يقول مجدي شاكر، كبير الآثاريين في وزارة الآثار المصرية، إلى "سبوتنيك" إن مولد سيدى أبو الحجاج الأقصري، يقام، في الرابع عشر من شعبان (التقويم الهجري)، ويحمل طابعا خاصا وعادات وموروثات ترجع إلى العصور الفرعونية، وتشبه طقوس احتفال المصريين القدماء بالإله آمـون.
يخرج الناس إلى ساحة مسجد أبي الحجاج الأقصري، ويتحركون منها ليطوفوا شوارع الأقصر، يذكرون الله، وينشدون الأناشيد الدينية، ويرتلون القرآن، ويمارسون التحطيب والرقـص بالعصا، والرقص بالخيل، وركوب الجمال، التي تحمل توابيت من القماش المزركش.
يضيف شاكر أنه من ملامح احتفالات مولد أبي الحجاج الأقصري، المركب الذي يجره الآلاف، ويطوفون به شوارع المدينة، حيث يتبعه عربات تحمل أصحاب المهن المختلفة، كـل يمارس عمله، فوق هذه العربة من النجارين والطحانين والجزارين وبائعي الفاكهة وغيرهم، في مشاهد تمثيلية هزلية، وهي ذاتها الطقوس التي كانت تمارس في عيد "الأبوبت"، حيث يسلكون المسار نفسه، والمسافة نفسها من معبد الأقصر إلى معبد الكرنك.
عيـد أوبـت
وكان المعبود "آمون" يقوم خلال هذا الاحتفال بزيارة من معبده في "الكرنك" إلى معبد "الأقصر" في موكب مهيب. واتخذت الرحلة الطريق البرى المتجه للجنوب خلال عهد الملكة "حتشبسوت"؛ في حين أن رحلة العودة إلى "الكرنك" كانت تتم عبر النهر.
وقد زود الطريق البرى لمعبد "الأقصر" بست مقاصير لاستراحة موكب المعبود. ومنذ عهد الملك "توت عنخ آمون" كانت رحلتي، الذهاب والعودة، تتم عبر النهر. وقد خصص لكل عضو من أعضاء الثالوث مركب نهري، ومقصورة خاصة.
ويتضمن الاحتفال مسيرة موكب طويل، خاص بالثالوث العائلي المقدس بطيبة (آمون، موت، خونسو)، وصورت نقوش جدران فناء الملك "أمنحتب الثالث" في معبد "الأقصر" كيفيةَ الاحتفال بالعيد؛ وتوجد مناظر رحلة الذهاب من "الكرنك" إلى "الأقصر" على الجدار الغربي، وصور طريق أو رحلة العودة على الجدار الشرقي.
طقوس الاحتفال
يبدأ الاحتفال وفقا لتلك النقوش، بتقدمة القرابين إلى الثالوث الطيبي في مقاصير معبد "الكرنك"، والتي تبدأ بها الاحتفالات، حيث يقدم الملك القرابين "من لحوم، وزهور، وفاكهة، وطيور، ولبن، وعطور"، كما يقوم بالتبخير ورش الماء أمام قارب "آمون"، الذى يطلق عليه "وسر حات"، وأمام قاربي زوجته "موت" وإبنهما "خونسو".
وتشير مقصورة المركب في مضمونها إلى رحلة رب الشمس في مركبه، في رحلته عبر السماء في النهار، وفى العالم السفلى خلال الليل.
ويخرج الموكب من المعبد "الصرح العاشر للمعبد"، والكهـــنة يحملون قوارب ثالوث "طيبة" (آمون، وموت، وخونسو" فوق أكتافهم، وكان قارب "آمون" يحمله ثلاثون كاهنا، بداية من قدس الأقداس إلى داخل المعبد، ثم يخرجون من الصرح الثالث، في موكب منفرد، حيث يدعم كل مركب أربعة وعشرين من الكهنة، ويتبعهم عدد آخر من البلاط الملكي.
وقد تبع الملك نفسه المركب الرئيسي الخاص بآمون سيرا على الأقدام، وعند الوصول إلى ضفة النهر، فإن المراكب المقدسة توضع فوق ظهر مراكب كبيرة تجرها مراكب ذات مجاديف مع فرق من الرجال على ضفة النهر، وحتى وصولهم إلى الجهة المقابلة لمعبد "الأقصر"، حيث تتجه المراكب شمالا مع التيار باتجاه معبد "الأقصر".
وعند الوصول إلى المعبد يقوم الملك بنفسه بطقوس القرابين، بينما ينتظر الحاشية أمام قدس الأقداس، وتبقى المواكب خلال عشرة أيام، في هدوء داخل معبد الأقصر، تقدم لها القرابين كل يوم، وتتم العودة إلى "الكرنك" بنفس الأسلوب.
وعلى جانبي النيل يقف الجند والحاشية لاستقبال المواكب، وعند الرجوع للكرنك تقدم القرابين، ويستمر الاحتفال بهذا العيد فترة تستغرق ما بين أحد عشر يوما، وأربعة وعشرين يوما.
ويعتبر العيد أحد أهم المناسبات، التي شارك فيها عامة الشعب، والذين قدموا حبهم وسرورهم للمعبود ولتماثيل الملك الضخمة، حيث كانوا يقدمون شكواهم، إما مسموعة، أو مكتوبه لتمثال الإله، وقد قصد هذا العيد الربط بين الملك وأبيه المعبود "آمون رع"، حيث يسافر الملك إلى معبد "الأقصر" من أجل زيارة أبيه "آمون" لإعطائه القوة الملكية.
أبو الحجاج الأقصري
ثم عاد أبوالحجاج إلى الأقصر، والتقى الشيخ عبد الرحيم القنائي "صاحب المسجد الشهير بمدينة قنا"، وأقام واستقر بالأقصر، حتى وفاته، في ديسمبر/كانون الأول 1244، في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، عن عمر تخطى التسعين عاما، ودفن في ضريح داخل مسجد سمي باسمه، بنى فوق أطلال معبد الأقصر، على أطلال فناء معبد رمسيس الثاني في معبد الأقصر.