وعلى غرار هذه الحالة، أحجم الآلاف من السودانيين عن شراءهم الأضحية لهذا العام الحالي، مما تسبب في زيادة كبيرة في العرض، وقلة في الطلب، وذلك حسب رواية بعض تجار الماشية السودانيين.
وفي هذا السياق، تحدث التاجر، أمير سوار الدهب، اليوم الاثنين، لوكالة "سبوتنيك"، والذي يعمل في بيع خراف الأضحية، وقال إنه "يعمل في بيع الخراف بصورة موسمية"، ويضيف، أن" هذا العام، يوجد عرض كبير من الماشية، لكن الإقبال قليل على الشراء"، معللا الأسباب "بالظرف الاقتصادي الصعب الذي يقف حائلا أمام بعض المواطنين".
لكن عاد وأكد التاجر، أنه "يوجد من الناس من يشتري الخراف الغالية وهناك من يشتري الخراف الرخيصة"، مشيرا إلى أنه "يبيع الخراف، بالأسعار بين 4 إلى 7 آلاف جنيه، أي ما يعادل بين 100 و 200 دولار".
وأوضح سوار الدهب، أن خراف الأضحية متعدد الأنواع في السودان، وقال: "يوجد الخراف تسمى (الحمرية)، وهذا النوع تُجلب من ولاية شمال كردفان، وهي من أفضلها لأنها طويلة وعالية، ويكثر عندها اللحم، ثم يجود خراف تسمى البلدية، وتوجد في أجزاء عديدة من السودان، ولحومها تعتبر من أطيب اللحوم، ثم يجود نوع آخر، يسمى الكباشي، ثم يوجد خراف أخرى، تسمى القرج، وهذا النوع غير محبوب، لأنه مهما أطعمته لا يسمن".
وفي حديث قصير مع بعض المواطنين، عن أحوالهم وآرائهم حوال أسعار خراف الأضحية لهذا العام بالبلاد، تحدث المواطن معتصم، متزوج من امرأتين، وقال باختصار شديد: "لم أستطع شراء الأضحية"، وأضاف، متسائلا، "لو تعلم عن جهة تعطي الأضحية مجانا، فأخبرني أين أجدهم؟".
وأوضح عبد الكريم في دهشة، أن "الأسعار لدى التجار، ما بين 5 إلى 10 ألف جنيه سوداني، وهذه أسعار جنونية ولا تصدق".
وتحدثت المواطنه، أمنية فاروق، وهي أرملة وأم لثمانية أبناء، لوكالة "سبوتنيك"، إن "جميع أبنائي في المراحل التعليمية المختلفة إلا اثنين من الكبار تركا الدراسة كي يساعداني على الحياة المعيشية".
وأوضحت أمنية أن "أسعار الأضحية غالية بصورة غير طبيعية، ورغم انتشار الآلاف من البهائم المنتشرة في الشوارع العامة والمعروضة للبيع، لكن أرى الكثير من الذي أعرفهم ومن أقاربي، أحجموا عن شراء الأضحية لهذا العام".
وأكدت أمنية، أنه "لولا عمل لديها الكبار، لم يتسن لهم شراء الأضحية"، فقد تشاركا مناصفة لشراء الأضحية.
ومن نظرة اقتصادية، تحدث أستاذ الاقتصاد، بالجامعة "الوطنية" بالخرطوم، الدكتور عبد العظيم المهل، اليوم الاثنين، لوكالة "سبوتنيك"، حول ارتفاع أسعار الخراف بصورة جنونية، وقال إنه "في الأساس ارتفاع أسعارها، ليست حقيقية، لأن قيمة الجنيه السوداني، انخفضت بصورة كبيرة جدا منذ بدء العام 2018 ليصل إلى 53 بالمائة".
وأشار المهل إلى أن الكارثة الاقتصادية التي حلت بالسودان، "جاءت عقب إجازة موازنة 2018، والإجراءات التي صاحبت هذه الموازنة المتعلقة برفع الدولار الجمركية من 6 إلى 18 جنية، والتي اعتبروها خاطئة، وكذلك الإجراءات التي اتخذت مع النقد الأجنبي".
"إذا حسبنا أن سعر أقل خروف للأضحية للعام الحالي، بـ4500 جنيه، وهذا يعادل مائة دولار، وإذا قارنا هذا السعر مع سعر العام الماضي، ومن الناحية الحقيقية، للقوة الشرائية، نجد أن الدولار، سعره تآكل، وحصل ارتفاع في معدلات التضخم إلى 64 بالمائة، حسب ما أعلنته الحكومة، ولكن حقيقة التضخم وصل إلى أكثر من 300 في المئة، لأن الأسعار تضاعفت لأكثر من ثلاثة مرات خلال العام الحالي"، يقول المهل.
ورأى أنه "كان من المفترض، أن تقل أسعار الخراف للعام الحالي، من ناحية تقديرية اقتصادية، لأنه يوجد عرض كبير، بالإضافة إلى، أن أغلب موظفي الدولة عبر اتحاد العام، تم توريد الخراف لهم بالأقساط والاستقطاع من رواتبهم لاحقا، كما يوجد البيع الأجل والبيع الإلكتروني، لكن رغم جل هذه الأسباب، نرى حصل الأمر عكسيا بارتفاع أسعار الخراف".
وأشار إلى أن الدولة في حالة انهيار اقتصادي، لعدة أسباب، وقال إن "الدولة فشلت جميع السياسات الاقتصادية التي أجرتها منذ بداية الموازنة 2018، بالإضافة إلى، انهيار النظام المصرفي في السودان، وذلك عقب الإجراءات التي اتخذها البنك السودان المركزي اتجاه تحديد سقفا لسحب الأموال من بنوك، مما تسبب في فقدان الثقة بين المواطنين والبنوك وبين والبنوك السودانية والمؤسسات المالية الدولية".
وتعجب المهل، وقال إن "المواطن السوداني، يقف في صفوف طويلة ولساعات عديدة، أمام البنوك ليأخذ أمواله، ولا يستطيع إلا أخذ جزء قليل منها، لأن البنك المركزي لم يف بالتزاماته، ولم يكن صادقا أمام الجمهور وأنه قام بتغذية المصارف التجارية بحصصها النقدية".
وأبان المهل، أن المخرج الوحيد للوضع الاقتصادي المرير الذي يعيشه المواطنون السودانيون، يقع في عدة إجراءات، "إلغاء جميع الإجراءات والقوانين المصاحبة في موازنه 2018، وأن يتم مراجعتها من جديد، ثم يجب قلب النظام الهرمي الاقتصادي بالبلاد، بمعني أن الدولة حاليا، تنفق حوالي 80 بالمائة تجاه مستلزمات الدفاع والأمن، بالمقابل، تنفق 20 بالمائة فقط تجاه التعليم والصحة والصناعة والزراعة والخدمات وغيرها، ويجب عكس هذا الهرم بأن يصبح الإنفاق 20 بالمئة للدفاع والأمن، ومن 80 بالمائة، تنفق لزيادة إنتاج القطاعات الاقتصادية".
وتابع الخبير الاقتصادي: "كما يجب تقليل عدد الدستوريين وتجميد المجالس التشريعية بجميع الولايات وأيضا تجميد البرلمان السوداني وإلغاء جميع مظاهر الإنفاق تجاه الكرنفالات والاحتفالات واستضافة المؤتمرات الإقليمية والدولية وسفر المسؤولين للخارج".