عام دراسي جديد في شمال سوريا... والإدارة الذاتية تلوح بإغلاق مدارس السريان

أثارت قضية المدارس السريانية المسيحية في شمال سوريا، جدلاً واسعاً في الأيام القليلة الماضية، ففي الوقت الذي يبدأ فيه العام الدراسي الجديد في شمال سوريا غدا الاثنين، لوحت فيه الإدارة الذاتية الديمقراطية بإغلاق هذه المدارس لمخالفتها القوانين المحلية حول تدريس المناهج في إقليم الجزيرة الذي يديره الأكراد.
Sputnik

وكشفت مصادر كردية عن مفاوضات جارية بين الإدارة الذاتية وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق مار أغناطيوس آفرام الثاني، الذي وصل قامشلو، شمالي سوريا قبل أيام.

مخاوف من تسلل إرهاب المخدرات إلى المدارس السورية
وتتخذ قضية مدارس السريان عدة مناح يشتبك فيها أطراف مختلفون، فهي مدارس خاصة مفتوحة أمام الطلاب من كآفة الأعراق، وهي مرخصة من قبل الحكومة السورية منذ عقود، بشروط التزامها بتدريس المناهج الرسمية المعترف بها، بينما لا تعترف بها الإدارة الذاتية — التي يشكل الأكراد غالبيتها — بهذه المناهج، بل تطالبها باعتماد مناهج الإدارة الذاتية غير المعترف بها محليا أو دوليا، فيما تجد الكنيسة — التي تشرف على المدارس — نفسها أمام هذه المشكلات، علاوة على مستقبل الطلاب في هذه المنطقة التي ما أن خرجت من دائرة الإرهاب وسيطرة تنظيم "داعش" (الإرهابي المحظور في روسيا) حتى وقعت في خلافات سياسية جمة.

وكانت هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة اتهمت شخصيات سريانية تمتلك مدارس خاصة بإثارة الفوضى، ومحاولة فرض تراخيص أو مناهج على مدارس الكنائس، وإدارة هذه المدارس بشكل مباشر أو غير مباشر من الحكومة السورية.

وقالت الهيئة في بيان الشهر الماضي "لا توجد مدارس خاصة للمكونين الأرمني والسرياني، هذه المدارس تعود للنظام (الحكومة السورية) من جميع نواحي العملية التربوية والتعليمية، وهي مرخصة أصلا من قبل النظام بأسماء أشخاص عاديين، وتستخدم كمشاريع تجارية، وكمعابر لتعميم مناهج حزب البعث والفكر الشمولي واللاديمقراطي".

شروط تغيير المناهج

وكشف المتحدث الإعلامي باسم الهيئة ياسر ياسين لوكالة سبوتنيك "هناك مفاوضات جارية حول هذه المسألة مع بطريرك المشرق الذي وصل إلى قامشلو قبل أيام"، مؤكدا "الدراسة ستستكمل، ولن تغلق المدارس، سوف تدرس مناهج باللغة السريانية، وأغلب السريان في الإقليم يؤيدون تدريس مناهج الإدارة الذاتية باللغة السريانية"، وهو ما كانت تطالب به الإدارة الذاتية.

وحول أعداد الطلاب والمدارس السريانية والأرمنية الخاصة في شمال سوريا، قال ياسين "لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد هذه المدارس، لكنها لا تتجاوز 20 مدرسة في إقليم الجزيرة"، موضحا أن هذه المدارس "تابعة للنظام مضمونا، والكنيسة شكلا".

وأضاف ياسين "الطلاب في هذه المدارس كانوا يدرسون مناهج النظام باللغة العربية وليس السريانية"، متابعا "يعني فقط كانت الغاية من هذه المدارس الاستفادة ماديا، وتلقين الطلبة مناهج لا تلبي متطلبات الأخوة المسيحيين".
وحول توقيت تنفيذ قرار إغلاق هذه المدارس، شدد ياسين "تم إرسال العديد من القرارات إلى المدارس الخاصة وعلى مدى سنوات لكن عبث ودون جدوى"، متابعا "كان من المفترض أن يتم تطبيق هذا القرار قبل سنتين".

المدارس السورية في مصر... فرص وتحديات وظروف قاسية

وتابع ياسين "قبل سنتين تدخلت الكنائس وناقشت ذلك مع الإدارة الذاتية، وتم منحها مهلة لإدخال مناهج باللغة السريانية في هذه المدارس الخاصة، لكن لم يفوا بالوعود.. واليوم انتهت المهلة".

وحول مصير طلاب هذه المدارس، قال ياسين "المدارس ستعود لعملها الطبيعي وستبقى ولكن بمناهج تدرس باللغة الأم، إلى جانب اللغة العربية بالطبع"، موضحا "الطلاب سيكملون دراستهم بشكل طبيعي".

وعن الاحتجاجات ضد قرار إغلاق هذه المدارس، أكد ياسين "التظاهرة التي حدثت كانت مفتعلة، لم يكن هدفها الأساسي المدارس، لأنها كانت تهتف لبشار الأسد، وأغلب شعاراتها كانت بالروح بالدم نفديك يا بشار".

وتابع ياسين "قسم من الأخوة السريان حاولوا تسييس موضوع التعليم عبر إدخال الكنيسة في هذه المسألة، ونجحوا إلى حد ما"، مشددا "سبق وقلت إن للإدارة الذاتية أنظمة وقوانين ومن الطبيعي تطبيق هذه الأنظمة، حتى وإن تأخرت أحيانا؛ حرصا على عدم بروز أو ظهور مشاكل".

الاتحاد السرياني يساند الإدارة الذاتية

الحزب السرياني من جهته اعتبر أخبار إغلاق المدارس السريانية مجرد شائعات، لافتا أن المدارس كانت اتفقت على تعديل مواد التدريس فيها لتقوية اللغة السريانية,

و قال رئيس حزب الاتحاد السرياني سنحريب برسوم، "أولا مسألة أن الإدارة الذاتية تريد إغلاق المدارس السريانية شائعات مغرضة، ولم يحدث هذا الشيء، وما حصل هو أننا كحزب ومؤسسات سريانية ثقافية أرسلنا وفودا تعليمية وإدارية للمدارس الخاصة لمناقشة آلية تعديل المناهج والاهتمام بتطوير اللغة السريانية".

وأضاف رئيس الحزب المساند للإدارة الذاتية في حديث مع "سبوتنيك"، "مناهج الدولة السورية منهاج عربي، يقوم على أيديولوجية خاصة بحزب البعث بها أخطاء كثيرة، وتهميش كبير لحقوقنا نحن كشعب سرياني"، موضحا "الوفود اتفقت مع إدارة هذه المدارس على تعديل المواد الدراسية إن لم يكن تغييرها؛ لتقوية التعليم باللغة السريانية ضمن هذه المدارس الخاصة بالكنائس".

ولفت برسوم "لا أحد أغلق المدارس أو الكنائس ولكن ما حصل هو أنه جرى الترويج للأكاذيب بأن هناك تعديات وتجاوزات على الكنيسة والناس"، موضحا "ما حصل هو أننا بعد نهاية الدوام وضعنا 3 إلى 4 عناصر على كل مدرسة للحماية، فاعتبر البعض أن ذلك احتلال وإغلاق للمدارس".

وأوضح رئيس الحزب السرياني "هذه التشويهات لا تخدم شعبنا السرياني وعموم المكونات في المنطقة، لصالح بعض الأطراف، ولذلك القوات الأمنية تعاملت باحتراف مع المظاهرات وانسحبت بهدوء كي لا تتطور الأمور"، مشددا "ذهاب وفودنا من أجل بقاء هذه المدارس مفتوحة بشرط تكثيف التعليم باللغة السريانية الأم، وهذا من حقنا نحن كشعب أصيل في سوريا".

وزير التربية السوري يكشف لـ"سبوتنيك" خطة تطوير اللغة الروسية في المدارس السورية

ولفت برسوم "هناك تمسك من جانب الكنيسة بمناهج الدولة السورية لكننا ما زلنا نتمسك بالحوار مع الكنيسة لنتوصل لحل مشترك بيننا، فلا أحد يريد إغلاق المدارس".

وحول المفاوضات الجارية مع بطريرك المشرق، قال برسوم "حتى الآن لم يتم التوصل لأي اتفاق"، متابعا "الكنيسة متمسكة بالمناهج وتقول إن أي تغيير ولو طفيف فإن الحكومة السورية سوف تلغي ترخيص المدارس وتغلقها".

وفيما يتعلق بشمول المفاوضات الجارية بين مجلس سوريا الديمقراطية والحكومة السورية لهذه القضية، قال برسوم "ندرك أن الإدارة الذاتية فتحت الحوار والتفاوض مع النظام السوري، ولذلك نأمل في التوصل لاتفاق، ونحن لا نسعى لتقسيم سوريا، أو الانفصال ولكن لدينا مطالب عادلة"، متابعا "الآن يوجد مفاوضات مع دمشق حول كل شيء وبالتأكيد منها المناهج، يجب أن نتفق نحن كحزب والكنيسة على هذه المطالب وتطبيقها وثم مطالبة الدولة السورية بالاعتراف بها".

شروط غير قابلة للتنفيذ

فيما قال مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية كبرئيل موشى كورية لوكالة سبوتنيك "ما حدث هو أن عناصر مسلحة تابعة للاتحاد السرياني ذهبوا للمدارس وطلبوا اعتماد مناهج الإدارة الذاتية"، موضحا "رفضت إدارات المدارس ذلك لأنه وفقا لشروط الاعتماد لدى وزارة التربية السورية هو الالتزام بتدريس المناهج الحكومية، ولا يمكن أن تتبنى أن منهاج آخر، وإلا تعتبر مخالفة ويسحب ترخيصها".

وأضاف مسؤول المكتب السياسي للمنظمة وهي حزب سياسي مسيحي مقره الرئيسي قامشلو "الاتحاد السرياني عمد إلى إخراج موظفي إدارات المدارس بالقوة من المباني"، موضحا "الإدارة الذاتية وفق الشروط التي طرحتها في مذكرة أرسلتها للكنائس حددت 3 عناصر، وهي أولا تدريس المناهج التابعة لها، ثانيا استخراج تراخيص بمدة معينة منها، عدم قبول طلاب عرب أو أكراد والاقتصار على الطلاب المسيحيين فقط".

بالصور...أمريكا تزرع المدارس السورية بالخضار

وأوضح كورية "تنفيذ أي شرط من هذه الشروط يعني إلغاء تراخيص هذه المدارس من قبل الدولة السورية، وكما نعلم إقليم الجزيرة والحسكة تعاني من ازدواجية السلطة، بين الإدارة الذاتية كسلطة أمر واقع، والحكومة السورية التي لا تتواجد في هذه المناطق فعليا ولكن تشرف على مدارسها".

وطالب كورية "هذه المسألة ليست سياسية، ونحن ضد تسييسها وخلق صراعات نحن في غنى عنها، وباختصار المدارس الخاصة لا يمكنها أن تستخرج ترخيص من الإدارة الذاتية، كما أنها لا تستطيع تبني مناهج غير تلك الحكومية".

وحول جدوى تدريس مناهج الإدارة الذاتية، شدد كورية "مدارس الإدارة الذاتية ومناهجها غير معترف بها قانونا، ولا محليا ولا إقليميا ولا دوليا، والطلاب الذين يدرسون فيها لا يمكنهم استكمال دراستهم في المستويات الأعلى، ولا الجامعية"، مؤكدا "قضية تدريس المناهج باللغات السريانية والأرمنية حق يراد به باطل".

وعن الوضع الراهن في هذه المدارس، قال كورية "المدارس مفتوحة الآن بواسطة المعتصمين والأهالي داخلها، وغدا يبدأ العام الدراسي الجديد، وسنرى ما إذا كانت سوف تستكمل بها الدراسة أم لا".

وأضاف كورية "نطالب بإدارة حوار بين أصحاب هذه المدارس والكنائس والإدارة الذاتية لحل هذه القضية المفتعلة"، داعيا إلى "التحلي بالعقلانية لمعالجة هذا الأمر، وعدم تحميل الطلاب وقضية التعليم ضحية للخلافات الحزبية، والصراعات السياسية في المنطقة".

مناقشة