الهاشمي، التي رشحت روايتها " جرف هار" إلى جائزة البوكر، هي أول إماراتية ترشح للجائزة. وإلى نص حوارها مع "سبوتنيك":
سبوتنيك: تفوقت تهاني الهاشمي على نفسها في رواية "جرف هار" وكانت تركيباتها اللغوية معمقة إلى حد كبير فكيف كانت ظروف كتابة الرواية؟
"جرف هار" هي العمل الذي وجدت نفسي به أنتقل من مستوى إلى آخر. طقوسي الكتابية في هذا العمل كانت صعبة للغاية، كنت أجتهد في دراسة شخصية الرجل، فيما يلفت انتباهه ويثير حفيظته بالدرجة الأولى وأقارن بينه وبين ردود فعل المرأة، لأنها كتبت بصوت الشخصية نفسها، فكان التحدي بأن أتقمص شخصية الرجل. اُفكر كما يفكر، وأتكلم كما يتكلم، وأعبر عنه بالقدر الذي يجده الرجل كافيا ووافيا.
كما حاولت كتابة ذات المشاهد من وجهات نظر المرأة والرجل، عبر فصول الرواية بحسب حاجة السرد. فالدخول والخروج من شخصية لأخرى كان منهكا واستغرقني الكثير من الجهد والوقت ولكنها تجربة استحقت مني كل هذا العناء.
سبوتنيك: كان لرواية "حب في الزحام" لغتها الخاصة من أين استوحيت تفاصيلها ومخزونها اللغوي؟
قدمتني "حب في الزحام" للقراء والنقاد بطريقة عفوية وتلقائية وجدتها مميزة جدا. ففي بداية كتابتها، كنت أحاول أن أوقظ الروائية التي بداخلي من ثباتها الطويل.
بدأتها بأصابع مرتبكة، بكتابة فصول أسبوعية على مدونتي الإلكترونية، ثم وجدت نفسي أقع في حب الكتابة لأكملها بإصرار وثقة بما أقدمه كأول عمل روائي، وقد ساعدني في ذلك مخزون قراءاتي المتواضعة لأصنع لونا وطابعا يعكسني بطريقة أو بأخرى، وبعد نشرها عرفت أنني نجحت في جذب الأنظار لعملي الأول الذي لاقى رواجا واستحسانا لدى الكثيرين.
سبوتنيك: كيف تكون عالم رواية "ولا كلمة" بداخلك قبل الكتابة؟
"ولا كلمة" استنفذت مني كل الكلمات، هي رواية واقعية استمدت شخصياتها من أرض الواقع، وعملت بعدها على ترتيب أوراق كل شخص منهم على حده ليكون ضمن الأرضية الأنسب له، لأستطيع منح كل بطل حقه بالكامل، واعتقدت بأن هذه كانت هي مهمتي الصعبة في هذا العمل.
سبوتنيك: في رواية "يا سلام" حاولت اللعب على العامل النفسي للإنسان والبحث عن الذات فكيف كان تفاعل الجمهور أو مردود العمل؟
رواية "يا سلام" عكست الطبقة المخملية التي تصنفها الطبقات الاخرى بأنهم فئة مدللة، تعيش النعيم دون انقطاع، فيما تنقل لهم أحداث الرواية عذاباتهم النفسية والصور المرفهة التي ينقلونها لهم. وماذا تحمله في طياتها من تفاصيل يعيشها الأبطال بين الجشع والحب والمازوخية والتحرر والبحث عن السلام، وبكل أسف دائما يركز القارئ على قضية واحدة ويغفل عن البقية.
سبوتنيك: هل اختلفت ظروف كتابتها عن الروايات الأخرى؟
لكل عمل ظروفه وضغوطه النفسية التي دوما ما أقع ضحيتها، لكني استمتعت بكتابة رواية "يا سلام" بدرجة أكبر عن بقيتها.
سبوتنيك: البيئة دائما ما تؤثر في المبدع ويؤثر فيها.. فكيف أضافت لك البيئة المحيطة بك؟
أن تكتب يعني أنك تمر بثورات كثيرة تكاد لا تتوقف بداخلك، وكنت دوما في داخلي متمردة وناقمة في بعض الأحيان، أسعى للتغيير والتجديد، وقد عشت في بيئات مختلفة بحكم دراستي في الخارج، نظرتي للأمور اختلفت، أصبحت أبحث عن الجانب المضيء في الآخر المظلم، أعمل بجد، وانتظر ثمار جهدي، وأن إطلاق الأحكام هو وسيلة الفاشل.
نشأت في منزل مليء بالحب والألفة، والدتي امرأة محبة للكتب ووالدي رجل حكيم قد كانت له زاوية اقتصادية في أحد الصحف العربية.
سبوتنيك: كيف جمعت بين مجالين مختلفين هما إدارة الأعمال والكتابة؟
لا أجد فرقا كبيرا.. فالكتابة من وجهة نظري بحاجة إلى إدارة. تسلسل الأفكار يمر بمرحلة الفرز والتدقيق، وبعدها تحليل المدخلات وتنظيمها كما ينبغي لتتزاوج فيما بينها وتترابط الجمل مع الشخصيات، وتنساق الأحداث بحسب المجريات لتكون في النهاية عملا يستحق أن يفرض نفسه في الساحة الأدبية، تماما كأي عمل فني آخر، فالإدارة أيضا فن يصب مياهه في شتى التخصصات.
سبوتنيك: إدارة الأعمال مجال يحتاج دائما إلى التنظيم والدقة ومعظم الأدباء لا يحبون الأشياء المرتبة بدقة في الحياة أو المنزل فهل تأثرت الروائية بالشخصية الأخرى أم العكس؟
أعتقد بأني مزيج من الفوضى والتنظيم، فأنا أهوى الفوضى المنظمة، والنظام الدقيق يشعرني بالقيود ولا أستطيع أن أخفيك كم أكرهها لكني في ذات الوقت أسعى لتنظيم فوضاي بطريقتي الخاصة.
سبوتنيك: ما بين الكتابة والعمل والأسرة والحب أين تجدين نفسك؟
عملي وأسرتي وقلبي هي كلها جوانب تجعلني الشخص الذي أنا عليه الآن، أما الكتابة فهي المتنفس الذي أجد به نفسي كما أحبها، هي لا تنتظر مني بل تنتظرني بأذرع مفتوحة في كل مرة، هي عالم الحرية الذي أهوى العيش به.
سبوتنيك: ما هي أصعب اللحظات التي قابلتها في مشوارك الأدبي؟
أعتقد أنني بدأت في شق طريقي الأدبي من الصفر أو حتى ما دونه، عانيت كثيرا مع النشر، فالكاتب في الوطن العربي لا يتم تقديره كما ينبغي من المجتمع، أو الإعلام أو حتى دور النشر، الكتابة لا يمكن الاعتماد عليها كمهنة حقيقية.
لا أستطيع القول إلا إن جميع لحظاتي في هذا المشوار صعبة وقاسية ومليئة بالعثرات والتحديات، لكن فرحتي بنجاح عملي دائما ما تهون علي كل ما أعانيه في مسيرتي.
سبوتنيك: في زمن تراجع القراءة بشكل كبير على أي شيء تعولين؟
مؤمنة بأن الكتابة ماهي إلا تأريخ للحقبة الزمنية التي ينتمي إليها العمل، الثورة المعلوماتية قد تكون أحد أسباب هذا التراجع لكن ما يحدث اليوم من تطور للكتاب هو أمر جدير بالاهتمام، فنجد توفر الكتب الإلكترونية وقد بدأ يشق طريقه في وطننا العربي والكتاب المسموع أيضا، القراءة بحد ذاتها لم تعد ما اعتدناه ولكنها تطورت من طبعة ورقية إلى إلكترونية، وإلى مسموعة. وهذا التجديد في هوية الكتاب قد يفتح لنا اُفق جديدة وقد يجذب لنا نوعية مختلفة من الجمهور والقراء.
سبوتنيك: هل تأخذين آراء البعض في الرواية قبل طباعتها؟
بكل تأكيد، في مرحلة الكتابة أكاد أعتاد قراءة ذات السطور بشكل يومي متكرر لأيام وأشهر حتى أبدو وكأني أحفظها، فتصبح لدي الأخطاء مألوفة مما يصعب علي مهمة اصطيادها، وأكون دوما بحاجة لسماع الآراء الأخرى التي تجعل العمل يظهر للقراء بصورة أكثر جمالا وإتقانا.
سبوتنيك: كيف تتعاملين مع من النقاد سواء من يذمون أو من يمدحون؟
النقد كيفما كان هو أمر يصعب على المرء تقبله خصوصا في البدايات. التجربة والممارسة تصقل لدينا مشاعر الارتباط بما نقدمه، وأعتقد أن هذا ما يحدث معي في الوقت الحالي، أعلم تماما بعد مرحلة النشر بأن عملي خرج من دائرتي الخاصة، وصار مادة متداولة يباح لهم نقدها بالطريقة التي تتناسب مع وجهات نظرهم. و على كل حال أجد أن الناقد المتمرس هو من يستطيع أن يجسد نقده البناء في إبراز مميزات العمل وجوانبه الإبداعية، وبين شرح الأخطاء أو العيوب التي يحبذ على الكاتب تفاديها والعمل على تطويرها.
سبوتنيك: في الخليج يخجل الناس من البوح خشية الطقوس والعادات والتقاليد وحديث الغير فهل تحاولين كسر ذلك المفهوم؟
لا أحاول ذلك أبدا، لكني وصفت بالجرأة وتعدي الخطوط الحمراء، بالرغم من أني لا أحبذ الكتابة الفاضحة بتاتا، لكن لا مانع من تناول القضايا الشائكة. لكني أعتب على غياب الدور الإعلامي في إبراز هذا المفهوم، أو إن صح التعبير على عدم شرح هذه النوعية من الفروقات وتعزيزهم لمفهوم "تعرية المجتمع" أو الخروج عن المعتاد بأنه أمر مشين أو غير مقبول بالرغم من أن المواد التي تطرح عبرهم قد تكون منافية للدين والعادات والتقاليد ولكنهم يستطيعون كبح جماح المتلقي بطريقة أو بأخرى.
سبوتنيك: في رواية "حب في الزحام" هل كانت شخصية نادية واقعية أم من وحي الخيال ولماذا ذهب البعض على وجود تشابه بينك وبينها؟
"حب في الزحام" هي رواية حالمة، وربما كان هذا سر نجاحها وسهولة انتشارها، فكلما زادت الفكرة في التعقيد قل إقبال القراء عليها بحسب تجربتي. ربما وجد الناس هذا التشابه لأنها أول أعمالي وقد تكون اللغة التي كُتبت بها، في كل الأحوال أُفسر هذا الأمر على أنه نجاح العمل وسهولة وصوله للجمهور.
سبوتنيك: الخوف من التوقف عن الكتابة تدفع البعض للاستمرار هل لديك هذه الهاجس؟
أعلم بأني سأكتب ما دمت قادرة على العطاء وهذا يكفيني للاستمرار.
سبوتنيك: هل لديك رؤية للكتابة للسينما؟
ليس في الوقت الراهن لكني لا أمانع أن تتحول أي من نصوصي إلى التلفزيون، أو المسرح أو السينما مادامت تعكس الصورة المناسبة للعمل، وكانت هناك فكرة مع أحد أهم المخرجين في الوطن العربي للعمل على أحد رواياتي لتحويلها لنص تلفزيوني لكنه لم يتم.
سبوتنيك: هل ستكتب تهاني رواية تكون هي بطلتها بكل تفاصيلها؟
أعتقد أن هذا سيكون أكبر التحديات بالنسبة لي، فأنا دوما ما أكتب من منطقة محايدة للشخصية لأتمكن من تقمصها أوقات الكتابة، فكيف سأتمكن من فتح نوافذي كلها على الورق وافتعال شعوري بما أكتبه وكأنه للحظة الأولى. لا أعلم إن كنت سأنجح.
سبوتنيك: هل تسعين للبوكر في الأعمال المقبلة؟
السؤال هو: هل سيسعى البوكر لأعمالي المقبلة؟ طبعا أتمنى.
سبوتنيك: هل ترين أن حصد الجوائز يعد تعبيرا عن قوة الكاتب؟
ليس بالضرورة، الجوائز ماهي إلا تتويج لرحلة طويلة يقضيها الكاتب في عزلته الإبداعية، إن تم تسليط الضوء على هذا المجهود فمما لاشك فيه بأنه يسعد به، هذا من وجهة نظري ككاتبة أما كقارئة فإني أجد أن الكثير من الأعمال المميزة لا تجد طريقها للقراء لأنها لا تصل إلى القوائم الأكثر مبيعا ولا تطال الجوائز.
بالعكس أجد أنه هذا الوقت المناسب للعربي أن يجدد طاقته ونشاطه، ليجد روحه التائهة في زحام المجريات المحيطة، ليبني ما تهدم الحروب والصراعات في نفسه، يبحر بعيدا عن كل تلك الضوضاء في عوالم مختلفة ومضيئة.
على المواطن العربي أن يفتح قلبه قبل عينه، أن يقرأ ما بين السطور، أن يقتنع بأن القراءة هي أداة لتطوير الذات والارتقاء بالفكر، فهذا ما حمل البشرية كافة عبر التاريخ للنجاح والوصول، القراءة هي سلاحنا وعلاجنا لأنه دائما ما يتم توجيهنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وحان الوقت لنقوم بتوجيه ذواتنا لما نوده نحن لا غيرنا.
سبوتنيك: ما الذي تخفيه تهاني دائما في تجمعات الكتاب والأدباء؟
تخفي تهاني ذاتها.
سبوتنيك: كيف ترين الوسط الثقافي وهل واجهتي أزمة بالتعامل في البداية؟
ما زلت أواجه ذات الأزمة، فهذا وسط صعب المراس، يبحث عن نقاط رئيسية ولا يكترث بالتفاصيل، مع أنه الوسط الذي يشترط أن يمسح على كافة المعطيات لينتج أفضل ما يمكنه، إلا أننا دائما نتمسك بمفاهيمنا ونحاول سحبها معنا جيل بعد جيل، حتى لا تسقط اسماءنا، هيّ لعبة الكراسي والأقنعة التي لا أجيدها.
سبوتنيك: مؤخرا ظهرت للساحة كاتبات من منطقة الخليج بشكل كبير فكيف ترين أهمية هذه الصحوة؟