"ليس الانفتاح أو حرية المرأة"... إليك السبب الحقيقي لرفع حظر القيادة عن السعوديات

رفعت الحكومة السعودية الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، بعد سنوات من حملات النشطاء في السعودية، ويعتبر ذلك أبرز المبادرات التي اتخذها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد، محمد بن سلمان، لتعزيز دور المرأة في المجتمع السعودي.
Sputnik

تشمل المبادرات أيضا فتح مزيد من الوظائف أمام النساء في القطاع العام، وتخفيف القوانين الصارمة المتعلقة بلباس المرأة، وغيرها من الخطوات غير المسبوقة في حق المرأة السعودية، بحسب ما جاء في تقرير لموقع The Conversation الأسترالي.

لكن شهدت الأسابيع التي سبقت رفع الحظر اعتقال عدد من الناشطات النساء اللواتي طالبن بحق المرأة في القيادة، مما ألقي ببعض الشكوك حول عزم الحكومة تخفيف الرقابة الاجتماعية على النساء.
ومن المعروف أن السعودية هي واحدة من أكثر الدول محافظة في العالم. إذن لماذا تتخذ مثل هذه التحركات العامة لتخفيف السيطرة المجتمعية على النساء الآن؟

دور جديد للمرأة السعودية

يثبت مارتن هفيدت، الأستاذ المشارك في مركز الدراسات المعاصرة في الشرق الأوسط، بجامعة جنوب الدنمارك، في ورقة بحثية حديثة، أنه لتعزيز الاقتصاد السعودي، فمن الضروري جعل السعوديين —نساءً ورجالاً- أكثر إنتاجية في العمل.

إذ تجد السعودية نفسها حاليا في وضع اقتصادي خطير، فخلال السنوات الستين الماضية، سمح الدخل النفطي الكبير للدولة ببناء نظام رفاهية واسع للسعوديين من المهد إلى اللحد، يوفر للسعوديين مساكن مجانية وغيرها من الميزات الأخرى التي يتمتع بها المواطنين فضلا عن وظائف جيدة الأجر في القطاع العام، في مقابل القليل من المتطلبات، وإجازات طويلة وتقاعد مبكر.

أثبت هذا النموذج نجاحا بشكل كبير طالما كان عدد السكان صغيرا وكان الدخل النفطي وفيرا. لكن لم يعد الحال كما كان عليه، إذ ينمو السكان بسرعة ويواصلون ذلك في المستقبل المنظور. فاليوم، 60٪ من المواطنين السعوديين البالغ عددهم 22 مليونًا هم دون سن الثلاثين. وانخفض سعر النفط في عام 2014 — على الرغم من أنه قد تعافى الآن قليلاً — الأمر الذي كان له تأثيرا سلبيا كبيرا على دخل الدولة.

مع أخذ ذلك في الاعتبار، أعلن ولي العهد، محمد بن سلمان،  في عام 2017 عن رؤية السعودية 2030، وهو أكثر إصلاح جذري يمر به الاقتصاد السعودي حتى الآن.

ويتمثل الهدف الطموح على المدى الطويل في تحويل الاقتصاد من أحد أكبر المعتمدين على  النفط إلى اقتصاد ما بعد النفط، وإلى جلب شرائح أكبر من السكان إلى بوتقة القوى العاملة. فمن بين 12 مليون وظيفة مدفوعة الأجر في السعودية، لا يعدو نصيب السعوديين عن خمسة ملايين وظيفة، في حين السبعة ملايين الأخرى من نصيب العمالة الوافدة، بحسب الموقع.

دمج النساء في القوى العاملة    

للمرأة دور مهم في رؤية 2030. وبشكل عام، السعوديات أفضل تعليماً بشكل طفيف من الرجال، بحسب منظمة "اليونسكو"، ولذلك تعتقد الحكومة أنه بإمكانهن القيام بدور نشط في تطوير البلاد. وقد تكون المرأة أقل ترددا من الرجال لتولي بعض الوظائف —مثل العمل في قطاعات التمريض أو الوظائف الأخرى ذات الصلة بالخدمات- التي يحتفظ بها اليوم الوافدون.

ولا تمثل نسبة المرأة السعودية العاملة سوى واحد من بين كل خمسة سعوديين يعملون، وهي نسبة منخفضة للغاية مقارنة بأماكن أخرى في العالم.

يرتبط غياب المرأة —إلى حد كبير- عن القوى العاملة بالتقاليد الثقافية التي تشير إلى أن المرأة يجب أن تعتني بالمنزل بينما يتولى الرجال العمل. لكن هناك أيضا مجموعة من العوائق العملية التي تجعل من الصعب على المرأة الدخول إلى القوى العاملة، إذا كانت ترغب في ذلك، على رأسها التنقل في المواصلات.

فمن الصعب على النساء —من الناحية الجسدية- الوجود خارج المنزل لفترات طويلة بسبب موقع السعودية  ذو المناخ الحار للغاية، كما أن تصميم المدن القائم على النمط الأمريكي له تأثير كبير، إذ توجد مسافات كبيرة بين أماكن العمل والمنازل والخدمات والتسوق. لذا ، حتى لو لم تكن هناك حواجز ثقافية، فإن إمكانيات المرأة على المشي أو ركوب الدراجات للذهاب إلى العمل محدودة للغاية.

كما أن وسائل النقل العام غير متطورة إلى حد كبير، ولا تعد سيارات الأجرة خيارا متاحا —ثقافيًا- إلا إذا سافرت امرأتان معا. وبموجب حظر القيادة النسائية، فإن ذلك يعني أنه يجب أن تكون مغادرة المرأة للمنزل برفقة قريب ذكر، أو برفقة سائق خاص إذا كان بإمكان العائلة تحمل تكاليف.

الرجال الغائبون    

بالنسبة للعائلات الثرية، لا يعد استئجار سائق وشراء سيارة إضافية مشكلة، ولكن بالنسبة لغالبية العاملين في وظائف القطاع العام، فإن استخدام سائق خاص ببساطة يعد مكلفا للغاية. كما حث ولي العهد مؤسسات القطاع العام على إنشاء وتوسيع خدمات النقل لاستيعاب النساء العاملات.

وتؤثر قضية النقل أيضًا على مدى فعالية الرجال في العمل، إذ يلتزم الأزواج الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف سائقين مغادرة العمل لنقل زوجاتهم إذا كانوا بحاجة إلى الذهاب لطبيب أو أو حتى حضور مواعيد أخرى والتي تعتبر مهمة.

يقول هفيدت إن معظم أرباب العمل الذين التقيتهم كجزء من بحثي في السعودية، على الأقل في القطاع العام، يقبلون هذه القاعدة الثقافية، مما يعني أن قيادة المرء بزوجته هو سبب مشروع للغياب عن العمل.

لذلك يعتبر رفع الحظر المفروض على النساء خطوة أساسية من أجل جعل الاقتصاد السعودي أكثر كفاءة على المدى الطويل. ويمكن أن يجلب مزيد من النساء المتعلمات إلى سوق العمل، مع زيادة كفاءة القوى العاملة من الذكور. ولكن في المقام الأول، يؤدي إلى تغيير في المعايير الثقافية ما يسمح في المستقبل للرجال والنساء بشغل نفس المناصب والعمل جنبا إلى جنب.

مناقشة