أدركت روسيا المخاطر التي تتعرض لها بسسب هذه الأحادية، وقد عبر عن ذلك الرئيس فلاديمير بوتين في مؤتمر ميونخ للأمن الدولي في العام 2007 قائلا: "لا أحد يشعر بالأمان، لأن لا أحد يستطيع الاستناد على القانون الدولي، وهذه السياسة هي بطبيعة الحال المحفز لسباق التسلح"، وعملت جاهدة لكسرها، واستفادت من بعض المتغيرات الإقليمية والدولية بعد انتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه؛ شرطي أمريكا في منطقة الشرق الأوسط والمدافع عن مصالحها. على حد قول الكاتب هاني قاسم.
وأضاف الكاتب: كان للرئيس بوتين الدور الرئيس في عودة روسيا إلى قوتها ونديتها في مواجهة التسلط الأمريكي وكسر أحاديته، مستفيدا من نقاط الضعف التي أدت إلى تفككها، فعمل على صياغة سياسات اقتصادية ترتكز على عدم الانفلاش جغرافيا، وعلى التعاون مع الدول التي استقلت عنها من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، ما أدى إلى إيجاد دورة اقتصادية أنعشت الاقتصاد الروسي، وقامت بالتوسع ومنافسة أمريكا في أسواقها ومناطق نفوذها، فدخلت بمشاريع استثمارية في مصر بمليارات الدولارات، ومنها مشروع بناء المفاعل النووي للطاقة الكهربائية، عدا عن استثمارها في المجال النفطي، حتى أصبحت من أهم الدول النفطية، وهي تبيع أوروبا 80 بالمئة تقريبا من احتياجاتها النفطية؛ من غاز وما شابه، وتوقيع الاتفاقيات العسكرية مع مصر وتركيا على صواريخ "إس 400" وغيرها من صفقات السلاح، ومع السعودية والعراق.
وأضاف في مقالته قائلا:
كذلك دخلت إلى الصراع السياسي في منطقة الشرق الأوسط من بابه الواسع وذلك عبر المشاركة العسكرية المباشرة في الحرب السورية إلى جانب الدولة السورية وحلفائها، وساهمت في القضاء على الإرهاب التكفيري في سوريا خلال أشهر معدودة، ما خلا بعض المناطق، وكشفت القناع عن أمريكا، وأثبتت بالوثائق والصور أنها كانت داعمة للإرهاب، وهي من صنعت "داعش" (المحظور في روسيا)؛ حسب كلام كلينتون.
ونوه الكاتب قاسم في مقاله إلى "قيام الولايات المتحدة بنشر الصواريخ في العديد من القارات في المناطق القريبة من روسيا كرسالة تهديد لها، لكن موسكو لم تكترث لهذا التهديد، بل اتخذت قرارها بالمواجهة، وعملت بشكل رئيس على تطوير أسلحتها الاستراتيجية البرية والبحرية والجوية، ما دفع بصحيفة "واشنطن بوست" إلى القول بعودة واشنطن وموسكو إلى سباق التسلّح بعد مرور 30 عاما على توقيع أمريكا والاتحاد السوفيتي اتفاقية تدمير الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمسك موسكو بالمعاهدات الدولية الخاصة بالأسلحة الاستراتيجية، وحذر من أن انسحاب الولايات المتحدة منها قد يضر بالأمن والاستقرار الدوليين".
وخلص الكاتب هاني قاسم في مقاله إلى أن "الظروف السياسية اليوم تختلف عن الظروف السابقة التي استفادت أمريكا منها وجعلتها تتحكم بمقاليد الأمور في العالم، وهناك قوى إقليمية ودولية صاعدة تتقدمها الصين وروسيا وإيران استطاعت أن تواجه المشروع الأمريكي (الشرق الأوسط الجديد) في المنطقة، وأن تنجح في إفشاله، ما يدفعنا إلى التساؤل: هل بدأت أمريكا بعدها التنازلي، وإن كان على المدى الطويل؟ فلننتظر ونر".