قصور تحت الأرض... "مطماطة" قرية تونسية يعيش أهلها في باطن الجبل منذ 400 سنة (صور)

مدينة القصور أو "هوليود تونس"، وتسمية أخرى بـ"مدينة الكهوف"، هي قرية مطماطة، الواقعة ضمن سلسلة "جبال مطماطة" الممتدة جهة الجنوب الشرقي لتونس، والتي تحمل بين جدرانها العريقة المنحوتة في الصخر الكثير من الشواهد التاريخية والموروث الشعبي التونسي لقبائل الأمازيغ.
Sputnik

"سبوتنيك" تواصلت مع عدد من أهالي القرية ومنهم عثمان لطرش، صاحب أحد المنازل المحفورة في باطن الصخور، وكذلك الكاتبة سوسن طيب العجمي التي أعدت بعض الدراسات عن القرية، وسردا كافة التفاصيل عن قرية القصور التونسية.

طبيعة المنازل

بيوت القرية ذات طبيعة خاصة، فهي محفورة في باطن الجبل تحت الأرض، وكل منزل مكون من "باحة" منزل رئيسية تزينها الرسوم القديمة، وتفتح عليها أبواب الغرف الأخرى، كما يوجد في مدينة مطماطة قلعة قصر جمعة الشامخة، والتي تطل على المنطقة الداخلية للمدينة،، يوجد داخل البيت أو الحفرة المطبخ المجهز بالفرن المبني من الطين والفخار، كما تقسم الغرف بعضها للأكل وبعضها  للاستراحة، وبعضها لتخزين المؤونة والمياه، وهي ليست على هيئة واحدة.

تنحت الغرف حول ردهة كبيرة محفورة بمنتصف المنزل  ومفتوحة على الهواء الخارجي للأعلى، وبها المدخل الرئيسي للمنزل، وحفرت المنازل بواسطة أدوات تقليدية كالفأس والبالة والقفة، ويعمل سكانها حتى الآن بالفلاحة والمهن البدائية، إلا أن بعضهم خرج إلى مدينة مطماطة الجديدة وسكن البيوت الأسمنتية.

جغرافيا المدينة

 مدينة مطماطة تابعة لولاية قابس وتبعد عن خليجها نحو 43 كيلومترا، وعن عاصة تونس 450 كيلومترا، وعن مدينة مدنين التونسية 60 كيلومترا، وتوجد في قلب سلسلة جبل مطماطة في الجزء الجنوبي الشرقي من دولة تونس.

نسبة التسمية

يعود تاريخ الإنشاء إلى نحو 400سنة، واسمها الأمازيغي "أَثْوَبْ" وهي كلمة أمازيغية تعني أرض السعادة والهناء، وبحسب بعض المواطنيين التونسيين، سميت مدينة مطماطة على اسم قبيلة أمازيغية قديمة، التي لم تستطع مقاومة  جحافل بني هلال، ولا العيش معهم، وأن أهلها هاجروا إلى هذه المنطقة الوعرة، وحفروا بيوتهم في باطنها حتى لا يراهم أحد، وأن الهدف من حفر المنازل في باطن الأرض يتعلق بالمناخ، خاصة أن  باطن الأرض كان دوما رطبا في الصيف، ودافئا في الشتاء.

العادات والتقاليد

حسب من تواصلنا معهم فإن سن الزواج في مطماطة هي 17 سنة عند الفتيات وعشرين عند الفتيان. وكان العادة في مطماطة أن يتزوج الشاب بثلاث فتيات أو أربع، إلا أن الأمر تغير حاليا نظرا للقانون الذي يقر الزواج بواحدة فقط.

تبدأ الاحتفالات بالزواج على عدة مراحل منذ إعلان الخطبة، حيث يرسل العريس الفلفل الحار وكمية من اللحم، مع بعض الهدايا الى العروس، وتستمر الاحتفالات ثلاثة أيام.

في يوم الزفاف يدعو العريس أهل القرية على حفل طبق الكسكسي إلى جابن الفلفل الحار الفلفل الحار ضيف المائدة الدائم على موائدهم.

يوم العطرية

يسمى اليوم الذي تنقل فيه الأجهزة إلى بيت العروس، وتذهب العروس إلى الحمام برفقة صديقاتها، وتغطى العروس بلحاف طوال الطريق حتى لا تظهر للمارة.

بعد وصل "العدل"  وهو المأذون، توقع العروس على وثيقة عقد القران إلى جانب العريس، وعند خروج "العدل" تندفع الفتيات وراؤه على أمل أن يتزوجن في القريب العاجل، وهي عبارة عن تبرك تقوم بها الفتيات حتى الآن.

اللباس

 يتمسك سكان المنازل بالعادات والحياة التقليدية في اللباس والمأكولات التراثية التونسية حتى الآن، ويتميزون بالكرم والترحاب حيث يفتحون بيوتهم لكل الزائرين، مما حول القرية إلى مزار لكل السياح القاصدين تونس.

حرب النجوم

اكتسبت "مطماطة" شهرتها العالمية  قبل عشرات السنوات من خلال فيلم "حرب النجوم"، الذي صور في بيوتها الغريبة عام 1970،  وظهرت القرية في الفيلم وكأنها من كوكب آخر.

مطماطة في الأدب

لم يقتصر الأمر على  ذكر القرية بين الأوساط الصحفية والسياحية بحسب، بل أنها أصبحت ضمن الأعمال الأدبية، حيث أنها وردت في رواية  للروائي عثمان لطرش تحمل اسم "مطماطة".

يقول لطرش في حديثه الخاص إلى" سبوتنيك":

يقول المثل "ثمة مدن نسكنها وثمة مدن تسكننا" ومطماطة أسكنها وتسكنني، هي مهد صباي وهي ملاعب طفولتي ومعاهد دراستي، الجبل الأخشب العاري علمني كيف أعري الواقع نقدا وكيف أتعرى أمام القارئ ليقرأني دون حجاب، أشواكه الحادة من بكّ وقندول وقتاد أدمت قدمي وأنا طفل حافي الجيب، وهي الآن ذاكرة لذيذة أمتح منها خيالا يهمي حبرا على الورق.

يتابع "مسالكها الملتوية الوعرة لم تغب عن متن الرواية فاذا القارئ كأنه يصّعد في الجبل يلهث فيقف عند النبع ثم يرقى حتى يدرك القمة، أما الديار المحفورة تحت الأرض والتي نسميها الحوش وجمعه حياش،  ونسميها مراح وجمعها مرحاوة، هي الكنز المعماري النفيس بل الفريد، في رحابه ودهاليزه، حيث جرت أحداث الرواية في إحدى غرفه العجيبة زُفّ صابر إلى حبيبته ناجية، تحت الثرى تناجيا الهوى وكرعا من معين العشق النقي، تحت الأرض في مطماطة قصور لا قبور.

وفيما يتعلق بتناول الرواية لتاريخ المدينة يقول: "رواية مطماطة تَشكل البناء الحدثي فيها على أسطورة الجد مِطماط،  الذي رُسمت له أبراد خيال تغذى من تاريخ ابن خلدون وابن حزم، فهو جبار الجبال أقسم أن يعيش كالنسر فوق القمم الشماء، وأن يورث هذا المجد لمن يأتي من نسله، فقد انطلق مطرودا من جبال اليمن واستقر في جبال طرابلس الغرب حتى التقى حبيبته جمان، فأخذها من عشيرتها وفر من جبل إلى أخر حتى قر قراره في جبال دائرية تتخفى عن الباحث ببعضها البعض، فأنجب البنين والبنات ودار الدهر وسار الزمن فنشأت من عقب  الجبار قبيلة سميت مطماطة.

يستطرد: "مطماطة القرية هي الملهمة، ولا يسير قلمي إلا في ركابها، فهي الذاكرة الدامية والحضن الدافئ، هي هوليود تونس تشع ضياء بشمسها اللافحة وتاريخها الوهاج وجبالها العلياء ودورها الساكنة تحت الثرى.

مناقشة