مجتمع

"شعارات رنانة"... كيف تخدعنا الرغبة في الحرية

"قد يأخذون حياتنا، لكنهم لا يمكنهم أن يأخذوا حريتنا". ويليام والاس.
Sputnik

بهذه العبارة أعاد البطل الأسطوري ويليام والاس الحماس للمقاتلين، بعد أن ترددوا وخافوا أمام كثرة قوات العدو، وقادهم الممثل الأمريكي ميل جيبسون  -ويليام والاس- للانتصار على الإنجليز المحتلين لاسكتلندا إبان حروب استقلال اسكتلندا في الفيلم الشهير "القلب الشجاع" (Braveheart).

وعلى الرغم من ذلك، تحمل العبارة —التي غالبا ما تستخدم في سياق ساخر- شيء من التناقض، وفهم ذلك ليس بالأمر العسير؛ فلا شيء يزعجنا أكثر من أن يُقال لنا أنه ليس بوسعنا إيجاد خيارا آخر.

يطلق على الحافز القوي الذي نمتلكه —نحن البشر- لاستعادة الحرية المفقودة أو المُهددة، حتى لو كان ذلك بتكلفة باهظة مصطلح "التحفيز النفسي"، ويمكن أن يُطلق عليه "تأثير القلب الشجاع"، أو تأثير"الشعارات الرنانة"، بحسب نظرية أجريت عام 1966 لدراسة التفاعل النفسي بعنوان (A theory of psychological reactance).

جرى إثبات النظرية بسلسلة من التجارب مع اختلاف التهديدات؛ ما بين شخصية وغير شخصية.

في طريق الحرية.. خداع نفسي وتلاعب بالحقائق

تكشف النظرية أن هذا التأثير يحدث عندما يُقال لنا أنه "يجب علينا القيام بشيء ما" أو عندما يجري تهديدنا بعجزنا عن القيام بشيء ما، كما يمكن استحضار مثل هذا النوع من التحفيز من خلال إخبار الشخص بأن شخصيته أو انتمائه الجنسي أو العرقي يستوجب عليه القيام بهذا الأمر دون غيره. كما أن أي شيء يشعرنا بأن حريتنا (أمننا، غذائنا…ألخ) مهددة يوقظ قوى خارقة بداخلنا.

وبحسب النظرية، نشتعل غضبا، ونبدأ بالتصرف —لا إراديا- ضد أي شخص أو شيء يُهدد حريتنا. ولا يشغل بالنا —حينها- سوى أن ما ستؤول إليه أحوالنا سيكون صعبا وقاسيا، وما سنفقده أفضل ما لدينا".

نبدأ بالتصرف لاستعادة إحساسنا بالحرية المسلوبة. وقد نفعل أشياء غير طبيعية وربما نقوم بأشياء نهينا عن فعلها من قبل.

على سبيل المثال، إذا أخبر القاضي المحلفين أنه ليس لديهم خيار سوى تجاهل الأدلة غير المقبولة، فإن ذلك يزيد من فرص تأثرهم بهذه الأدلة.

يقول سيمون مكارثي جونز، أستاذ مشارك في علم النفس العيادي وعلم النفس العصبي، بكلية ترينيتي في دبلن:

نميل —تحت تأثير الاحساس بفقدان الحرية- إلى استخدام التوقعات والتنبؤات كحقائق مؤكدة ونعمل وفقا لها.

وبحسب دراسة بعنوان "إثارة التفاعل النفسي كنتيجة للتنبؤ بسلوك الفرد" ربما نختار عكس ما يقال لنا أن شخصا مثلنا سيختاره، أو ربما نتخطى الصورة النمطية غير النافعة لما هو متوقع من جنسنا إلى شيء ذا أهمية".

كيف نقع تحت هذا التأثير؟

في أبريل/نيسان من عام 2004، تناول مجموعة من الباحثين عبر تجربتين تأثير تحفيز القوالب أو الصور النمطية، وكذلك قوة ادعاء قيمة ما أو حتى إنشائها من العدم.

كشف الباحثون في تجربتيهما أننا لا نقع تحت تأثير "القلب الشجاع" إلا إذا شعرنا بأننا بالفعل قادرين على استعادة حريتنا، وإلا فإننا سنقوم بترشيد تحركاتنا بدلا من ذلك. وتوَّصل الباحثون إلى إنه حال وقوع الإنسان تحت هذا التأثير، فإن قوة التأثير تعتمد على عدد من العوامل.

أولا، كلما زاد شعورنا بأن هناك شخص حقيقي يقيد حريتنا، كان التأثير أكبر. كما نشعر بتأثير أكبر إذا طلب منا شخص أن نفعل شيئا بنحو شفهي على عكس ما إذا تلقينا نفس الرسالة في شكل مكتوب.

ثانيا، يعتمد التأثير على كيفية صياغة الرسالة التي تفيد بتقيد حريتنا، فاستخدام مصطلحات قوية ومضبوطة مثل يجب (…)، ولابد من (…)، ومن الضروري (…)، وتحتاج إلى (…) ، يؤدي إلى تأثير أكبر مقارنة بالمصطلحات الضعيفة، مثل عليك النظر في (…)، ويمكن أن (…)، وربما عليك (…).

ثالثا، يعتمد الأمر على الشخص نفسه. ويعتبر مدى تأثره سمة شخصية مقارنة بالآخرين. فبعض الناس أكثر استعدادا للتأثر بالتفاعل أو التحفيز النفسي من الآخرين.

أخيرا، تؤدي الثقافة دورا في عملية التأثر؛ فالأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات أكثر فردية يكون لديهم معدل تأثر أقوى عندما تتعرض حريتهم الشخصية للتهديد مما هي عليه عندما تكون حرية جماعتهم مهددة. في المقابل، الأشخاص ذوي الثقافات الأكثر جماعية (مثل الصين) يظهرون النمط المعاكس.

المبرر الأخلاقي.. ولماذا يحدث تأثير "القلب الشجاع"؟

يرى عالم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت بأن أسلافنا القدماء كان عليهم حل مشكلة العيش في مجموعات صغيرة مع الآخرين الذين —إذا أُتيحت لهم الفرصة- يحاولون الهيمنة عليهم وتقييدهم.

ويقترح هايدت أن الانتقاء الطبيعي يُفضل أولئك الذين استجابوا لمثل هذه المحاولات بغضب مبرر أخلاقيا.

وتكون فرص خسارة أولئك الذين يتأثرون بتحفيز "القلب الشجاع" أقل عند المنافسة على الطعام أو التزاوج.

هناك مجموعة من النظريات تفسر السبب الكامن في أن المساس بشعور "الإرادة الحرة" شديد الحساسية وعلى رأس أولوياتنا، لكن في أثناء السعي لتفسير الظاهرة، وجدت دراسة أنه إذا تم تقليص إيمان الشخص بالإرادة الحرة فسيكون أكثر عرضة لمارسة الغش والتصرف بعدوانية، ويكون أقل قابلية لمساعدة الآخرين.

هكذا يجري التلاعب بنا!!

يضيف جونز أن أحد الأسباب التي قد تدفعنا إلى معرفة المزيد عن هذا التأثير النفسي هو أننا بذلك نستطيع معرفة ما إذا كنا واقعين تحت هذا التأثير أم لا، وحينها يمكننا أن نتوقف وننظر بعقلانية فيما إذا كان رد فعلنا —تجاه الشيء أو الشخص- مفيد حقا، بدلا من الاكتفاء بالقيام بالفعل فحسب.

على سبيل المثال، هناك وعي متزايد بأن الشركات قد تستخدم التحفيز المظلم —الذي ينطوي على عملية تحفيز غير مباشرة- لجعلنا نتصرف ضد مصالحنا وكذلك استخدام أفكارا وإحصائيات مستمدة من العلوم السلوكية لربطنا بمنتجاتها.

وكلما أصبحنا على وعي أكثر بهذا الأمر، أمكن لنا تطويع عملية التحفيز والاستفادة منها لخدمة مصالحنا بدلا من مصالح الشركات أو الجماعات أو الأحزاب.. إلخ، ويساعدنا ذلك فى التفكير بمنطق وعقلانية أكثر، بحسب جونز. 

بعد كل هذا الضجيج.. لماذا فشل "حذف فيسبوك"!

مثالا على ذلك، عندما جرى الكشف عن تسريب بيانات نحو 50 مليون من مستخدمي فيسبوك التي استخدمتها شركة كامبريدج أناليتيكا بغرض التلاعب بالمستخدمين، أثار ذلك حالة شجب واستنكار عارمة بين مستخدمي الموقع الأزرق، ما أدى بالبعض لتوقع نهاية العملاق الأزرق.

دعا كثيرون إلى تدشين حملة ضد فيسبوك بعنوان "حذف فيسبوك" (#DeleteFacebook) فورا، كان من بينهم الكثير من المشاهير والمثقفين. ومع ذلك، بائت الحملة —في ما يبدو- بالفشل، وذلك لعدد من الأسباب.

إذ كشف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إن قرار حذف فيسبوك يحتاج إلى أكثر من مجرد حملة وشعار، الأمر يحتاج دراسة متأنية

سبب آخر لمعرفة تأثير القلب الشجاع هو أن نكون قادرين على معرفة متى نتأثر بهذا التحفيز. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام أوقات التأثر بعملية التحفيز ضدنا. إذ تحاول الشركات تطوير إعلانات تعتمد على هذا النوع من التحفيز.

يقول جونز يمكن أن يساعدنا الانتباه إلى تأثير "القلب الشجاع" على أن نكون من صانعي القرار الواعيين وفقا للحسابات العقلية والمنطقية بدلا من أن نكون ضحايا سلبيين للتطور أو أهدافا للشركات.

لكن، حتى إملاءات العقل يمكن أن تثير فينا تأثير "القلب الشجاع". وكما يلاحظ الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي، أحيانا، قد نقدم الحرية على كل شيء. فهل الحرية وسيلة لغاية، أم غاية في حد ذاتها؟    

مناقشة