وتتنوع تلك الانتهاكات والعنف ضد الأطفال وتأخذ أشكالا متعددة ما بين جلد تلميذ في فناء المدرسة لتأخره عن طابور الصباح، إلى معاقبة معلم لتلاميذ الفصل بعد ارتفاع صوتهم.
وفي السودان، رفع الخبراء وأولياء الأمور شعار "ارفعوا السياط عن ظهورهم" بعد قيام بعض الولايات بإقرار عقوبة الجلد كعقوبة على التلاميذ في المدارس وهذا الشعار ليس بجديد، وإنما احتفت به إحدى منظمات المجتمع المدني منذ العام 2008، غير أن مواقف الحكومة كانت متباينة لتحقيق الشعار، وأصدر الرئيس السوداني عمر البشير في العام 2010 قرارا قضى فيه بمنع العقوبة البدنية للأطفال، وقال في وقت لاحق: كنا قد منعنا المعلمين من ضرب التلاميذ. والآن نقول إن المعلم يحق له ضرب التلاميذ".
صورة سلبية واضطرابات نفسية.
قال الدكتور عبد الله غازي، أستاذ الصحة النفسية في مصر لـ"سبوتنيك": "تبلغ ذروة تأثير العنف المدرسي في المراحل التعليمية الأولى من "الحضانة" والابتدائي وجزء من المرحلة الاعدادية"، مضيفا: "استعمال العنف مع الطفل في تلك المرحلة يرسم له صورة سلبية عن ذاته وعن الآخرين أو المجتمع المحيط به، وهو ما يجعل الطفل يكره العملية التعليمية كلها وكذلك الأشخاص الكبار ممن هم في سن من مارس عليه العنف ويمكن أن يكرة حتى والده، وهذا يؤثر على العملية التعليمية للطفل أو عملية التحصيل.
وأضاف غازي، أن الأهم من هذا أن الطفل الذي مورس عليه العنف يعاني من اضطرابات نفسية في وقت لاحق، لذا فنحن في العمليات العلاجية نقوم بالرجوع إلى السنوات الأولى من حياة المريض النفسي، حيث تترسب الخبرات السيئة منذ الصغر وتترسب في اللا وعي أو لا شعور إلى أن يكبر الطفل ويصبح رجلا وتؤثر فيه تلك الترسيبات دون أن يدري.
وتابع: "ليس شرطا أن يكون المعلم هو الوحيد الذي يمارس العنف على الطفل، ربما يكون واحدا من الذين يمارسون العنف على الطفل مثل زملائه أو من والديه، والعنف ليس نوعا واحدا بل يمكن أن يكون بالضرب أو الإيذاء وإحداث إصابات في الوجه مثلا، علاوة على العنف المعنوي بالألفاظ السيئة والتحقير من الذات وتقليل شأن الطفل، بأن أقول له على الدوام أنت بليد وغير قادر على الفهم ولن تنجح، وهو ما يولد لديه شعور بالدونية وعدم قدرته بحماية نفسه والتعبير عن ذاته".
الاستراتيجيات الحديثة
ومن جانبها قالت الدكتورة إيمان إيمان دويدار، استشاري نفسي للأطفال لـ"سبوتنيك"، إن العنف المدرسي أو الأسري هو كل فعل يوجه للأبناء ويؤذيهم سواء نفسيا أو جسديا، سواء كان ضرب أو تهديد نفسي، أن الطفل الذي تعرض للتعنيف منذ صغره، ووفقا "لاستراتيجية النموذج"، يكتسب الطفل سلوكياته وعاداته سواء سلبية أو ايجابية من الوالدين، ويقوم بتقليدها، وبعض منها يترسخ في ذهنه حتى بعدما يكبر ومن الممكن أن يؤذي أولاده مستقبلا.
وأشارت دويدار إلى أن هناك ثلاثي يقوم بتكوين الصورة السلبية لدى الطفل وهي البيت والمدرسة والشارع، والعنف داخل البيت هو بداية للعنف داخل المدرسة لأن أول بيئة ينشأ بها الطفل هي الأسرة، وقد رويت لي قصة حقيقية عن صراع الأب والأم وتمثلت في قيام الأب بإغلاق منزل الزوجية وقام بإلقاء أطفاله بالشارع أمام إحدى العمارات نكاية في الأم لإجبارها على الامتثال لأوامره، فهل يمكن أن نقول هنا أن الطفل سليم نفسيا بعد تلك الواقعة، وبعدها بأيام قليلة كان هناك استدعاء لولي الأمر في المدرسة بسبب أن الطفل غير مركز ويقوم بضرب أصحابه.
وأكدت، أنها تستطيع تحديد الطفل الذي تعرض للعنف الأسري من خلال اختبار يطلق عليه "اختبارالمعاملة الوالدية"، قامت بوضع أسئلته بعناية، وتطرحها على الوالدين، ومن خلالها تعرف حجم التأثر النفسي للطفل، وبعدها تقدم لهم طرق العلاج الفعالة، وأوضحت أن 85% من المدرسين الذين يمارسون العنف على الأطفال حدث لهم عنف عندما كانوا صغارا، وعندما يكبر ويمتلك القوة يقوم بممارسة العنف والعدوان على الآخرين ومنهم الأطفال الموجودين تحت يديه لذا من المفترض أن يخضع المعلم وخصوصا من يتعامل مع الأطفال الصغار لاختبارات عن ميوله للعنف.
اغتيال البراءة والعقاب البدني.
قال معاذ عبدالله، الطبيب النفسي السوداني، المشكلة ليست في العقوبة الوقتية وإنما أي عقاب سواء من الأسرة أو من المدرسة له أثره السالب على الطفل، ومن خلال تعاملنا النفسي مع الأطفال لم نجد طفلا أصيب بمرض نفسي إلا وكانت العقوبة البدنية واللفظية وراء إصابته.
وتحدث معاذ، إحدى الحالات التي صادفته في أثناء عمله لطفلة بريئة قادتها العقوبة البدنية في المدرسة إلى إيذاء نفسها وأسرتها وقامت بممارسة الرزيلة وبررت ذلك بأنها أرادت معاقبة والدها الذي يقوم باستمرار بمعاقبتها بدنيا، وطفلة أخرى كادت أن تتسرب من المدرسة بسبب أن المعلمين هددوها بالضرب في حال عدم الاعتراف بالمجموعات التي التحقت بها للتحصيل الدراسي، لولا أن تصدت والدتها للمشكلة، وقامت بمعالجتها.
وأضاف عبد الله، رصد عدد من الأطباء والأخصائين النفسيين الكثير من الحالات في أثناء عملهم، مضيفا: "يبدو أن العقاب البدني واللفظي الذي وجده الأطفال كان له بالغ الأثر، وأثبتت عدد من الدراسات أن السبب الرئيس وراء الاعتداءات الجنسية التي يتعرض إليها الأطفال هو العقاب البدني".
ولفت عبد الله إلى أن وزارة التعليم السودانية أدركت خطورة العقاب البدني واللفظي على التلاميذ والطلاب، لذا سارت في مسارات عدة لتجنب الظاهرة، أهمها إصدار قرار أنه لا يتم تعيين المعلمين إلا بعد اجتياز أربعة امتحانات، منها امتحان وزارة التربية والتعليم، وامتحان المهن التربوية، وشددت على ضرورة التدقيق في اختيارهم، كما شددت على أن كل من يخالف اللوائح الخاصة بثواب وعقاب التلاميذ يعرض نفسه للمحاسبة القانونية.
تقرير/ أحمد عبد الوهاب