مجتمع

"الشيخة مريم"... ضريح يزوره المسلم والمسيحي في صعيد مصر

داخل أحد الأزقة الضيقة المطلة على منطقة السواقي الأشهر بالفيوم، إحدى محافظات الوجه القبلي بمصر، يقع ضريح الشيخة مريم.
Sputnik

يطل الضريح  من الجانب الآخر على بحر يوسف الذي يغذي المحافظة بالمياه العذبة، في غرفة بجانب المسجد يطل شباكها على الطريق الفاصل بينها وبين بحر يوسف، الذي ارتبط بالنماء عند أهل المحافظة.  

مسلمة أو مسيحية

الروايات المتعددة عن مقام الشيخة مريم ليست موحدة، ولا توجد مصادر موثوقة لقصتها الحقيقية، أو ما إن كانت مسلمة أو مسيحية، فكل مريد يرى فيها ما يريده.

أثناء جولة لـ" سبوتنيك" بجوار المقام، التقيت برجل يبلغ من العمر نحو الستين "أبو أحمد"،  كما أخبرنا يجلس بعكازه إلى جوار المقام، وكأنه أحد حراسه.

ضريح الشيخة مريم

يقول الرجل إن الشيخة مريم، بحسب ما عرف من الأجيال، التي سبقته، أنها مسلمة، وأن ما روى عنها أنها كانت جميلة جدا، وأنها ارتبطت بالخصوبة والنماء نسبة لبحر يوسف، والبعض ذكر أنه أطلق عليها "حارسة السواقي"، وأن إقامة ضريحها ما بين بحر يوسف والسواقي كان لهذا السبب.

يضيف أن بعض الصوفيين يقولون أنها كانت متصوفة، ويأتي إليها العديد من المريدين في موسم الربيع، كما أن الكثيرين من المسيحيين في الفيوم يزورونها على إنها قديسة، ولها بركات ومعجزات على شفاء النساء من العقم، وبعض الأمراض الأخرى وفك الكرب، وهو الأمر ذاته، عند المسلمين" بحسب رواية الرجل".

سيدة أخرى تسمى "صفية"، تبلغ من العمر نحو الخمسين، تجلس بجوار المقام تبيع الفاكهة، سألناها عن معرفتها بصاحبة المقام.

صاحبة المقام

"تل بني تميم".. قصة قرية المئة ضريح في دلتا مصر
تقول السيدة لـ"سبوتنيك" إنها لا تعرف القصة الحقيقية للشيخة مريم، إلا أنها تمكث في نفس المكان منذ سنوات طويلة، وأنها ترى السيدات من المسلمات والمسيحيات يأتين إلى المقام، ويتبركن به، ويتركن بعض النذور من شباب المقام، ويجلسن إلى جواره يتمتمن بكلمات تفيد الرجاء والتوسل والتوسط من أجل الشفاء أو فك الكرب، وأن الكثير من السيدات يحكين عن فك كرب إحدى جاراتهن بعد القدوم إلى المقام، إلا أنه لا دليل قاطع على هذا الحديث الذي يكون بمثابة البشارة لبعض السيدات القادمات.

تقول السيدة إن بعض الأغنيات التي حفظتها من خلال جلوسها إلى جانب المقام، ويرددها من يطوفون حول المقام تقول:

زرعنا القمح وقلعنا الزرع       وأنت البيضاوية

إحنا وأنت ع الزراعية       يا مريم بنت الأكابر

والله لأخبز لك عيش فاخر        وأنت البيضاوية

يا أم الشال أخضر وحرير         هاي  هاي

لأعملك حمام وفطير         طيري يا شايلة الفلاحة

زوجة الأسير مروان البرغوثي تعتصم داخل ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات
الصعيد والذكورية

على عكس ما يشاع عن صعيد مصر أنه مجتمع ذكوري، فإنه يقدس المرأة ويتبرك بها، هكذا يقول الباحث الشعبي والشاعر، مسعود شومان، حيث يؤكد أن الجولات الميدانية التي قام بها في صعيد مصر، أكدت عكس الصورة الذهنية السائدة عن الصعيد، وأن هناك الكثير من السيدات يقام لهن المقامات والأضرحة والموالد، وأن الصعيد يحتفى بالأنثى، ويقدسها كامرأة صالحة.

ويضيف شومان في حديث خاص إلى "سبوتنيك"، أن الأمر لا يتعلق بالشرك بالله أو الوثنية عند المسلمين أو المسيحيين، وأن المجتمعات الشعبية في مصر تحتاج إلى أولياء صالحين، وهم بمثابة الآلهة المحلية لامتداد المصري القديم، خاصة أن الموالد والاحتفالات بالأولياء تمثل أفراح الفقراء أو القطار الترويحي.

ويؤكد شومان أن التبرك بالأولياء لا يستقل بكل دين بمفرده، خاصة أن الكثير من المسلمين يذهبون إلى بعض الأولياء من المسيحيين، وعلى العكس أيضا، كما أن هناك بعض المقامات يذهب إليها كل من المسلمين والمسيحيين معتقدين أنها تابعة لهم، ومنها مقام "العريان، والست تريزا"، وهو موجود في مقام أبو الحجاج الأقصري.

تحت  القبة شيخ

في كتاب" تحت القبة شيخ… حكايات الأولياء" الصادر عن سلسلة الثقافة الشعبية (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2013)، للدكتور إبراهيم عبد العليم حنفي، الذي سلط الضوء على نمط التدين الشعبي في مصر، وتحدث في جزء كبير من الكتاب عن الفيوم، التي تضم الكثير من المقامات لأولياء الله الصالحين. وتحدث الكتاب عن ثلاثة محاور رئيسية هي التكوين، والوجود، والمصير، والتي تناقش الثقافة الشعبية والمعتقدات التي ترى روح الخير في مقامات الأولياء، وكان مقام الشيخة مريم ضمن القائمة التي رأى فيها الكاتب بحسب الاعتقاد الشعبي، أنه بها روح الخير.

ويرى الكاتب  أن عالم الأولياء مليء بالحكايات الأسطورية، وأن لكل ولي حكاية خارقة تثير انتباه العامة، وهو ما يجعله مقصدا لنسبة كبيرة من البشر.

ويضيف أن التعاويذ تكون بديلة للشعر أو الغناء، وأنها ارتبطت بشكل كبير بالمجتمع الفيومي في ممارسة الطقوس حول الأضرحة.

مناقشة