مجتمع

الروائي عادل سعد: عشت مع أطفال الشوارع ثلاث سنوات و"رمضان المسيحي" تجربة حقيقة

عاش في الشارع لثلاث سنوات مع المشردين واللصوص وفتيات الليل في سن الطفولة، وعاد مرة أخرى واستكمل تعليمه حتى أصبح ضمن أبرز الأسماء الصحفية في مصر.
Sputnik

عادل سعد، مدير تحرير مركز التراث بمؤسسة "دار الهلال" للصحافة والنشر وهي واحدة من أعرق المؤسسات الصحفية بمصر، ترجمت أعماله للروسية، بعدما عاد للكتابة الأدبية التي انقطع عنها لسنوات عدة بسبب العمل الصحفي، خاصة أنه أكد أن العلاقة بين الصحافة والإبداع علاقة سيئة، وكان لـ "سبوتنيك" هذا الحوار:

الشاعرة السورية صبا قاسم: نقرأ الشعر على وقع القذائف والبارود أصبح موسيقانا اليومية
بداية حدثنا عن ترجمة بعض أعمالك للروسية؟

الأمر حدث بالمصادفة، عندما أطلع صديقي الدكتور حسن الشافعي رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم على الأعمال من خلال إصدارات مركز التراث بدار الهلال وأعجبته كثيرا، فطلب مني أن يقوم بترجمتها إلى الروسية، ووافقت بالطبع على ترجمة مجموعة "البابا مات"، بعد ذلك جاء لي شاب اسمه نيكولاي، وكان دارسا للغة العربية وعلى إطلاع كبير بالتاريخ، واكتشفت أن سبب حضوره هو معايشة بعض الطقوس والعادات التي وردت بالمجموعة منها مثلا السبوع والطهور، وبعد ذلك حدثني الدكتور حسين الشافعي، وسألني ما إن كان لي أعمال أخرى لترجمتها إلى الروسية، وبالفعل كانت رواية رمضان المسيحي صدرت وقام بترجمتها.

كيف ترى أهمية ترجمة أعمالك للروسية؟

الأمر أسعدني بشكل كبير، خاصة أن علاقتي بالأدب الروسي هي علاقة محورية، وفي بداية اطلاعي على الأعمال المترجمة مكثت عامين أقرأ أعمال دوستويفسكي، كما تأثرت أيضا بتشيخوف وتورغينيف، كما أن انبهاري بالأدب الروسي جاء للتشابه الكبير بين الحياة المصرية والحياة الروسية، مثل الإقطاعيين والفلاحين، وكانت المعاناة متشابهة، كما تأثرت بالشاعر الكبير بوشكين.

لماذا اخترت اسم "رمضان المسيحي" كعنوان للرواية؟

"رمضان المسيحي" هي رواية تتحدث عن الشباب المصري الذي عاش ضغط الحاجة، فاضطر للسفر وتغيير ديانته، بعدما أصبحت بلاده تمثل المنفى، وكان الغرب في أوروبا يستغل الأمر، ويظهر هؤلاء الشباب على التلفزيون بأن الشباب اعتنقوا المسيحية، ومعظم ما جاء بالرواية حدث فعليا وبها جزء كبير من الخيال، وأنا من الذين يكتبون دون الجلوس على المكتب.

هل تعني أنك سافرت إلى اليونان وعايشت بعض الأحداث التي جاءت بالرواية؟

بالفعل سافرت إلى اليونان، وعدت إليها أيضا مرتين، الأولى كنت رئيسا لاتحاد الشطرنج، والثانية كنت مدير تحرير مجلة "المصور"، وفي المرة الأولى كانت اليونان غير المرة الثانية، حيث رأيتها وتوحشت بعد انضمامها للاتحاد الأوربي.

هل ترى أن الثيمة الشعبية غابت في معظم الأعمال الجديدة؟

لا أعتقد أن أي كاتب لديه القدرة على الكتابة، دون أن يكون محتكا بالثقافة الشعبية، وهي ثقافة الناس في الشوارع والحواري، إلا أن الأدب دخلت عليه بعض النظريات الحديثة، منها اللاوعي والواقعية السحرية والبنيوية، إلا أن الكاتب لا يجب أن يشغل باله بهذه المسميات، ويمكنه أن يتعامل مع كل هذا بطريقته الخاصة.

الروائي المصري عادل سعد

كيف ترى تأثر الأدب ما بعد 2011 بالظروف السياسية؟

بالتأكيد الأدب تأثر بشكل كبير، وفي مجموعتي القصصية" البابا مات" لدي قصة اسمها "يوميات طرح النهر"، تتحدث عن فيضان النهر الذي يمكن أن يخرج القمامة أو الأسماك والمخلفات، وهي تتحدث عن مواطن استيقظ في الصباح ووجد نفسه في الميدان دون ملابس، وهو لا يعرف أين هو ولا من هو، كما أنه حين يذهب يسأل عن اسمه أو يستخرج بطاقة شخصية يكتشف أنه ميت، وأتمنى أن يفقه الناس أن ثورة يناير هي من أعظم الثورات التي  شهدتها مصر، خاصة هناك الكثير ممن شاركوا بها أصحاب قلوب نقية، وهي حتى الآن أساس الدستور المصري.

هل لازالت الكتابة تحقق أهدافها؟

يجب أن يعي الكاتب معضلة رئيسية، هي إما أن تكون كاتب من كتاب الحظيرة ونحظى بالجوائز من اللجان الزائفة، أو أن تكتب من أجل الكتابة، خاصة أن الكتابة الحقيقة من أجل الثقافة في المنطقة العربية نفتقدها، ومعظم الكتاب الذين يتم تلميعهم هم مدجنين، يعملون في المؤسسات الثقافية، ويلمعون بعضهم بعضا، ومعظم الروايات التي تكتب الآن هي روايات تاريخية، وكأن التاريخ الحالي غير مليء بالحكايات، خاصة أن الواقع الحالي هو أشرس مما يمكن تخيله، فلو تحدث أي منا عن الواقع الحالي بأن عصابة احتلت الدول وأقامت دولة مزعومة وسبت النساء بهذا الشكل ما صدقنا أحد ممن لم يشاهدوا هذا الواقع، لكن للأسف الكتاب يتجهون لكتابة لا تلامس الواقع الحالي، وأنا شخصيا لا يهمني رأي النقاد، أو المسؤولين في وزارة الثقافة، أنا أكتب لأعالج نفسي، ولا يهمني أن يقرأ لي أحد.

غلاف رواية "البابا مات" لعادل سعد

كيف ترى دور الكاتب في المجتمع؟

نحن في حاجة ماسة إلى دور فاعل للكتاب والأدباء، خاصة أن ما نعيشه الآن يجب أن يترجم إلى ثقافة، ولا أظن أن يستطيع أي شخص أن ينتج أعمال سينمائية عما يحدث في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو السودان، وكأنه مطلوب الصمت عن هذا الأمر، ليتحدثوا عنه بعد مئات السنوات، خاصة أن الدول العربية حاليا ترعى بعض الكتاب الذين يكتبون ما يرضي السلطات.

هل ترى أن ما يكتب عن الفترة الحالية سيكون صادقا؟

لا يمكنني الجزم بذلك، لكن أعلم أن المنطقة العربية محملة بغضب كبير جدا، وأن هذا الغضب سينفجر بشكل أو آخر، لكن لا أعرف إلى أين سيذهب المسار، وأتمنى أن أرى هذا وأنا حيا، لكن الرهان على القراءة والأدب في الوقت الراهن قد لا يكون موفقا، خاصة أن النسبة الأكبر من المجتمعات العربية أمية لا تقرأ.

كيف ترى العلاقة بين الصحافة والأدب؟

العلاقة بين الصحافة سيئة جدا، وأذكر أنني كنت أكتب الشعر وأنا في بداياتي  بأسيوط، وكانوا يتوقعون لي أن أكون شاعرا كبيرا، إلا أن سفري للقاهرة وعملي بالصحافة أشغلني كثيرا بتعبئة الثلاجة بالخيرات، وشراء بعض الأشياء الأخرى، إلا أنني فقدت كل ذلك في البورصة، واكتشف بعد أن وصلت سن الـ 60 أنني عدت لكتابة ما كنت أحبه، واستطعت أن أخرج 23 كتابا من دار التراث في عامين فقط، وحققنا 6 مليون جنيه مكاسب، وهو أمر على غير الواقع الصحفي الحالي، وأنتجت رواية ومجموعة قصصية، وأعمل بشكل سريع جدا، وبالنسبة للتأثير الصحفي على الإبداع، فإن الأخير يعتمد على التشبيه والصور غير المباشرة والتراكيب، وهو عكس العمل الصحفي تماما، ومع ذلك الصحافة هي واحدة من أنبل المهن في التاريخ، وهي تتشابه مع مهام الأنبياء على الأرض، فمن خلالها تستطيع الوصول إلى الحقيقة، وهناك الكثير من الأدباء كانوا صحفيين ويطوفون العالم قبل الكتابة، وذلك على عكس الذين يجلسون على المكتب ويألفون الروايات، ولذلك فإن رواية "رمضان المسيحي" بها تجربة حقيقة معاشة.

كيف كانت محطات الصعود والهبوط في حياتك؟

المحطات الرئيسية التي هزتني في حياتي، أن تقابلت ذات مرة مع فتاة في الكشافة في مرحلة الإعدادية، واكتشفت أنها رئيسة الكشافة على مستوى العالم، وكان لها علاقات على مستوى العالم، وخلقت تحول كبير في حياتي غير عادي، وتأثرت بها كثيرا، وعرفت أن القراءة والتواصل شيء مهم جدا وبدأت القراءة في مكتبة والدي.

الفترة الثانية في مرحلة الثانوية التي تأثرت فيها، حينما ماتت أمي، وفقدت من أحبها بعد أن تزوجت، وحينها خرجت إلى الشارع وأصبحت أحد أطفال الشوارع لمدة ثلاث سنوات، ولم يعرف والدي كيف يجدني، وصادقت الرعاع واللصوص وتجار المخدرات، وهي أخصب سنوات حياتي، فقد صادقت اللصوص وبنات الليل والمتشردين، ولازلت حتى الآن على تواصل مع بعضهم حين أنزل إلى أسيوط وهم لا يعلمون أنني أعمل بالصحافة، وقصدت ذلك حتى لا أفقد طزاجتهم وتعاملهم المباشر معي، وخرجت من مأساة الشارع، فوجدت الأصدقاء التحقوا بالجامعات، ووصلت لحالة من الانهيار، وفكرت في الانتحار.

وكيف عدت من الشارع واستكملت دراستك؟

خطر ببالي ذات مرة أن أذهب للتطوع بالجيش واستكمال تعليمي وأنا بالخدمة العسكرية، لكنه لم يكن هناك موعد تجنيد للجدد، لذا وأنا في المعسكر أبلغ أحد الضباط في المعسكر عني للمنزل.

بعد أن طلب أحد الضباط إخراجي من المعسكر، جاء والدي ولكني اشترطت عليه ألا أذهب إلى المنزل، وذاكرت في فترة قليلة جدا، وقبل موعد الامتحان بشهر أصبت بوسواس قهري، خاصة أن الفترة كانت قليلة جدا لمذاكرة كل المنهج، وكانت المادة العقدة بالنسبة لي هي مادة الألماني، وتلقيت درسا خصوصيا بها عن طريق أحد المدرسين، الذي طلبت منه أن يراجع معي المادة، ولكنه رفض في البداية بحجة أن الطلبة يحجزون لديه قبل الامتحانات بشهور، وسألني عن رفضي لأساتذة الألماني، فأخبرته أنني لا أحب المدرسين، ولكني نجحت في المادة بعد أن قال لي أنه سيطلعني على الأسئلة، شرط ألا أغش من أحد.

رسالتك الأخيرة في هذا الحوار؟

لي عتاب على المؤسسات الثقافية الروسية، خاصة أن أجيالنا قرأت الكثير من الأعمال الأدبية الروسية، لكن الوقت الراهن يعاني من تقصير في عملية الترجمة من الروسية للعربية والعكس، وهناك قطيعة كبيرة في الوقت الراهن أحدثت فجوة كبيرة حتى يومنا هذا. 

مناقشة