التطور الحضاري الفكري الجغرافي في العلوم الجيوسياسية

يبنى النظامه العام وفق مبدأ الحد الأقصى من المنفعة المادية، التي يمكن استخلاصها من قدرات المجتمع والطبيعة، من استغلال الموارد الإنسانية والطبيعية.
Sputnik

و"الشمال الغني" مرتبط ارتباطا عنصريا بتلك الشعوب ذات اللون الأبيض للبشرة، وهذه الخاصية مكنونة في أساس التشكيلات المختلفة الغربية (والأنجلوساكسونية بصفة خاصة) بصورة مكشوفة أو مستترة.

وانجازات "الشمال الغني" في الميدان المادي أدخلت في المبدأ السياسي وبالذات في تلك البلدان التي كانت تقف في طليعة التطور الصناعي، التقني والاقتصادي ، وفي فترة لاحقة ألمانيا والولايات المتحدة.

وعلى فكرة فإن الاستبدال لصفات الجغرافيا المقدسة بصفات التطور المادي – التقني كان يمثل بالذات الجانب الأكثر سلبية من جوانب الوطنية – الاشتراكية والذي أودى بها في النهاية إلى الإفلاس السياسي والنظري بل وحتى العسكري) ولكن حتى بعد انهيار الرايخ الثالث لم ينته هذا الطراز من تفكير ( الشمال الغني) إلى الزوال من الحياة السياسية.  بيد أن حامليه صاروا، بالدرجة الأولى، الولايات المتحدة وشركاؤها في أوروبا الغربية.

(الغني) شيء يختلف جذريا عن (النوردية الروحية) عن (الروح الهيبيربورية). فجوهر الشمال في الجغرافيا المقدسة – هو سمو الروح على المادة والانتصار النهائي والشامل للنور والعدالة والصفاء على ظلمة الحياة الحيوانية، على استبداد الأهواء الفردية ودنس الأنانية المنحطة. وعلى العكس من ذلك يعني (الشمال الغني) الرفاه المادي المحض والمتعة، والمجتمع الاستهلاكي، والجنة المصطنعة  المشاكل بالنسبة لأولئك الذين نعتهم نيتشه (بآخر البشر). لقد ترافق التقدم المادي للحضارة التقنية بتخلف روحي مريع للثقافة المقدسة الحق، ولهذا، فمن وجهة نظر التقليد لا يمكن أن  يعد "ثراء" الشمال "المتطور" المعاصر معيار التفوق الأصيل على (الفقر) المادي والتخلف التقني "للجنوب البدائي" .

وفضلا عن هذا كثيرا ما يكون فقر الجنوب على المستوى المادي مرتبطا بالحفاظ في أقاليمه الجنوبية على الصيغ المقدسة حقا للحضارة، وهذا يعني أن ثراءه روحيا يستتر وراء هذا الفقر. وعلى الأقل فإن حضارتين مقدستين لا تزالان تواصلان وجودهما في أراضي الجنوب حتى هذا اليوم، على الرغم من كل محاولات "الشمال الغني" فرض معاييره وطرق تطويره على الجميع. وهذان هما – الهند الهندوسية والعالم الإسلامي. أما بالنسبة لتقاليد الشرق الأقصى فثمة وجهات نظر متباينة، لأن بعضهم يرون حتى تحت ستار الخطابية (الماركسية) و(الماويَة) بعض المبادئ التقليدية التي كانت دوما محددة للحضارة الصينية المقدسة. ومهما يكن من أمر فحتى تلك المناطق الجنوبية المأهولة بشعوب تحتفظ بولائها للتقاليد المقدسة القديمة نصف المنسية فهي على أية حال إذا ما قورنت (بالشمال الغني)..

 

مناقشة