كانت أروقة الحكومة الإسرائيلية في بداية العام 2000 تخطط لانسحاب إسرائيلي لكن ليس بهذه السرعة، فالضربات المتتالية والموجعة أدت الى الهروب السريع والغير المنتظم وبدون تنسيق إسرائيل وقيادتها مع عملائها اللبنانيين. وقال أحد الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي "حدثا مدهشا قد حصل: بدلا من انسحاب منظم شهدنا هربا. حتى من كان مؤيدا للانسحاب لا يستطيع نسيان عار الهرب من لبنان".
أما عن اللبنانيين العملاء في صفوف الجيش الإسرائيلي بدأو بالصراخ والتساؤل عن مصيرهم في حال الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. غياب الأجوبة وعدم التجاوب تسبب بزعزعة الثقة بإسرائيل التي شعرت بهذا من خلال الوضع العسكري في الجنوب اللبناني أن تنسيق مع العملاء بدأ يتغير ولوحظ كف الكثير من العملاء عن مهامهم اللوجستية والعسكرية، بالإضافة الى تسجيل حالات من الفرار للعملاء وتسليم أنفسهم للجيش اللبناني و"حزب الله" اللبناني سجلت في فترة ما قبل التحرير بأيام.
أما عن أنطوان لحد قائد الجيش اللبناني الجنوبي الموالي لإسرائيل فقد اجتمع قبل أيام من الانسحاب الإسرائيلي موفاز في قاعدة عسكرية في الجليل الأعلى وأخبره أن الجيش يعارض انسحابا أحاديا لكنه لا يستطيع ضمان قرار باراك بهذا الخصوص وبعد اللقاء طار إلى فرنسا وعاد في يوم الانسحاب. ويعتقد أبو رافع أن الجنرال لحد كان على علم بخطة باراك السرية، لكنه سافر لفرنسا كي لا يطلب منه تقديم أجوبة لأسئلة ضباطه وجنوده. من جهته قال لحد،حسب شهادة بن تسفي، إن إسرائيل هي التي خططت وأرسلته لأوروبا كي تقوم بالانسحاب باليوم المحدد في 23 مايو/أيار. لكن الجيش الإسرائيلي بدأ في العاشر من مايو/أيار بنقل معداته وتسليم بعض قواعده لجيش لبنان الجنوبي.
ومن مذكرات ضابط سابق في الجيش اللبناني الجنوبي الموالي لإسرائيل "الجيش الإسرائيلي يتركنا أنظر بعيون جنودي وأفكرت بما سأقول لهم. خلال جلساتنا قال أحد ضباطي سأبقى في لبنان حتى داخل السجن، فيما قال آخر إنه سيهرب للولايات المتحدة. قررت الاستسلام للجيش اللبناني فاتصلت ببيروت لكنهم لم يردوا علينا. طالما كان أنطوان لحد في فرنسا فقد كنت الضابط الأعلى رتبة فالتقيت بالعسكري الذي صار مستقبلا قائدا للجيش بيني غانتس في مرج عيون قبيل الانسحاب بيوم فقال لي: أنتم مهمون بالنسبة لنا وستبقون معنا للنهاية وستحصلون على رواتبكم. كان بجانبي عنصر من مخابرات جيش لبنان الجنوبي فاقترب مني وقال هامسا: « قالوا لنا أن نترك الليلة» وعندئذ قلت لغانتس: لا تكمل حديثك فالقصة منتهية ".
وفي اليوم التالي شهدت قرية القنيطرة حدثا أدرك خلاله "حزب الله" اللبناني أن قواعد اللعبة قد تغيرت وكانت أولى خطوات التحرير قرية الطيبة وسيطر على قاعدة لجيش لبنان الجنوبي الذي بدأ ينهار ويخلي جنوده الثكنات العسكرية بدون تعليمات مما فاجأ شاؤول موفاز الذي كان يشارك في تلك الساعات في تدريب عسكري شهده الجليل.
وينقل ميليشطاين عن الجنرال بالاحتياط غيورا آيلاند قوله إنه عندما تزايدت المسيرات الشعبية في جنوب لبنان تمت جلسة في مستوطنة زرعي في الجليل الأعلى بمشاركة رئيس الحكومة ووزير الأمن وقائد الجيش وقائد لواء الشمال وجنرالات آخرين للتداول بالسؤال ما العمل بعدما بدأ جيش لبنان الجنوبي ينهار. ويقول آيلاند إن الخيارات المطروحة كانت صعبة، وإن ما ساعد باراك على اتخاذ قراره بالانسحاب الفوري لا يرتبط فقط بحالة تفكك جيش لبناني الجنوبي بل هو التزامن مع حدث سياسي، ففي ذاك اليوم شهدت الأمم المتحدة مداولات هدفها تخويل سكرتيرها العام الاتفاق مع إسرائيل على الانسحاب من لبنان وترسيم الحدود معه. ويتابع آيلاند معنى ذلك أن بمقدور إسرائيل القيام بما تريده بالاعتماد على قرار الأمم المتحدة «.
ويخلص ميليشطاين للاستنتاج أن الجيش الإسرائيلي تلقى معلومات بعدم إطلاق النار على المسيرات الشعبية كي لا يقع قتلى لبنانيون ويعرض جنوده الإسرائيليين للأذى. ويقول أبو رافع إن الانسحاب كان غريبا ومعقدا حيث أطلق رجال حزب الله النار نحو بوابة فاطمة دون رد إسرائيلي، مما أدى لنسج صورة بأن إسرائيل دولة ضعيفة يمكن إلحاق الهزيمة بها.
ويخلص للاستنتاج أن إسرائيل خانت عهودها مع جيش لبنان الجنوبي ومع حلفائها ونحو رجالات جيش لبنان الجنوبي لم نسدد الثمن لأننا كنا الثمن ذاته.